أقلام حرة

جدل سياسي: هل المالكي مقصر حقاً؟ / فخري مشكور

بعيدة عن الشعارات الحماسية وخالية من الشتائم والشماتة

الملفان الأهم اللذان يتهم المالكي بالتقصير فيهما: الامن والفساد. فبالرغم من مضي سنوات على استلامه المسؤولية العليا في الدولة فقد فشل في اقرار الامن الذي يهدد الوطن والمواطن، كما فشل في مكافحة الفساد الذي ينخر جسم الدولة

يجادل مؤيدوه بالقول: ان الوضع المعقد في العراق لا يسمح بانجاز أكثر مما انجزه المالكي، وأن أي رئيس وزراء غيره تحاصره المحاصصة، وتقيده التدخلات الاقليمية والدولية، ويتآمر لإزاحته حلفاؤه فضلاً عن مناوئيه، ويعرقل البرلمان مشاريع القوانين التي يقدمها،...لا يمكنه ان يقدم افضل ما قدم المالكي في ملفّي الامن والفساد

التبرير لا يخلو من وجاهة، وتجاهله ظلم واضح، فلا يمكن محاسبة مسؤول في بلد مثل العراق متجاهلين تركة الدكتاتورية، وقيود الفصل السابع، وجيوش الارهاب، وفلول البعث، ونفوذ اميركا،واستقلال الاكراد، وصراع الدول الاقليمية التي تمتلك ممثلين رسميين لها في الحكومة والبرلمان والكتل السياسية، تستلم منها المال وتتردد على عواصمها بل وتتصل بها في الطوارئ لتستلم الموقف، وتهدد علنا بالتفجيرات ان لم تتحقق مطالبها مستخدمة للتمويه لغة التحليل السياسي. هذا وضع يتفرد به العراق ويجعل المسؤول الاعلى شبه عاجز عن انجاز ٍ ذي بال. فابسط ما يواجهه من عوائق هو ضرورة ارضاء جميع الاطراف في اي قرار يتخده، وهذا أمر لا يناله حتى رب السماوات والارض، فكيف بالمالكي وهو العبد الضعيف الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟

لكن السؤال الاساسي الذي يوجهه المنتقدون هو:

اذا كان الوضع بهذا التعقيد، فما الذي أعدّه المالكي من خطط وبرامج قبل تقدمه للترشيح لرئاسة الوزارة؟

لاشك أنه رشح للمنصب وهو عارف بكل هذه التحديات، واذا افترضنا انه لم يكن ملماً تمام الالمام بها في الدورة الاولى فان هذا التبرير لا ينطبق على الدورة الثانية، فماذا أعد من خطط وبرامج قبل الترشيح للدورة الثانية لكي يقود السفينة الى ساحل الامان في هذا البحر المتلاطم الذي جرب الملاحة في امواجه في الدورة الاولى؟

هل ابدى حرصا على مكافحة الفساد من خلال خطة واضحة معلنة؟ أو من خلال تنفيذ تهديد واحد من تهديداته بكشف ملفات الفساد؟

هل حرص على النزاهة والكفاءة في اختيار من اختارهم (نؤكد على كلمة اختارهم) وزراء في حكومته أو نوابا في كتلته، او مسؤولين في مكتبه؟ هل تحقق مثلاً من أن جميع من اختارهم بنفسه ليسوا من حملة الشهادات المزورة ؟ أو على الاقل لا يعلم بحملهم لشهادة مزورة؟ لكي يستطيع على الاقل ان يقول أن الفساد لم يصل الى ساحته، ولكيلا يقع ضحية التهديد بالمعاملة بالمثل اذا هدد بكشف فساد شخص او جهة؟

هل خطط لتنشئة كادر امني كفوء ونزيه ليتسلم تدريجيا الملف الامني بدلاً من الاستعانة بالبعثيين السابقين؟ وهل بحث عن ضباط نزيهين (خارج الدائرة المحيطة به) ليضعهم في المناصب الامنية المهمة فلم يجد؟

هل خطط لتنشئة كادر اعلامي كفوء في عالم يفعل فيه الاعلام ما لا تفعله الجيوش؟ هل أنشا معهدا اعلاميا او مؤسسة اعلامية وفق المواصفات التي يراها هو او يراها المتخصصون؟

هل باشر في انشاء هيئات استشارية متخصصة تزوده بالخبرة المهنية التخصصية في القضايا الاقتصادية والامنية والسياسية والاعلامية؟ من هم مثلاً ابرز مستشاريه في الاقتصاد او في القانون الدولي او في علم الادارة، او في السياسة العالمية والاقليمية والمحلية؟

هل صمم على اختيار اعضاء مكتبه من الخبرات النزيهة التي تؤهلها لهذه المسؤولية الخطيرة دون اعتبار للقرابة؟ وما هي المؤهلات العلمية والخبرة العملية للقائمين على ادارة مكتبه الذي هو اخطر مكتب في الدولة العراقية؟

هل وضع خطة لاستقطاب الطاقات العراقية الكثيرة والمتنوعة والمشتتة في ارجاء العالم او المعزولة في بيوتها متعففة عن اللهاث المحموم في موسم حصاد المصالح؟ ما هي هذه الخطة ؟ وكم عدد الذين جذبتهم؟ واين جرى استثمارهم؟

هل خطط لانشاء مركز بحوث في اي باب من ابواب المعرفة؟ سواء منها ما يتعلق مباشرة بمهمته الرسمية، او بالعمل الحكومي بمعناه الشامل، او ما يتعلق بالدولة العراقية بصورة عامة.

إن من يدرك أنه مقبل على تحمل مسؤولية رئاسة وزارة في بلد معقد التركيب متنوع الارادات غارق بالفساد مرهق بالتخلف لابد ان يمتلك رؤية وخططا ومشاريع، ولابد أن يكون له جيش من الخبراء والمستشارين الكفوئين الذين يستفيد منهم قبل الاقدام على اي قرار يريد اتخاذه، لا سيما وأن المالكي ليس فردا جاءته السلطة فجأة دون أن يفكر بها، بل هو قائد حزب كبير ذو تاريخ عريق قضى عقودا يخطط لاستلام السلطة

فهل أعد المالكي خططا وبرامج لدورته الثانية؟

اذا كان قد فعل ذلك فهذا شيء مفرح وخبر سار يهمنا سماع تفاصيله، ومن حق المالكي علينا ان نهنئه عليه ونشد على يديه، لكن من حقنا عليه ايضا ان يفصح لنا عن خططه وبرامجه التي اعدها لمكافحة الفساد وانشاء مؤسسة امنية كفوءة نزيهة واعداد فريق مستشارين متخصصين يعينونه على العمل في مختلف الشؤون التي لا يملك فيها رؤية تخصصية.

اذا كشف لنا السيد المالكي ما اعده لبناء البلد وهو يقدم على الترشيح للرئاسة الثانية التي شارفت على الانتهاء فسنكون له من الشاكرين، بل سنكون له جنودا مطيعين.

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2234 الخميس 04 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم