أقلام حرة

تعليقا على مؤتمر الربيع العربي لمركز دراسات الاسلام والديمقراطية / بهاء الدين الخاقاني

السلام عليكم

اشكرك على دعوتك الكريمة ..

يشرفني ان أضيف تعليقاتي المتواضعة على ما ورد في مؤتمركم القيم**، أستجابة للطفكم وخلقكم في رغبتكم لذلك ولخلقكم باطلاعي على ما ورد من أفكار مهمة ولشخصيات مشهود لها في الساحة الفكرية، أسبقها بالشكر الجزيل على هذه الثقة اليكم ولمؤسستكم الرائدة، متمنيا أن تساهم بريادتها في كل الساحات العربية من وطننا العربي من الخليج العربي حتى المغرب العربي بمثل هذه الرؤى الناضجة، مع تأكيدي أن الديمقراطية آلية من آليات فكر الحرية، وليست مستقلة بذاتها كثقافة أو فكر أحادي الجانب أو شمولي، وعلى أساس ذلك أستندت في تعليقاتي، واعتقد عبارة الامام علي تسعفني في مقدمة لذلك:

(الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) ..

أخي الاستاذ العزيز ..

ان حقيقة الاعتراف بحقوق الانسان والحرية والديمقراطية تفرض نفسها، وسيكون مطلب الديمقراطية هو المطلب التاريخي المعاصر الى جانب مطالب التنمية والأمن الوطني وما فيه من أمن عقائدي وغذائي وقومي وديني عند القوى المتنورة، وستكون المحاور هذه مرتبطة ببعضها وستكون الديمقراطية القيمة الأولى في الحراك الاجتماعي  والطرح السياسي ..

 

*العرب واشكالية الفعل الوطني:

ان العرب بكل تأكيد ليسوا استثناء في هذه الاشكالية، ولكن ما يهمنا الأن هو العرب الآن دون غيرهم، وما في الأمر من اشكالية الحرية والمواطنة وكيفية التعبير عن القومية من كونها عروبة بخصوصية أمة تاريخية حضارية، واذا بها تستند على نطريات دخيلة كنظرية بسمارك لربما كانت لخصوصية بلدانها لها من الأهمية، أما لخصوصية بلدان أخرى كانت كارثية وكما أثبت التاريخ وبالأخص في وطننا العربي، وبالتالي لا يمكننا أن نعتبر ضرب هياكل الدولة ومؤسساتها تغييرا حقيقيا، بل له علاقة بروح الوطنية من عدمها، كضرب مثلا المؤسسة العسكرية أو الاعلام، كما حدث في العراق وليبيا وغير ذلك، فهذا التصرف اللاوطني وان كان في تبريرات البعض رد فعل أو عفويا وبريئا، ولكنه يفقد الدولة القادمة بعد التغيير أو الثورة أجنحة القوة لتنفيذ برامجها، وفي نفس الوقت هذه الظاهرة ستسمح لمن هب ودب من التآمر على سيادة الدولة واختراق الأمن الوطني، كما حدث بالعراق عندما بات جبهة مواجهة الارهاب والاقتتال ليس على صعيد الوطن بل على الصعيد العالمي .

هناك في نفس المنظار والوقت، مؤشر ايجابي بسبب الوعي الوطني والثقافة الحضارية للنظر الى المستقبل لكل من تونس ومصر وشئ ما في اليمن، فاني أختلف مع بعض الاطروحات التي وردت في المؤتمر بهذا الخصوص، حيث ستكون المتغيرات السياسية تستندد على قوة من أدوات السلطة وآلياتها للاتجاه نحو التغيير والديمقراطية وتثبيت النظام عندما حافظت على مؤسسات الدولة الأساسية بعد اسقاط النظام خلافا لليبيا مثلا والعراق، وكما يحدث لسوريا التي كنا نظن انها ربما تعطي مثالا بليغا مضافا للتغيير الحضاري على مستوى النظام والمعارضة وليس حالة دموية كارثية مع الاسف، وبالتالي ستأخذ مديات التغيير عمرا حسب هذه الظاهرتين في الساحة العربية، لعلاقات ذلك بمستويات الفساد من عدمه وردع عوامل الاستفادة من تدمير البنى التحتية الاقتصادية من عدمها، وضياع الثروات ومنها اسرار البلاد التي يمكن أن تساهم في نهضته من تحصينها، وتنامي ما يمكن وصفه بالمافيات من عدمها .

 الفارق بين الظاهرتين ليس كبيرا وهو بحجم نقطة لا غير ما بين أن تنهض البلدان بأسرارها الوطنية وما بين أن يدمرها الآخرون بنفس الأسرار، والمعنى كبير .

 

* التكامل العربي باتجاه الوحدة:

ان نهضة العرب وفي كل الشعارات التي طرحت الى الآن، ان كان في هذا الربيع أو قبله من ربيعات وتحول كل الربيعات السابقات الى خريف سريع، تبقى ناقصة ومؤشرا لتراجع جديد اذا لم تكمل حقيقة واقعها التاريخي، وعلى الأقل في الجانب اللغوي والتاريخي والحضاري والجغرافي، .

ان هذه البلدان العربية مرتبطة بتاريخ واحد وجغرافية واحدة وهكذا، لفهم مضادات الآلية للتحول الديمقراطي، كيما يتم استكمال الموضوع في الفكر والسياسة، ومن أهم ما يجب استكماله في الأطروحات الجديدة القديمة هو موضوعة التكامل العربي كخطوة مهمة للوحدة العربية أما على شكل أقاليم أو ولايات أو اطروحة جديدة.

ان التكامل او الوحدة الناتجة بعد ذلك، صيرورة عالمية كما نشهد هنا وهناك عندما ينضج الوعي الى الأساسيات من أسباب وجود هذا الكائن البشري على الأرض، ومن المؤسف لم نلمس هذا الطرح الأساسي في شعارات ما سمي بالربيع العربي ونحن أحق به، رغم اني في حالة تشائم من العنوان على رغم تفائلي بالحدث لانه يؤكد أنه فصل موسمي مؤقت .

 ان نظرية ألية الديمقراطية وفكرة التعددية ونظام البرلمانية وعقيدة الشورى وغير ذلك، لا يمكن ان تستدل على استكمال رؤيتها الا بهذا الطرح من الوحدة أو مرحلية التكامل والعمل من أجله والمباشرة بتطبيقه استنادا أيضا لرغبة الجماهير كما استندت عليه الانتفاضات والثورات، والا حدث التحكم السلطوي لهذه الجهة او تلك، وان كانت هناك تعددية تمنع مثل هذا الأمر، وربما كما قلنا العودة الى نقطة الصفر من جديد .

 علينا ان لا نبرر المعوق بحجة نظريات المؤامرة وان وجدت ولا أنفيها، الى جانب حجج الخشية من التدخل الأجنبي الأستعماري، أو أن الديمقراطية ناشئة ومكوناتها غير جاهزة عربيا .

 أن وضع التكامل العربي والارتفاع به الى درجة الوحدة هو انعكاس لحاجة عملية التحول الديمقراطي الى ذلك وتطلع كل من العدالة والحرية والسلام الى ذلك، وان كان ضمن خطة بعيدة المدى ولكن يجب أن تكون مثبتة ضمن شعارات الثوار والمنتفظين والقادة لهما .

ان عدم بيان ذلك واستظهاره يعتبر تراجعا فكريا في قواعد التحرر والنمو الحضاري واحداث خلل في الوعي الجماهيري وعرقلة طموحاته، ويعتبر غض النظر عن آليات هذه الحقيقة أو تأجيلها لتبرير ما، وهي بكل تأكيد حجج واهية، غير مفيد للديمقراطية في بلداننا وغير مجدية في التحول الحضاري فحسب بل يلحق أشد الضرر بالثلاثي العقائدي الموحد لكل الاطروحات الفكرية دينيها وعلمانيها، والضروري للنهضة وللحضارة وهم العدالة والسلام والحرية، وقضية الانسان العربي عموما وموقعه في العالم فضلا عن التنمية الاقتصادية في أمة ثرية تعتمد على الثروة البشرية لديها .

فالبلدان منفصلة تجعل البعض فقير والآخر في فوضى من التخطيط البشري والتنموي وبالأخص اِذا ما تضخم الهاجس الأمني الى مؤثر ثقافي وردود فعل سياسية، حيث لا يمكن اختزال الفكر بثقافة الولاءات والانتماءات لتكون الدولة دولة شخص او قبيلة أو فكر بعينه وربما عشيرة، لتفتقد الدولة اطارها الوطني ومن ثم الانساني وتفتقد لصفة الدولة الحديثة، أو الاصرار على الفارق بين أن أكون عربيا أو أكون مسلما أو أكون من البلد الفلاني او تابعا للجهة الفلانية، في الوقت الذي تكون هذه العناوين تأصيلا لمنهجية الديمقراطية والحرية والعدالة لانها احترام للنظائر وارتباط بالأخوة وتعاون مع الانسانية.

  كانت هذه السلبية دوما من أسباب تحكم تراجع أمتنا وكذلك من أسباب انهيارها المأساوي، ولا يمكن فهم ذلك من دون فهم أسباب الرغبة بحرية الانسان وتكامل آلياته، والا كانت الأحداث فوضى دون منهجية للمستقبل وأحداث عابرة ان كانت رغبة باسقاط نظام ما أو رغبة بخصوصية وطنية ما.

 لابد أن يكون هناك تحول فكري وتعبوي في التغيير الذي حدث والا عاشت البلدان العربية والوطن العربي بتجاربه المعاصرة والأمة عموما من جديد عودة سلبية، وردّة لم تمتلك مؤهلاتها الحضارية دون شعور لواقع متسيد لم تتغير فيه سوى الآليات والاسماء .

 فمثلا لم ترتقي الديمقراطيات العربية المتجاورة لبعضها الى مستوى نهضة الانسان العربي، كتجربة الجزائر وموريتانيا ..

 أو ترتقي التجربة الفردية المتجاورة الى مصاف الشعور بالمسؤلية الى التكامل والوحدة كمصر وليبيا سابقا ..

 أو الارتقاء الفكري الملزم في ثقافة الحزب الواحد بكل انجازاتهم الفكرية العروبية وهما في تجربتين متجاورتين كسورية والعراق ..

 وحتى النمط الملكي المتجاور ولو كفكرة فدرالية كما هي الاردن والسعودية وسلطنة عمان ومعهم البحرين ..

 ولا الأميرية كما بين قطر مثلا والكويت والامارت ..

 وكل ما شهدناه هو حالة من الايثار الذي لابد أن يشهد له المفكرون والتاريخ كما حدث بين اليمنين لتكون يمن واحدا، وهي تنازل بايثار لشخص الى شخص أو نظام الى نظام، وأيضا ما حدث لوحدة الامارات العربية المتحدة من ايثار مشايخ ..

 وبكل تأكيد شهدنا القبول الجماهيري والوعي المجتمعي والنخبي والديني لكل هذه التجارب التي توصف بالوحدوية، والذي كان الوجدان قبل كل شئ يميل الى هذا التكامل والوحدة ودعمها .

وبذلك يكون الاصلاح ايضا متعثرا بل ناقصا اذا لم يشمل فكرة الوحدة أو على الاقل مرحليا التكامل العربي، في اطار الزام دستوري وقرارات برلمانية ضمن لجان متابعة لذلك، ان كان على مستوى فئة أو وطن أو أمة وكل ما فيها من حركات فكرية حزبية ومنظمات ومؤسسات، حيث ارتبطت كل مأسي الأمة وتعثرها بذلك .

تبقى مجتمعاتنا ومن يمثلها، اذا لم تطور آليات تفكيرها وفكرها، كما قلت، نحو التكامل الاقتصادي المستند على ثروات الأمة والثروة البشرية للوطن العربي، حتى ولو كان عن طريق المؤسسات التمثيليىة المختصة للبلدان العربية، فأننا سنشهد من جديد ضعفا بالأنظمة وتراجعا بالتنمية واستنزافا للزمن وادامة عجلة التخلف عن الركب الدولي واستمرارية الصفة الاستهلاكية المطلقة المنتجة لطبقات من الفقر في مقابل طبقات من الثراء القليلة، مع سلبية التعامل مع الشركات والاستثمارات العالمية، والتي تؤمن من أنها تنهض ببلداننا عن طريق التعامل والتفاعل مع فكرة التكامل العربي ومؤسساتها، اِن وجدت، لأن الأمر بذلك أكثر اغراء لها، ويكون أفضل من النظرة القاصرة هنا وهناك بانتظار المساعدات والمنح الدولية أو الديون المثقلة على الشعوب واضعاف البلدان، ووطننا العربي في غنا عن كل ذلك ..

ان النتيجة لهذه الحقيقة تسطيح للديمقراطية نفسها وانعدام أسس العدالة منها وبطأ في نشاط النخب السياسية التي ربما ستلهو في صراعاتها الجانبية الأنانية غير المجدية للمصلحة الوطنية، لتكون عجلة التنوير والحداثة تمر فقط في حدود جزئية للغاية، أي العودة بوعي أو بلا وعي لوأد التطور فضلا عن التدرج في اغتيال ما قيل عن الديمقراطية .

 أن الديمقراطية في أدبياتها المقروءة لا تقبل الاختزال ولكنها منسجمة مع التحديث والتطوير فكريا وعمليا وحتى اعلاميا، وكل ذلك داعم لفاعلية آلياتها .

فالنتصور مثلا لو كانت الوحدة متحققة في التجربة الأولى بين سورية ومصر والعراق في الستينات أو وحدة العراق وسورية في 1979م، أو حتى الوحدة الهاشمية بين العراق والأردن وغير ذلك من التجارب والافكار كمجلس التعاون العربي أو الاتحاد المغربي او مجلس التعاون الخليج العربي، فقد كان هناك تجارب انفصالية كنفصال السودان مثلا عن مصر واليوم ينفصل الجنوب السوداني عنه، لنفتقد لدراسات صريحة عن أسباب ذلك وغيره، بل لو كان هناك فرض على تنفيذ برامج الجامعة العربية على أقل تقدير من الشعور بالمسؤلية في مشاريع التكامل العربي والسوق المشتركة والمناطق الحرة وغير ذلك، لرأينا الواقع العربي مختلفا .

ان الواقعيات الايجابية لا يمكن أن تحد بنهايات فكرية لتبقى في الارتقاء دوما، والسلبيات منها تثقل الامة بالأعذار والتبريرات .

ما يمكن استخلاصه من ذلك، قضية الثقة المتبادلة، ما بين افتقادنا لدرس الحياة السياسية عموما، وما بين استمرارية أنانية لا تغفرها الأجيال القادمة عندما تعالج السلبية الأخلاقية وتجاوز معوقات نهضتها، فلا نعرف هل يغفرون لنا ذنوبنا أم تتبعنا لعناتهم الى قبورنا .  

 

* فلسفة المصلحة في الدعم الدولي من عدمه:

يمكننا أن نستدل على ضرورة ما ورد في المؤتمر من خلال ضعف الدعم الدولي للتغيير في سورية مثلا مقابل الحسم في العراق أو ليبيا، فكان مرده غنى هذه البلاد على رغم أهمية موقع سورية الستراتيجي ولكنها لا يمكن ان تلعب دورا اقتصاديا مهما مؤثرا عالميا كتأثير النفط مثلا، فالمنتظر عالميا التغيير من الداخل ومثلها البحرين أيضا، ونورد مثلا غير عربي كايران تنطبق عليه نفس المورد الاقتصادي المتراجع، لفقدان ايران أغلب ثرواتها واستهلاكها، على رغم أهميتها في توازن الصراع المذهبي لدى القوى العالمية ما بين السعودية وايران، واذا عدنا الى الحالة العربية ندرك أهمية تضمين فكرة التكامل العربية في شعارات المتغيرات الجديدة للوطن العربي هو استكمال لنهضة العرب والديمقراطية في موطنهم .

الديمقراطية في اطلاقها الثقافي والفلسفي لا تحتاج الى تدخل عسكري من هذا الجانب أو ذاك، فالقوى الشعبية قد ثبت اِن آمنت بالتغيير، فانها قادرة على ذلك مهما كانت سطوة السلطة الحاكمة الى جانب ما يدعمها من اعلام ومتغيرات دولية ووسائل اتصال معاصرة، فضلا عن أن القوى العظمى ضمن ستراتيجياتها السياسية تتعامل بخطط خمسية أو عشرية من الزمن في كل الاتجاهات ومنها التدخل المباشر أو التنمية العسكرية أو الاقتصادية والبشرية، وهذا من أسباب قوتها ودعم طاقاتها بالاستمرار كقوى عظمى استنادا لما تنتجه مراكز البحث والدراسات التي تنطلق منها قراراتها السياسية والمعرفية عالمية واجتماعيا وتنميتها كدول في المقدمة .

 أن أمريكا على سبيل المثال كل سبع الى عشر سنوات تراها بحلة جديدة في اطار التعامل مع القضايا الدولية ويتحكم في هذه الستراتيجية عاملان مهمان هما:

 مدى قدرة هذا الطرف أو ذاك في دفع تكاليف تدخلها أو كما يقال مساعدتها للشعوب، والا اقتصر الأمر على الضغط السياسي والدعم الاعلامي ..

 كما أن العامل الثاني هو مدى مصالحها الكلية والمرحلية في التعامل مع القضايا ..

 وبالتالي تتنوع مناهج تعاملها مع العالم وقضاياه، وعندما تتعامل مع تجربة ما فأن أقصى مدى هو سبعة سنوات بمنظار ستراتيجاتها المعاصرة بعد الدرس المفيد في حرب فيتنام، وهو منهاج مرسوم للقرن الحالي بأكمله، وبالتالي فعندما تجد لا جدوى من تدخلها أو وجودها أو دعمها فأنها تؤجل الموضوع ولا تلغيه، ولكن ضمن برنامج أشراف لتعيد الكرة لسبع سنوات او عشر بعد فترة مناسبة من الزمن، كالتدخل بالعراق مثال على ذلك والخروح منه على رأس هذه السنوات .

 انطلاقا من هذه الواقعية العالمية فأنه لا يمكن أن ننظر لتجاربنا وشعوبنا وأوطاننا من كونها أجسادا مريضة احتاجت لجرعات من الدواء لمعالجتها، فتكون الديمقراطية وكأنها دواء سيتم تناوله وهو في قمة تطوره، وهذا لا يناسب خصوصية الشعوب وتاريخها وتراثياتها وأعرافها، فيكون ذلك تهافت ييرر أنه منطقي وهذا أمر سلبي في نهضة الشعوب، بل اِهانة لها وعدم احترام قدراتها، من كون الشعب أو أحد مكوناته ليس له الأهلية القانونية وأنه بحاجة لمشروطية منصوص عليها تتعرش عليه ان كانت خارجية او داخلية، وهذا تراجع قهقري الى ما وراء الحداثة الديموقراطية بل وحتى الرؤية الحضارية للذات والوطن والانسان .

 

* التعددية ما بين ضرورة الأصالة وانتماء الاجندات:

ما يفرض التعددية علينا، فكرة توضح من أنه لا يمكن للفكر القومي العربي التحكم بدون فكر الأصالة الدينية وارتباطه معها، وفي نفس الوقت العكس ايضا صحيح، من كون لا يمكن أن تكون التنظيمات الاسلامية المتكونة في الوسط العربي الا وأن تكون ضمن منهجية الخصوصية العربية، وفي نفس الوقت على رغم من ان الدين شمولي ولكنه يحترم الخصوصية وفي ذلك نصوص مثبتة، لذلك لا يمكن لهذه الحركات مثلا الامتداد شرقا أو غربا، وأيضا لا يمكن لنفس الاسباب أن تمتد حركات وتنظيمات اسلامية انشأت لخصوصيات ما في بلدانها خارج العالم العربي للنفوذ والنجاح في العالم العربي، كتصدير الثورة مثلا او فتاوى الجهاد لانها اثبتت نتائجها الكارثية التي عشناها امام خصوصية الشعوب.

 أثبت التاريخ والتجربة والنتائج مهما كانت الادعاءات والتبجح، خطل هذه المنهجية الامتدادية، وهذه من الاشكاليات الاصرار عليها كان مدمرا عبر التاريخ للشعوب والعدالة والانسانية وحتى الدين ومازال .

ستكون التعددية السياسية أحيانا دون ضوابط أحلاقية، لا تعني هي آلية الديمقراطية الفاعلة، ولربما تتيح الفرصة لقوى غير وطنية للتسلق الى سدة الحكم أو أن تستلم قوى غير ديمقراطية السلطة من جديد، حيث لا تخلو أي ساحة من جماعات سرية وخلايا نائمة ستشكل جماعات ضاغطة لانتفاضات سلبية بشعارات ربما تكون جماهيريا مقبولة من نزاعات طائفية وعرقية وعشائرية وجهوية، مستغلة اسلحة من الاعراف  الاجتماعية والتقاليد والسلوكيات للتلاعب من خلال هذا السلاح بعواطف الناس، مع منهجية لابقاء النيران تحت الرماد لاثارتها في الوقت المناسب .

 ولابد أن نقول أن المخاوف من هذا الانقضاض على الحرية لا يعني تبريرا لاستغلاله من قوى الديمقراطية لممارسة الاستبداد والتصفيات، لأن هذا الفعل بحد ذاته اثارة النار من تحت الرماد أيضا والعودة لمنطقة الصفر من جديد، أي تأخر نهضة الوطن وتنمية الاقتصاد والخدمات وتراجع البلد دون مبرر، وبالتالي فأن استفتاء الشعب على الدستور عامل مهم ولكن مع اطار زمني قريب للتعديل كي لا يتحول استبدادا متجمدا على رقاب التحول والتطور والتجديد وحرية الراي وغير ذلك متساوقا مع التطور الذهني والفهمي والفكري للتجربة أيا كانت ومنها الديمقراطية في أي بلد كان .

هذه من خصال الشعوب والأنطمة التي تنشد التنمية والتطور والارتقاء لبلدانها وشعوبها ونظرياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك، عاكسة الأنفس الراقية التي تحترم ذاتها عندما تحترم الآخر .

 

* آلية الديمقراطية بين الطلب وصراع الأضداد:

والان هذا الطرح ضمن ساحاتنا العربية وكما يظهر في هذا المؤتمر، بكل تأكيد هو بيان لمشروع سياسي وطني على مستوى الوطن الواحد أو على مستوى التكامل والوحدة كأمة، وهو برنامج دعم آلية الديمقراطية العربية في التجربة الحديثة، وإنما صفة العربية ههنا تشير إلى شروط تطبيق أو ممارسة الديموقراطية في العالم العربي، على تباين الهويات القطرية في هذا العالم المرتبطة بخصوصيات مجتمعاتها وما فيها من أطياف واقليات، وعلى تفاوت درجات تطور أو تخلف المجتمعات العربية، وبالتالي على اللاتساوي في درجات تقبل هذه المجتمعات للديموقراطية .

 انّ من منظور شروط الممارسة العربية للديموقراطية، فأول ما يمكن ملاحظته أن آلية الديمقراطية في العالم العربي هي موضوع طلب ايدولوجي شديد، ولكن بدون عرض على صعيد الواقع الفعلي، وبدون تأسيس نظري على صعيد المفهوم، ومن خلال ذلك يمكن أن نفهم الحرية الدينية ارتباطا بالحرية الفكرية وما يتشعب عنها مدنيا وشعبيا ووطنيا، ولسنا في صدد تحليل الواقع السياسي والاجتماعي للعالم العربي الذي لا تتألق فيه الديموقراطية إلا بغيابها، حتى ولو كانت مجمعا عليها الإجماع العربي الراهن على الديموقراطية، على صعيد التفكير بمسألة العلمانية أو الدينية قابل لأن يسحب على موقفهما من مسألة الديموقراطية، فكلاهما يقبلان هذه الديمقراطية بالنحو اللامشروط نفسه الذي ترفضه اي جهة نحو الأخرى، ولكننا نعتقد بجزم بضرورة الانتقال من الانتماء التعصبي إلى الديموقراطية بما يميز الفكر عن إخضاعه نفسه في مسلماته بالذات للنظر النقدي.

لابد هنا من بيان أن هناك اشكاليات وقعت بها المعارضات للأنظمة مثلما وقع بها الأنظمة الحاكمة عموما، وهي عدم ادراك التوازن في المواقف بين العلماني والديني في الدولة المعاصرة العربية وعموم الدول الاسلامية، ما عدا ماليزيا وباكستان واندونيسيا وتركيا .

 كلا العلماني والديني وقع في خطأ جسيم على أقل تقدير هو حضاري، في سلبية تقييم الآخر دون معرفة للواقع وأهمية المتغيرات، حيث الطرفان يقفان في الغالب على نفس الآرضية المتطرفة والمغالية ولكن من خندق مضاد، وبالتالي تبين القصور في نظرة التغيير والاصلاح، من أن ليست الحكومات بحد ذاتها سلبية تجاه موضع المعارضة، فقد كان هناك عدم وعي في كيفية اعادة تعريف كلّ طرف للآخر في دولة الديمقراطية بآلياتها في بناء الدولة، من كون الطرف الأخر فضلا عن نفسه جزء أساسيا من مؤسسات الدولة وحركة الجماهير والحضارة، وعلى هذا النحو فليست الديمقراطية هي المرشحة لأن تخلف استبدادا ساقطا، فالاستبداد سيبقى بينما العصبية هي وحدها التي ستتغير أو لا تتغير .

فبين نار الحكومات الفئوية والمعارضات الفئوية، فالفرد الديموقراطي حقا يقف حائرا وفي وضعية من الاستقالة، ومن هذا المنظور تحديدا فإن وظيفة الحركة الفكرية للاصلاح لا تكمن في ممارسة المعارضة بقدر ما تكمن أساسا في ممارسة التربية الديموقراطية، لتبرز عوامل الانسجام الحقيقية للدين والتدين والعلمانية في وجهها الاخلاقي البناء في الأعراف والتقاليد كثقافة بناءة، فيتم معالجة أزمة الهوية الوطنية على أساس هذا الانسجام وأن اختلف المحوران أو المحاور، كي لا تكون الظواهر السياسية الحالية كالربيع العربي مثلا منتجة لظواهر سبقتها.

اننا نؤمن من كون الديمقراطية مفتاحا فأنها أيضا بحاجة لمفتاح وهو الوعي الجماهيري على الأقل فضلا عن وعي المنظر، فهي معول فعلة التاريخ على أيدي البشر ضد عقب الشر، والذين هم من لحم ودم ومعرضون للانحراف، أي هناك هوامش من الخطأ، فليس ما يقتل المثال كالغلو في انعتاقه من قيد الواقعية دينية بأنواعها كانت أو علمانية بأنواعها، كي لا نقع في اشكالية أكبر واذا بالديمقراطية تتحول الى مذهب أو لاهوت، بل علينا التعامل معها ما يشبه معادلة حسابية .

 

* جدلية العدل والحكم التاريخية:

ان نظام البرلمانات وعقيدة مجالس الشورى موجودة قبل طرح مفاهيم الديمقراطية، وما زالت موجودة في أنطمة مستمرة في العرف المعاصر يطلق عليها ملكية او أميرية أو فردية وجمهورية وغير ذلك، وربما دكتاتورية، ولكن الأشكالية هي في مدى فهم حرية الانسان والتعبير عن رأيه في حكم أقل ما يمكن أن نوصفه بالعادل، لأن العدل هذا من أصول الاسلام ولابد أن يكون من مبادء كل الأنظمة الموصوفة بالعدل ان كانت جمهورية او ملكية أو حتى فردية، ولكن الديمقراطية أمر مستجد تجديدي حداثوي للفكر المعاصر اذا سمح التعبير، وانه اضافة آلية مهمة معاصرة الى آليات الفكر والثقافة أن كانت أخلاقية وانسانية وخلافهما تنعدم هذه الآلية .

ان الأخذ بهذا التجديد، لابد أن يتم على شئ من عامل الارتقاء الانساني والحضاري، وليس كفورة عالمية أو حتى ثقافية مدعية، حيث لابد من ثقافة المفهوم الانساني في اي اطروحة الى جانب العدالة مهما كانت الفكرة، وبالتالي ونحن حديثنا عن الديمقراطية ، لابد لها أن لا تفرغ من هذه العدالة لاي تبرير كان.

 علينا أن نعرف ان الديمقراطية مثلها مثل أي آليات لأي اطروحة فكرية كالشورى والبرلمانية وغيرها، لمفردها كثقافة لا تعني العدالة، فلابد أن يتم الاهتمام بثقافة العدالة في أي طرح لتكون منهجا ونظاما وأخلاقا، فاحترام الفكر الانساني ورأي الآخر لا يعن الانتماء له ولا حتى تأييده أو عدم معارضته، ولكن يدل على حسن ما تبنى المرء من منهج تربوي أخلاقي وما ينتمي اليه من فكر، ان كان معارضا أو حاكما، ولا يمكنني أن أجد بديلا تنظيريا أو عالميا عن معنى مقدس ورد في تراثنا محصنا عن الجدل والتحريف، وهو :

(أن العدل أساس الملك) .

 

* العلاقات الدولية واشكليات الدمقراطيات:

من منطلقالعلاقات الدولية كقوى عظمى وجيران العرب، فإن أولى إشكاليات الديموقراطية العربية، هي أشكالية الحاكم ومن ثم النظام الصديق من عدمه، فالموقف يرى في الديمقراطية مفتاحا لحل مشكلات المجتمعات العربية اذا ما كان الى جانب مصالحها.

ان فكرة آلية الديموقراطية، عليها أن لا تضطلع اليوم بسلبية الوظيفة نفسها التي اضطلعت بها في طور مضى آليات فكرة الاشتراكية وفكرة القومية وفكرة الشيوعية وفكرة العلمانية وفكرة الانتفاضات الدينية وفكرة الوحدة، لجعلها بالاكراه فكرة كمطلق، ولتكون بالاجبار هي الشرط السابق لكل شرط وبدونها لا شيء وبها كل شيء، دون النظر اليها بايجابية من كونها تصلح لأن تكون نقطة انطلاق وبقدر ما تشكل في الوقت نفسه نقطة وصول، كي لا يغيب عن الوعي أنها لها دور مهم عند تجاوز تلك السلبية في التتويج بالتطور.

ان الديموقراطية تتعارض في ماهيتها كآلية بالذات مع فكرة المثال، وبالتالي فمثال كتركيا كونها ديمقراطية اسلامية أو كجنوب افريقيا كونها ديمقراطية علمانية، لا يمكنها أن تعي خصوصية الأمم والبلدان، فالتدخل من هذا الطرف أو ذاك أبعد من مستوى الصداقة والاستشارة والمساهمة في التنمية، يشكل تهديما للتجربة البلد فضلا عن الديمقراطية، هذا اذا لم يكن بالفعل التدخل من هذا الطرف الديني أو هذا الطرف العلماني الخارجيين عن العالم العربي هو الغاية منه التدمير، وفي هذا الحال كيف لنا أن نقيم التجربة الديمقراطية الانمائية الاسلامية في ماليزيا ومثلها في اندونيسيا، واللتان باتتا مثلا للنهضة في المنطقة، فاذن أين يكمن الخلل عندنا ؟

 

* الافادة والاستفادة والاضافة من صيرورات النهضة:

ان الديمقراطية العربية عليها أن تتجاوز الاستنساخ المباشر من هذا الطرف أو ذاك عالميا أو اقليميا، أو كونها تحصيل حاصل لحالة ظلم أو متغير دولي، الى فعل الاستفادة والافادة والاضافة لتتحول الى ثقافة وليس مجرد املاءات واجراءات، فهي ليست فقط نقيض الاستبداد والطغيان والظلم، لأنها مجرد آلية للحرية، والا تحولت هي نفسها الى طغيان العدد بحكم رؤية الأكثرية لتشكل الأكثرية اشكالية أخرى، وبيننا اخوتنا الأكراد والأمازيغيين وغيرهما وبيننا امتداداتنا السماوية من مسيحيين ويهود والصابئة وغيرهم، أو تتحول الى معوق لنهضة البلد بسبب أجندات الطرف الحاكم والذي صعد بالانتخابات .

ربما تكون ايجابية موقف نلسون مندلا مثلا للعفو العام وان تجربة مهاتماغاندي منهجا للتسامح، اذا ما اردنا أن نكون علمانيين، اما اذا عدنا لديننا نجد ما فعله النبي(ص)، بعد دخول مكة من سمو حضاري انساني:( اذهبوا فأنتم الطلقاء)، مفصلا سماويا لا يخضع لزمن بل هو ثقافة للسياسة كانت آن ذاك .

 وربما قائل يقول أولئك كفرة فأعطوا فرصة الرحمة، فنجد ما يخالف ذلك، بما فعله الامام علي(ع) مع أسراه في كل معارك المعارضة الباغية عليه في نهاية الخلافة الراشدية من العفو والتسامح، فهؤلاء كانوا مسلمين، لتشكل هاتان التجربتان وغيرهما في الاسلام أخلاقية العدالة في النظام الحاكم مع منهج السلام والايمان بحرية الرأي الآخر، وهي في نفس الوقت أخلاقية المعارض الحق قبل أن يستلم حكما أو بعد ما يستلم حكما فلا فرق، والا بات كل ما قاله سابقا نوعا من الرياء اذا لم نقل كذبا وكل ما سيقوم به بعد ذلك نفاقا، والا كان لا فرق بينه وبين من ظلمه وعلى أقل تقدير في الجانب الاخلاقي .

فالديمقراطية بارتباطها بخصوصية الوطنية لا تتطلب أبطالا ولا أطهارا، بل كلما كان الحكام عاديين ولكنهم مثقفون كانت ضمانات الممارسة الديموقراطية أفضل، وعلينا أن نقول كي لا تتحول الديمقراطية مجرد صيغة للحكم أو ثقافة سلطة جديدة، فلابد من وعي العدالة فيها لانها لمفردها لا تعني العدالة، حيث أن التراث وخصوية البلد نفسه تدعم هذا الحق وهذا التحول .

 

* جدلية الأكثرية والأقلية وضرورة حسم الأخلاق لذلك :

ان أحد معوقات الديقراطية الحقة، ارتباطها بالأكثرية، وكيفية تحويل هذه الحقيقة الى واقع مقبول أسوة بالحضارات المعاصرة في قبول الآخر من جهة ومن جهة أخرى في احترام حقوق الأقلية، كون العالم العربي بالأخص فيه من الاثنيات والأطياف ما تحتاج الى ثقافة عالية في السياسة والانتماء، والا أشكل الأمر على تنمية البلدان وتطور شعوبها، وهذا ما حصل في لبنان وما يعاني منه العراق اليوم وغيرهما، على رغم ان العدد الأكبر متغير دائم ومقولة من مقولات النسبية، كنسبة المتحول إلى الثابت، وبكل ما له صلة بالهوية، سواء تجلت هذه الهوية بالدين أو الطائفة أو الأثنية أو القومية أو الحزبية وغير ذلك لتصل بسبب التخلف الى ما يسمى بالمناطقية، أي اِنّ هذا من المدينة الفلانية وذاك من القرية الفلانية، ليكون مسرح الصراع هو المجتمع نفسه والضحايا هم الأبرياء .

 فعندما كانت السلطة بيد الأقلية، وكيما تستعيد الأكثرية حقها الديموقراطي فيها، فلا بد من ذبح الآلاف، ومثل هذا النكوص من مفهوم جدلي ومتطور للديمقراطية إلى مفهوم متخلف يلحظ في الواقع، لا يمكن أن يعالجه خطاب ثوري مهما كان تبريراته، لنجد ظاهرة تراجعية من أن الأقلية مهما كانت، فأنها متطرفة في سبيلها إلى أن تفرض نفسها بقوة أكبر بأكبر لا على الحياة السياسية فحسب، بل أيضا على الحياة الاجتماعية والمدنية، وهذه النقلة للصراع من السطح السياسي إلى العمق المجتمعي هي التي تجعل بعض المراقبين يتحدثون دوما في مثل هذه الحالات عن احتمالات حرب أهلية في البلاد، ليبقى مستقبل الديمقراطية من عدمها على أقل تقدير في البلاد العربية، مرهون بانعتاق جدلية الغالبية والأقلية من طابعها التقليدي المتطرف نحو ثقافة العدالة ومن ضمنها الشراكة الشاملة، كي لا تبقى الديمقراطية أسيرة السطح السياسي والصراع البرلماني والحزبي ما بين قوى الفكرة المختلفة ومدمرة للهوية الطيفية.

 الحال ان مستقبلا من هذا القبيل ليس مضمونا في العالم العربي عامة، الى جانب المهلكات الثقافية من عصبيات حزبية وتنظيمية وتطرفيات دينية وطائفية وعنصريات قبلية وقومية واساطير منبرية وتكفيرات افتائية، عندها لا تكون قابلة للتغيير إلا بكلفة بشرية باهظة، وبالتالي ندرك حجم الابادة التي تعرضت لها الأمة في هذا الصراع ضمن الخطاب المتشدد غير الواقعي ان كان دينيا أو قوميا، من زعماء اعتقد أنهم على قدر من المسؤلية لنهضة الأمة، وقد مرّوا على هذا الوطن أو من حول هذه الامة من غير العرب اسلاميين وغير اسلاميين، فضلا عن ثقافة الحروب أو تصدير الثورة ونظرية الخلافة المطروحة من جديد، الى جانب نظرية الجهاد والتي تحولت ارهابا على رقاب الناس، وكل تلك الأطروحات التي سادت لزمن لتحول هذا الرجل أو ذاك الى وثن يعبد أو هذا الفكر وذاك الى رسالة صنمية جديدة دينيا كان أو علمانيا، وهكذا هي سلبية الحياة السياسية اذا افتقدت الحكمة في السلوك والأخلاق في النظام، لتبقى الأمة والبلدان في تلاطم في أحلامها، متحولة الى كوابيس وثارات دماء ارثا الى أجيالها، لنكرر السؤال القديم الجديد من المسؤول؟

 

* قاعدة الشباب بين عنصر القوة والأهمال:

ان في كل الظروف والحالات والتجارب، نجد الشباب هم ما بين كونهم وقود الانتفاضات والثورات وما بين أكثر الطبقات تضررا من نتائجها في مستويات اهمالها عبر حصد النتائج السياسية والانتصارات للانظمة عندما تستتب الامور .

 عقلية الشباب دوما تكون فعالة في مواجهة سليمة ومنتجة مع الاستبداد وقد حققت اجماعا في الشارع على امكانياتها، ليكون الشباب احدى بوابات الديمقراطية وفي نفس الوقت اشكالياتها في اطار الاجماع عليها من عدمه، عندما تكون النتائج مغايرة في حالة اهمال مؤسسات الشباب وطموحاتهم وتوفر ظروف نهوضهم كالعمل مثلا والتعليم، مع السيطرة المتصاعدة للحركات الشبابية المتنوعة المختلفة على الشارع في العالم العربي، لتقطع التشكيك في ايجابية دورهم الحاسم في النهضة العربية، وانهم مشروع بحد ذاته لضمان المستقبل وضمان نجاح الديمقراطية وتطورها، عبر كل ما يوصف بالمجتمع المدني ومؤسساته فضلا عن حرية الاعلام .

 نعرف أن بعض التيارات في الحركات منها العلمانية والدينية نفسها تؤكد شعاريا على تمسكها بالقيمة الديموقراطية، ولكن سواد التنظيمي منها لا يخفي مجانبته لها، وبالأخص عند تسلم الحكم.

ان الشباب العربي خاصة والشباب عموما الديموقراطي لهذه الأسباب وما عرفه وعاش من تجارب، علمانيهم واسلاميهم، يرفض الغرق في دوامة العنف والعنف المضاد، ومن المنظور الطويل الأمد لثقافة الانسانية والحضارة فضلا عن تراثيات بلده .

 إن ما يخشى منه، من أنه ما يحرص عليه الشباب لا وجود له أصلا، وانه بلا مطلب لتهيئة الشروط  المادية والفكرية لقيام ما يصبو له من حرية اليوم ومستقبلا، بمعنى آخر، إنه لا يستطيع الشباب بل المجتمع عموما، أن يقطف ثمرة الديموقراطية ناضجة من شجرة وهمية، كمعالجة مستقبله في معالجة البطالة مثلا، وكانت البطالة دوما في مجتمعاتنا في نهاية الاولويات ويتم تفضيل منافع اخرى عليها وهذا الامر من الكوارث الاجتماعية والسياسية التي كانت دوما من اسباب الثورات والانتفاضات.

ان دور الشباب المرحلي كما نعيشه دوما، ان يمهد لمرحلة انطلاق التغيير ان كان ثورة او انتفاضة أو فكرة، في ظل نظام مقبول لهم يأخذ بآرائهم ويحترمها، وهذا الدور هو من الصعوبة في منتهاها يضطلع به الشباب، وعلى الحركات والاحزاب والمنظمات أخذ ذلك بنظر الاعتبار، وفي حالة اهماله تكون العواقب وخيمة والتجارب كثيرة لهذا التوضيح .

كانت الديمقراطية انطلاقا من دور الشباب، ثقافة آلية فعالة وليست مجرد آلية انتخابية .

 

* نظرية المعرفة والية الديمقراطية:

لابد أن نوضح أن كل ما طرح في الساحة العربية وحتى العالمية في القرن الماضي وبداية القرن الجديد، قد جعل أحد أسسه المبدئية الديمقراطية في أدبيات تنظيراته، وقد وجدنا حتى الحركات الدينية والتي تولدت نتيجة رد فعل ضد الحركات القومية حينا وحينا الاشتراكية وحينا الشيوعية، مثلها مثل الحركات القومية تأسست نتيجة رد فعل أيضا ضد الاستعمار أيضا وهكذا الاشتراكيات المختلفة التي شهدتها الساحة العربية، وبالتالي لم يكن ذلك تأسيسا فكريا يمكنه أن ينهض بالقضية الانسانية، وهو نفس الخلل الذي وقعت فيه الحركات الدينية ولكن ذاتيا أكثر مما هو خارجي، أي أعطت انطباعا بنقص الاسلام الأصيل الرباني وتحويله الى فكرة بشرية مجردة، مع تأكيدات تبريرية بأن الدين بحاجة الى تجديد وتطوير أكثر مما هو تفكير بتطوير الواقع أو ما أسميناه بعصر الجاهليات الجديد، أو دراسة أسباب تخلف العربي خاصة أو المسلم وانهيار دولتهما واضمحلال حضارتهما، لأنه استندت الدراسات والبحوث والتنظيرات بالأساس على نفس الخطاب المنبري المتوارث دون فهم مستجدات العصر الا نادرا ..

كما في التفسير الواقعي لحركة المجتمع اسلاميا، كما فسر الشيخ محمد امين زين، في مدرسة اهل البيت او الشيخ احمد الكبيسي في الوقت المتاخر في مدرسة الشيخين .. او على مستوى التنظير كالسيد قطب في مدرسة الشيخين والسيد محمد باقر الصدر في مدرسة اهل البيت ..

ما عدا ذلك ولو وجهة نظري هي عراقية، ما عدا ذلك كل المتوارث كان بشكل غير مؤثر في عقليات السياسيين الديينيين الأوائل في العصر الحديث، ان لم يكن دمويا .

 الى الآن لا يجرأ مفكر اسلامي حقيقي أن يعطي المجتمع دراسة عن أسباب هذا التدهور التاريخي للمسلم ودولته لأنه يعيش اشكالية التجاوز من عدمه على نمط التفكير المتوارث مع ضعف في قراءة النص الديني وفهمه بالعصر الحديث مما اعطى ذلك للبعض جرأة ليس في قراءة النص بل في نسفه من قبل من أسمى نفسه مفكرا اسلاميا حداثويا، أو حتى ناقدا سياسيا مهما كانت صفته دينية وغير دينية ليضيف للفوضى تنظيرا جديدا .

 عند بيان هذا الأمر نريد أن نوضح هنا انه ليس الأمر تدهورا فكريا في الاسلام بل بالأشخاص الذين مثلوا الاسلام اليوم والأمس، فكيف يمكنهم ان يكونوا أفضل من الاسلام نفسه وهم في نفس الوقت يسيرون على منهجية نفس الرجال، أو فالنقل نفس النتائج التي جعلت موطن الاسلام وحضارته وانسانه ان ينهار؟

 ومن أهم هذه الأسباب هي الطائفية الى جانب الاستبداد والطغيان ويمكن اضافة عنصر أخر وهو تحريف الحقائق والنصوص والروايات ومغزى الاحداث وفلسفة التاريخ، او فالنقل الدكتاتورية وسياسات الدموية التي تم وراثتها أو صياغتها بأطر سياسية حديثة بأسم الاسلام، وأن وجدت الدراسات فأنها تسقيطية للطرف الآخر وتحمل ثقافة الكراهية والعنصرية والتطرف، هذا الى أن البعض منها تسافلت الى فتاوى ما انزل الله عزوجل بها من سلطان ومنها التكفير الآخر واجازات اهدار الدم، لتكون أخطر من الحاكم المتسلط الدكتاتوري وتبريراته في الظلم والدماء .

ان الديمقراطية أسوة بكل المصطلحات التي انتجت في العصور ووردت في التاريخ وكانت مفيدة، يمكن النظر لها من هذا الجانب في متغيرات العصور مثلها مثل كل العناوين العلمية والثقافية والعلمية التي تستحدث اصطلاحا لدعم التطور الذهني الانساني، ولم نجد للاسلام منها الا الموقف الايجابي في تبني ما يترجم انسانية الاسلام وعلو كعبه في النظر الى المتغيرات على أساس نطرية الثابت والمتغير في الاسلام، وحديثنا هنا في الغالب عن الأسلام، ان لم تتعارض مع ثوابته الأخلاقية وأصول الفعل الانساني الحضاري لديه وأهمها العدل والحرية والسلام، وبالتالي ليس لديه رفض لأي قيمة انسانية مستجدة كمصطلح وقد فسرت المصطلحات جانبا من مبادئه السامية، وعلى رغم ذلك وجدنا أن هناك تناقض في تجارب ما بين الادعاء بالاسلام وما بين اخلاقياته، حتى ولو هذه الجهة أو تلك وصلت بأطر ديمقراطية الى الحكم فانها ترفض أساسيات ما أوصلها الى هذا الانجاز، كما حصل مثلا في الجزائر في التسعينات عندما أعلنت الجبهة الاسلامية للانقاذ بالجزائر، إلغاء الديموقراطية نفسها بوصفها نظاما مستوردا ودخيلا، أو كما حصل في الانتخابات الفلسطينية وتجربة السلطة، أو ما حصل في السودان على أثر أخلاقية من الايثار الفردي العسكري المشهود له لسوار الذهب ليتيح المجال الى الديمقراطية، فكان هناك نكوصا على الحرية فضلا عن الديمقراطية، وهو نفس الفعل الذي عاشته الحركة الوهابية كاطار سياسي برؤية تجديد فكري وليس له علاقة بالسلفية أو الأصولية في مراحل التأسيس وليس ديني أيضا ليعاني منها النظام السياسي السعودي أيضا، ونتيجة ذلك انتجت طالبان والقاعدة لتعلن السعودية مرتدة وكافرة ولتباح الدماء في نظريات من التكفير، وقد عانا منها العراق وافغانستان وتم تشويه الاسلام عالميا من خلال تحول الجهاد المقدس الى عنوان للارهاب ليعاني العالم منه أيضا، في تشويه لأخلاقية الأسلام وكأنه هو هذا القصد من ذلك . وأيضا لدينا تجربة مجاورة للعرب وهي ايران بعد ثورتها العظيمة والانتخابات الديمقراطية المشهودة والدستور المقر شعبيا، ليتم النكوص على القرارات والأمنيات والشعارات والمبادئ المعلنة وليتحول الاسلام الى مجرد حركة سياسية هي الأخرى باسم تيار الخمينية، ولتثبت المقولة التاريخية البغيضة وهي أن الثورات مع الاسف تأكل ابناءها وهي تحوير مؤدب لمفهوم سياسي معروف بالتسلق على الأكتاف الى هرم السلطة بدون وجه شرعي أو مقبول .

 فاذن ما بين ادعاء عصر الخلافة الجديدة ضاعت مدرسة الشيخين وما بين ادعاء ولاية الفقيه ضاعت مدرسة أهل البيت، لانه تعيد الامة من جديد لاشكالية العصمة ومن يمثل منازلها ليكون في عقل انساننا كل من في هذا المقام معصوما من الخطأ لانه في منزلة النبي والامام او كل من هو في ذلك المقام محرما نقده لانه في منزلة الصحابة والخلفاء، ليتكرر بلاء الامة وانقلابها على الاعقاب من جديد في العصر الحديث، كضحايا لاطروحات سياسية ورغبات نفسية لم تتحمل الحرية واحترام الرأي الآخر، ومن هنا يتحقق خوف الآخرين من وصول حركات لم تكن تؤمن بالديمقراطية الى الحكم بأطر ديمقراطية .

 فليس لأحد أن يماري في الشرعية الديموقراطية لهذا الاختيار أو ذاك، وفي نفس الوقت هذا الاختبار أو ذاك، لتكون الديمقراطة بعنوان آخر عقدا، ولابد لجميع الأطراف الالتزام بشروط العقد من كونه بشرط قيامه وسريان مفعوله، وهذا متفق عليه بالشرع وغيره فهما توحدان في هذه الاخلاقية، الى جانب مخاوف من انتماءات لمنظرين اسلاميين ربما دعموا التغيرات ونظروا لها ..

 كهذا الشيخ هنا أو ذلك السيد هناك من الاسماء المعروفة، وفي نفس الوقت كانت لتصريحاتهما أثرا مثلا في اشعال الفتنة الطائفية في العراق وكانت دعما غير مباشر للارهاب، وهما في تنظيراتهما في نفس الوقت داعمان لاتجاه تقريب المذاهب والفكر المتجدد الديمقراطي، لتتحقق مخاوف أخرى من ازدواجية لمثل هذه المواقف في تجربة الديمقراطية وحياة الحرية بما يطلق عليها ازدواجية بين النفاق السياسي والنفاق الديني، وشهوة السلطة .

تم بذلك محاربة ركيزتين أساسيتين للاسلام الحقيقي وهما الازهر الشريف ممثلا لمدرسة الشيخين والنجف الأشرف ممثلا لمدرسة أهل البيت ومحاربتهما وتغييبهما، لأنهما القطبان العاكسان للاسلام الحقيقي وعمودا الأمان للأمة ضد الارهاب وسفك دماء الابرياء والصورة الحقيقية للاسلام الى العالم.

فالأسلوب الفكري ان تضمن جانب عقائدي او لم يتضمن، هو فن من فنون التعامل مع الآخرين، ليعكس المكانة الفكرية لأطروحاته والا افتقدت أهم ما يمكن أن نوصفه بعامل التواصل مع الطرف الآخر وعامل الحجج للاثبات، مهما كان الفكر المطروح، فضلا عن ما فرض علينا من واجب في الحوار والجدل الحسن باثبات النص الى جانب منهجية مكارم الاخلاق وهي رسالتنا السماوية، كسلوكية كانت السياسة وجه من أوجهها المشرقة في عصر البعثة او فجر الاسلام، لنتسائل ما حدث وما يحدث الان ؟

 

* ثقافة الديمقراطية :

الديموقراطية دون ثقافة، ومنها ثقافة حقوق الانسان وحرية الرأي، ستكون نظاما فصاميا، فهي في نفس الوقت جزء من نظام للحكم أريد له أن يكون أخلاقيا وجزء من نظام للمجتمع يعكس احترامه للآخر، وتخلف أي منهما عن الآخر يفقد الثقافة الديمقراطية قيمتها في محور التجديد والتطور ودعم التنمية، لأنها تسير العلاقات بين الحكام والمحكومين على نفس الاهتمام والمسؤلية في تسيير العلاقات بين المحكومين أنفسهم، وبدون ذلك سيعطي قوى الردة والانتكاس على التجربة أو حرف اتجاهاتها، وأخطر ما يحدث التضحية بالعدل المؤمل أن تنضج بها العدالة في مراحلها التحديثة ان وجد بالأصل .

ان مثل هذا الارتجاع الذي طالما عانت منه البلدان العربية والأمة، سيحدث خللا في نظام للدولة وتسطيح الأعراف وتقديس الأساطير كما هو أحيانا في الجانب الديني عموما دون استثناء والبطولات كما هو في الجانب العلماني دون استثناء، أحداثا واشخاصا واسقاط نظام المجتمع المدني، وتفقد الديمقراطية بالأخص صفة كونها بالأساس ظاهرة مجتمعية وتحويلها الى مجرد اطروحة سياسية، حيث سيدخل المجتمع من كونه نسيج من العقليات الى عبث فكري، وستكون التجربة عبر هذا الخلل بالضد من الحريات معبرا إلى طغيان بمسميات وتبريرات مختلفة، وهنا تتدخل مرة ثانية جدلية مستوى السطح السياسي في صراع مع العمق الأثني أو الديني أو الطائفي .

فإن التصويت بعد ذلك سيأخذ بالضرورة شكلا جمعيّا بل قطيعِيّا وليس مصلحة وطنية، وفي هذه الحالة يكون صندوق الاقتراع مرادفا لقبر الديموقراطية، وان استمرت .

فالديموقراطية، هي وجه من أوجه آليات التكميل الاصلاحي المستند على خطط كما يسمى بعيدة المدى أو قصيرة المدى ما بين أربعة الى عشرة سنوات في كل اتجاهات حركة الدولة ومحاور التنمية ومنها البشرية والاقتصادية والتعليمية وغير ذلك، وبالتالي هي نقيض المماطلة وحرق الأوراق والأزمنة للمصلحة الآنية، أو ما يسمى بالاصلاحات التجميلية التي هي نوع آخر من النفاق بأنواع الأتجاهات والمحاور، واذا ذهبنا أبعد من ذلك وركزنا على الاصلاح، فأن الأمر يذهب الى أمور متغيرة جذرية في التنظير وآليات التطبيق .

اننا نؤشر هنا اشكالية كبرى في واقعنا وهو خلل فكري في نفس الوقت، ما بين وعي متأرجح سلطوي وما بين وعي متراجع اجتماعي نلمسه دوما في التجربة الديمقراطية، حيث الشعور من عدم تحمل السلطة انتخابات حرة واِن جرت، وفي المقابل المجتمعات العربية لا تتحمل رأيا حرا واِن كانت تدعو لها من خلال نخبها، وبالتالي يمكن أن نعيش مشهدا وهو يدعو الى ديمقراطية مجردة من حرية الرأي وحرية التعبير، وان كان هناك دعوة لهما ولكن يسلط عليهما قوانين تشريعية مستخرجة بتأويل وتفسير من الدستور الذي أقره نفس الشعب وصادق عليه الجانب التشريعي في البلاد.

 الديمقراطية اذا لم تكتمل محاورها ما بين أن تكون آلية فكرية الى جانب أن تكون من الآليات سياسية، لا يمكن بسبب ذلك لأية جهة أن تستوعب برنامجها السياسي اذا كان لها مشروع دولة والمساهمة في السلطة ودعم بناء البلد والتنمية، حيث كل طرف يحقق فشله عندما يصر امتلاكه الحقيقة والصواب لمفرده وان كان حقا يمتلكهما، ولكن هو بذلك ينسف أصل النجاح في عدم احترام الآخر، وبالتالي لا يمكن للأطراف ان تستوعب بعضها البعض ان كانت دينية أو علمانية أو حتى مؤسساتية، ان كانت موروثة من النظام السابق أو تلك التي تم استحداثها من جديد، كالمؤسسات الأمنية والعسكرية مثلا والتي لابد أن ينظر لها كمصلحة وطنية كتاريخ وكتراث وحتى أعراف اجتماعية، ولكن في نفس الوقت عدم تسيسها بل وعدم مشاركة منتسبيها في الانتخابات من وجهة نظري، التي ربما تكون قاصرة هنا .

 ان مثل هذه الثقافة اذا أريد لها أن تكون ناضجة وبخصوصية عربية، لابد لها أيضا من فهم تأريخها وعوامل تطورها عالميا، من الجزئية الى الجزئيات، ومن ثم لمسها للكليات، ليكون من وجهة النظر الانتخابية سوى مؤدى واحد، وهو لكل مواطن راشد صوت واحد، لنفهم أهمية التاريخ في التطور الفكري لذلك وآلياته حتى قبل ما كان يحق لأحد التصويت، وحتى في أعرق بلدان الديموقراطية المعاصرة، إلا للرجال دون النساء، وإلا للمالكين دون المعدمين، وإلا للمتعلمين دون الأميين، ليعبر عن المشروطية الأبوية والطبقية للديموقراطية، وللسياسة أصلا، حتى في المجتمعات المتقدمة التي حققت قفزة الحداثة، بيد أن الجانب الكوني في الديموقراطية، وهذا أحد مظاهر عقلانية التطور للمتغيرات، قد استطاع ان يغلب خصوصيات المشروطية التاريخية. ف

لعل خلاف جميع أنظمة الحكم التي عرفتها البشرية كانت الديموقراطية هي وحدها التي أفلحت في أن تكون عابرة لجميع حواجز الهوية هذه، لنتسائل الى اين تتجه الديمقراطية في كونيتها وتطورها وهي ما زالت في طور التكوين والتجدد عالميا فكيف بالوطن العربي ؟

 وهذه الصفة التي يمكن أن تستفاد منها أمتنا، وتثبت من خلال رجالاتها وحركاتها أنها تمتلك أسس الحرية ومبادئ العدالة ورؤى متطورة في حقوق الانسان، فعبر أيات مكارم الاخلاق مستغلة آليات فرص الديمقراطية .

إن الموضع الأول لآلة الديمقراطية هي العقول وليس صناديق الاقتراع، أي أن مجتمعاتنا بالفعل بحاجة لثورة ثقافية تواكب الثورات والانتفاضات والاصلاحات والتغييرات وكذلك ما يطلق عليها الربيعيات، وثورة كهذه لا تقتضي أقل من اتخاذ الذات موقفا نقديا من ذاتها وانسلاخا عن موروثها المتواضع الذي انهك مبادئها السامية وأخلاقها الرفيعة فيها عبر قرون متواصلة.

 

*  التنمية البشرية والانماء الحضاري:

ان محور التنمية الذاتي والخصوصية الوطنية بكل امتداداتها حضاريا وتاريخيا يشكلان الى جانب آليات التنمية الاقتصادية بثروات وطنية أو باستثمارات عالمية او وطنية أو عربية، هي عامل من عوامل تأهيل الاندماج العربي والأجيال بالتحولات العالمية والتطور المعرفي والعلمي المذهل الذي يعيشه العصر الحديث، لمعالجة أولية لطبيعة التغريب والانعزالية في الحياة العربية والتي تدعم من أعراف سلبية وقوى ارتجاعية لا تريد ازدهارا لهذا الانسان ولهذه الأمة ان كانت من الداخل أو الخارج، وبالتالي يمكن أن تتبين نوعية الاصالة العربية وروح الاسلام المعرفية المتجددة دوما على أساس قاعدة متغيراتها في التعامل مع العلوم ومفهوم التطور لدى الشعوب مهما كان لونها ودينها وفكرها ومعطيات الحضارية لدى الاخرين، وربما بهذا المنهج حارب النبي(ص)، الأمية نوعا ما في وسط المسلمين عندما جعل شرط اطلاق الأسرى تعليم عشرة من المسلمين، ان أسلم الأسير أو لم يسلم، أو كما ورد في الحديث الشريف برؤيته العالمية للعلم والمعرفة كواجب وليس لانتماء هذا الشعب أو ذاك للاسلام أو مناهج الايمان :

( اطلب العلم من المهد الى اللحد .. ولو بالصين).

 وكذلك كل الآيات والأحاديث والروايات الواردة وهي كثيرة بخصوص الهجرة الى مناطق أخرى عالمية مهما كان اتجاهاتها والسياحة في أرض الله الواسعة دون حدود، للابتعاد عن الظلم وتحقيق الذات وكسب الرزق واستحصال العلوم وعدم قبول تبريرات الضعف والمسكنة، لتدل السنة النبوية على تعاملها الكوني مع التعليم والعلم ضد الجهل والأمية بشمولية افادة واستفادة مهما كان الطرف الذي تتعامل معه .

 اِنّ في بعض من مجتمعاتنا المعاصرة يعاد إنتاج الأمية بمعدل خمسين بالمائة أو أكثر، لأسباب كثيرا من أخطرها التسطيح الفكري وتحريم التعامل مع العالم، وبالأخص عندما يتم ايهام الفرد بالتصويت على نص مقدس تم اجتراءه من القران في الانتخابات مثلا، وهو في أجواء انتخاب شخص وترشيحه، ومثل هذا الاسقاط يطلق عليه بالحيلة الشرعية لأنه ربما يكون الشخص غير مؤهل معرفيا فضلا عن الجانب الايماني وهو في مصطلح السياسيين حيلة سياسية، ولكن الوصف الدقيق هو التحايل والنفاق، ليكون هذا السلوك ترجمة لما كانت الأنطمة الاستبدادية تقوم به وهي سياسة الرقابة المقيتة، ونعرف مدى تأثير كل ذلك على التنمية بأنواعها ومحاورها وبرامجها، حيث أن سياسات حرق الجسور مع العالم وبالأخص الغرب هي ليست دينية وليست حضارية عربية، بل فيها من المواقف الشخصية تصل الى درجة لا أخلاقية، لأنها ضد الشعب نفسه كونه لا يمكنه الاستفادة من العلوم المتطورة في هذه البلدان .

سيكون التقييم من نجاح التجربة من عدمها، بارتباط هذا التحول بمدى جدية التنمية والصعود الحضاري المتعلق بحرية الانسان وحقوقه الى جانب المنهج الاقتصادي للنهضة بالبلاد وما تتوفر من امكانيات مادية وفكرية وبشرية لذلك .

 لابد من ايجاد علاقة بين كل ما هو اجتماعي والواقع السياسي وكل بلد وخصوصياته الوطنية مع امتداداته القومية وأعرافه الاجتماعية وواقعه العقائدي والديني، وخلاف ذلك فأن أبواب الصراعات قائمة على اشكالها من عصبية وطائفية وعنصرية، استنادا لما تنتجه سياسات المعاكسة ان كانت دفعا لمصالح اقليمية أو دولية في تأجيج الصراعات، بسب التهميش والاجتثاث ومصادرة الرأي الآخر مع استخدام أعراف وعواطف الشعب والجماهير من هذا الطرف أو ذاك خلافا للطرح الوطني والمسؤولية السياسية، ليكون هناك ما يعرف بالنفاق السياسي الموصوف بكل اطروحة لتكون شاملة، كالنفاق الوطني والنفاق القومي والنفاق الديني والنفاق المذهبي، بسبب الانتماء لأجندات واتجاهات مصالح أخرى لتصل لا سامح الله سبحانه وتعالى الى صراعات دموية، ويبقى مصطلحي الأصلاح الشامل والتوافق السياسي عبارتين فضفاضتين يفتحان الأبواب على الاجتهادات وربما الى صراعات مستديمة اذا لم يرتكزا على منهج ونظام فضلا عن الدستور الملزم، لأنه حتى الأنظمة الدكتاتورية والظالمة وغيرها فيهما من هذين المصطلحين ضمن أدبياتها السياسية .

 

وأخيرا

الاستاذ رضوان المصمودي  المحترم

وليس آخرا، فأن مثل هذه المراكز والمؤسسات البحثية هي أمل الأجيال بنهوض هذه الأمة، لتكون احدى مواضيعها الديمقراطية، وهي ليست شيئا آخرا في نهاية المطاف سوى تحرير للفرد من أسر التسافل للخلف دون الارتقاء الى الامام، حيث يصوت الفرد كونه مواطنا وفيا لبلده .

 إن انعتاق الانسان من ربقة الارتجاع والتخلف غير قابل للانفكاك عن الثقافة التعليمية التي حررت المجتمعات من آفة الأمية وأتاحت التعليم لعموم طبقاتها وأفرادها دون تمييز أو عنصرية، على تعدد انتماءاتها الحضارية، مع أمنية أن يكون تعليقي المتواضع كمداخلة على ما ورد في مؤتمركم مثمرا .

دعائي لكم وللأخوة والأخوات في مركزكم كل الموفقية

ولتونس الخضراء الحضارية التألق كعادتها

وما التوفيق الا من عند الله عزوجل

أخوكم

بهاء الدين الخاقاني

ميشكن- أمريكا

[email protected]

[email protected]

 

 

.....................

**

مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية/ المؤتمر السنوي الثالث عشر/ الربيع العربي/ الفهم السليم وسبل النجاح/ الخميس 3 ماي 2012/ ماريوت غايتواي كريستال سيتي/ أرلينغتون فيرجينيا

الولايات المتحدة الأمريكية..

الوثائق كاملة للاطلاع:

http://vimeo.com/channels/csid13thannualconference?utm_s

ource=Report+in+Arabic+with+VIDEO+LINKS+of+CSID+

13th+Annual+Conference+on+03%2F05%2F2012&;utm_campaign

=Report+in+Arabic+with+VIDEO+LINKS+of+CSID+13th+Annual+

Conference+on+03%2F05%2F2012&utm_medium=email

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2233الاربعاء 03 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم