أقلام حرة

جدل سياسي: خصائص الطبقة السياسية العراقية- غياب المشروع / فخري مشكور

 http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&;view=article&id=67647:2012-10-04-00-53-09&catid=123:2012-05-17-01-29-06&Itemid=220  

فهمه البعض على أنه مقال ضد المالكي، وعليه فهو جزء من الحملة الظالمة التي يتعرض لها الرجل من اجل اسقاطه أو تنحيته. بينما فهمه آخرون انه يهدف الى ايصال فكرة مفادها ان حل مشكلة العراق السياسية يكمن باستبدال المالكي، فما دام المالكي ليس صالحا فالحل هو استبداله!

والحقيقة ان المقال لا ينطوي على أي من الفكرتين، فلا هو جزء من حملة ضد المالكي، كما أنه – وهذا هو الأهم- لا يعني بأي حال بأن تبديل المالكي بغيره يحل المشكلة، لأن المشكلة ليست سطحية وشخصوية مرتبطة بالمالكي، بل هي جذرية وبنيوية مرتبطة بالطبقة السياسية في العراق الجديد. معنى ذلك: ان تبديل اي رئيس بغيره سيُنتج - من حيث الجوهر- نفس الاشكالات، ويؤدي الى نفس النتائج مع فروق طفيفة تتعلق بالشكل لا بالمضمون، وبالكم لا بالكيف، وذلك لأن العوامل التي منعت المالكي من ان يقدّم للناس ما وعدهم به موجودة عند جميع الكتل السياسية، وسوف تفعل هذه العوامل فعلها كائنا من كان بديل المالكي. وهذا الادعاء مبني على حقيقة ان الطبقة السياسية في العراق الجديد تتسم بخصائص مشتركة هي المسؤولة عن الحالة المزرية التي وصل اليها العراق على صعيد الامن والخدمات ومكافحة الفساد والتعليم والصحة والصناعة والزراعة والنفط والغاز وفي كل شيء.

عندما نقول ان الطبقة السياسية – بكافة مكوناتها واطيافها  - تمتاز بخصائص مشتركة، فيجب ان يُفهم هذا الحكم في اطار العلوم السياسية لا في قالب العلوم الرياضية، وبالتالي لا يعد  وجود استثناءات نادرة – على مستوى الاشخاص أوالكتل - دليلا على بطلان ادعائنا بالخصائص المشتركة للطبقة السياسية التي ظهرت في العراق بعد سقوط الدكتاتورية على يد الولايات المتحدة الامريكية لا على يد أية فئة سياسية عراقية.

 

الخصائص المشتركة للطبقة السياسية

على اختلاف توجهاتها واشكالها واحجامها تشترك الطبقة السياسية بخصائص مشتركة لعل اهمها ما يلي:

 

أوّلاً: عدم امتلاكها برنامجا او مشروعا واضحاً

لا تمتلك جميع شرائح الطبقة السياسية العراقية برنامجا أو مشروعاً واضحاً - ولا برنامجا أو مشروعاً مبهماً- للخروج بالعراق من واقعه الراهن.

ينطبق هذا الحكم على من يشارك - أو شارك في السلطة - وعلى من يقف في المعارضة، أشخاصا ام كيانات.

يقوم هذا الادعاء على متابعة ورصد ما صدر عن هذه الطبقة من  تصريحات مسموعة او مقروءة، سواء قبل الانتخابات، او بعدها.

السياسيون – اشخاصاً او كياناتٍ - يقدّمون في العادة برامجهم قبل الانتخابات ليطلع عليها الناخبون ويقارنوها ببرامج الآخرين فيختاروا البرنامج الذي يرونه اقرب لطموحاتهم. هذا أمر لم يحصل في العراق الجديد على حد علمي، بل كل ما صدر عنهم شعارات ووعود لغرض التأثير الموقت على الناخب، ثم نـُسيت الشعارات وتبخرت الوعود.

وأحيانا يقدّم السياسيون بعد الانتخابات ومن موقع المعارضة برامج وخططاً بديلة لبرامج وخطط الحكومة للتدليل على صواب رؤية المعارضة مقابل خطأ رؤية الحكومة. هذا الأمر ايضاً لم يحصل، ولو كانت هكذا خطط موجودة لكانت الطبقة السياسية اشهرتها للناس لتحرج الحكومة ولتكسب ثقة الناس في موقفها الفعلي من الحكومة أو لكسب الرأي العام في الانتخابات التالية. ولو كانت هذه الخطط موجودة لتحولت الى مشاريع قوانين في البرلمان، ولو كانت موجودة لانتشرت نسخها المطبوعة في صحف وفضائيات ومنابر تلك الكتل والشخصيات، ولو كانت موجودة لكان مؤيدو هذه الكتل والشخصيات يعرفونها ويتحدثون عنها.

يكفي لاثبات عدم وجود الخطط والبرامج عند جميع مكونات الطبقة السياسية انك لو سألت اثنين من زعماء أي كتلة سياسية في وقت واحد وفي مكانين منفصلين عن برنامج وخطة كتلته لحصلت على اجابتين لاتشبهان بعضهما.

لا نقصد بالخطط والبرامج ما يطلقه السياسيون من انتقادات متناثرة او وجهات نظر مشتتة او اقتراحات متفرقة في مختلف الشؤون، بل نقصد الخطط الستراتيجية التي ينوون تطبيقها فيما لو استلموا السلطة، أي خطة العمل في مجالات الصناعة والزراعة والأمن والخدمات ومكافحة الفساد والنفط والتعليم و...و.....الخ، فالذي يريد بناء دولة لا يكتفي بشعارات او انتقادات او امنيات او وعود، بل لابد ان تكون له خطة تقوم على تقييم علمي لواقع البلد وظروفه يوضع على اساسه تشخيص الاهداف ورسم برامج العمل في ضوء المتوفر من المصادر والامكانيات المادية والبشرية، وتكون جميع المعلومات الواردة فيه حقائق وارقاما يمكن قياسها كما يمكن التحقق من صحتها. فهل يعرف القارئ خطة ستراتيحية تقدمت بها احدى الكتل السياسية او احدى الشخصيات السياسية منذ 2003 حتى اليوم ؟

قد يعتذر السياسيون عن فقدانهم للخطط والمشاريع بأن الوضع في العراق من التعقيد بمكان بحيث لا يمكن وضع خطة محددة المعالم في واقع بالغ التداخل، سريع التغيّر. لكن هذه الحجة لاتصمد للنقد، فالتخطيط الستراتيجي لا يتعلق بالظروف البسيطة والمجتمعات المستقرة فقط، بل هو لازم للدولة في ظروف السلم والحرب، والاستقلال والتبعية، والتفرد والتعددية...هناك خطط طويلة الامد، وخطط للطوارئ، وخطط موقتة وخطط بديلة.....الخ.

ان التخطيط الستراتيحي يحتاج الى جهود مراكز الدراسات ومراكز التخطيط، ولا يأتي من اجتماع حزبي او عائلي أو من تأملات صوفية لقادة ملهمين.

*        *         *

لمعرفة اسباب غياب التخطيط عند الطبقة السياسية من المفيد ان نشير الى ان هذه الطبقة تنقسم الى قسمين:

1-  سياسيون قدامى وهم الذين يتمتعون بتاريخ طويل في المعارضة ممن قدموا شهداء في مسيرتهم السياسية التي استغرقت عقودا من الزمن

2-     سياسيون جدد دخلوا المعترك السياسي بعد سقوط الدكتاتورية.

السياسيون الجدد لا يستندون الى تاريخ في المعارضة أوالعمل لاستلام السلطة، فمن الطبيعي ان يفتقروا الى الخطط التي تتطلب استعدادا مسبقا من قبل من يخوض صراعا مع نظام يريد اسقاطه والحلول محله، فهذا الأمر متوقع من السياسيين القدامى الذين لا يجوز ان يصارعوا نظاما يسقطونه دون ان تكون لهم خطط للعمل بعد اسقاطه.

اما لماذا غاب التخطيط عن برامج السياسيين القدامى والاحزاب العريقة فهذا يعود الى عوامل عديدة منها البنية الثقافية لقيادات وراثية تعتمد على عنصر التقديس اكثر من اعتمادها على التخطيط ، أوقيادات حزبية محدودة الثقافة لم تقدّر دور التخطيط في مشاريع الحركة التي تريد استلام الحكم، والى فشلها في استقطاب الكوادر العلمية التي تساهم في التخطيط، وهو فشل مزدوج على مستوى التنظيم وعلى مستوى التعاون خارج الاطر التنظيمية، والى طبيعة اهتمامات هذه الطبقة ومستوى طموحاتها وهو ما كشفت عنه المسافة بين الفكر والممارسة، وجدلية العلاقة بين الذات والرسالة.

 

للاطلاع


هل المالكي مقصر حقاً؟ / د. فخري مشكور

 

.......................

ينشر بالتزامن مع موقع الوسط www.wastonline.com 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2240 الاربعاء 10 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم