أقلام حرة

العراق .. والمراكب الغرقى / مهدي الصافي

الذي أبدته الإدارة الأمريكية في تعاملها مع العراق وفقا للاتفاقية الإستراتيجية المبرمة بين الطرفين (وخاصة في ملف تسليح الجيش العراقي)،

وكذلك رفض هذه الإدارة كل الحلول والمبادرات التي طرحتها الحكومة العراقية لإخراج الوضع السوري من الأزمة، وإبعاد شبح الانهيار وانتشار الفوضى الطائفية في المنطقة،

(كنا قد أيدنا هذه الزيارة ولكن بشروط-انظر المقال السابق مشروع الالتفاف الإقليمي لتدمير العراق)،

ما نود ان نطرحه هنا كموضوع للنقاش: هي عدة تساؤلات بسيطة حول قدرة العراق على إنقاذ المراكب الغرقى (سوريا وإيران وحتى روسيا)، التي تعاني شعوبها حقيقة من غياب النظام والمؤسسات والآليات الديمقراطية الحديثة؟

وإمكانياته المتاحة، السياسية، والاقتصادية، والعسكرية،  التي قد تؤهله للعب دورا محوريا في مسألة صراع القوى الامبريالية في منطقة الشرق الأوسط أو الأدنى؟

ثم يحق لنا بعد كل هذه العقود الدموية التي مررنا بها، ان نسأل أنفسنا عن جدوى السير أو الانجرار خلف أو وراء الأزمات (الداخلية والخارجية)، بغض النظر عن الجهة أو الدولة التي تفتعلها، وهل نحن بحاجة الى ان نستعد لها بهدوء وبعيدا عن لغة الاستفزاز والتصعيد؟

كل التساؤلات والمخاوف المحتملة التي قد تنتج تبعا لاستمرار موقف الحكومة العراقية (التحالف الوطني) المتضامن مع دول الممانعة (روسيا-الصين-إيران فضلا عن سوريا)، لدوافع سياسية ودينية مبدئية ومصيرية، هي مخاوف مشروعة تحتاج إلى الحيطة والحذر، والاستعداد لكل النتائج والمتغيرات السياسية المتوقعة في المستقبل،

(وخصوصا بعد إن فتحت تركيا والسعودية وقطر،  أبواب الحرب  المعلنة على الجبهتين السورية والعراقية، علما إن بعض دول الخليج كانت قد ساهمت مساهمة مباشرة في تغذية وتشجيع وإثارة الأحقاد الطائفية، ودعم العمليات الإرهابية في المنطقة وبالتحديد في العراق )،

ولكن علينا ان نتعلم من تجارب الماضي وأزماته، حتى يمكننا ان نتجنب الاصطدام مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المنطقة، على الرغم من ان رسائل وسياسة الحكومة النفطية والاستثمارية هي رسائل مرحب بها، و تبعث على الاطمئنان للقوى العالمية (بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية)، فشركاتها ومؤسساتها المالية تتطاير فرحا عندما تسمع بأن العراق جاد في زيادة إنتاجه النفطي (مع العلم ان العلاقة عكسية بين زيادة الإنتاج النفطي ونقصان سعره-هذا بلغة السوق تبعا للعرض والطلب)،

ولكنها من جهة أخرى لاتقبل ان يكون العراق حجر عثرة في طريق مشروعها الإمبراطوري الكوني (القرن الأمريكي الجديد)،

 الذي يراد منه ان يمر بسلام عبر الأراضي العراقية، ولهذا سارعت الحكومة العراقية إلى تعزيز ترسانتها العسكرية للدفاعات الجوية (واعتقد إنها جاءت بنصائح إيرانية مفيدة).

كنت قد كتبت عدة مقالات تتعلق بالوضع السوري (الربيع العربي في سوريا..كف خدع الأسد، وغيرها)، ورحت ابحث عن مواقع الكترونية للحكومة السورية، بعد ان استمعت لخطاب الأسد المتعلق في اتخاذ عدة خطوات على طريق الإصلاحات السياسية، التي قدمها  في بداية الأزمة، وأرسلت عدة رسائل الكترونية إلى بعض المواقع الرسمية السورية،  راغبا بنية صادقة ان تصل إلى من يهمه الأمر، أقول فيها :

إن الوسيلة الوحيدة لامتصاص غضب الجماهير وتفويت الفرصة على الدول المتربصة بسوريا، هو إعلان إصلاحات جذرية كبرة، ومنها إجراء انتخابات رئاسية قريبة، تكون تحت أشراف دولي وعربي، تتم بعد استكمال الإجراءات القانونية والتشريعية واللوجستية  الخاصة بهذه العملية....اليوم بعد فوات الأوان صارت الحلول شبه مستحيلة، ولن تنفع مع ورطة الأسد،  لا إصلاحات، ولا حتى انتخابات رئاسية!

إذن مما تقدم تكون لدينا محصلة واضحة حول حجم المشكلة وورطتنا الكارثية التي تورطنا بها مع سوريا وإيران (والتي ذبح على أثرها عدد من العراقيين الأبرياء في سوريا)،

مع العلم إن أحدا لايستطيع ان يضمن ولاء البديل السياسي في سوريا (حتى تلك التي تورطت في دعم المجاميع المسلحة)،

بحيث يصعب علينا ان نكون جزءا فاعلا في تقليل خسائر تلك الدول الموضوعة على جدول أعمال الامبريالية العالمية، مع إننا من المفروض ان نتدخل في شؤون هذه الدولة أو تلك من اجل الإصلاح وليس لفرض شروطنا الخاصة (وهكذا يفترض ببقية الدول)، حسب البرتوكول العربي المعتمد في إدارة الملفات العربية كوننا الدولة المترأسة للجامعة العربية في دورته الحالية، (ولكن هذا الكلام لايعتبر وممنوع من الصرف عند دول المعاندة)

ونحن في بلد يتحدث العالم عن مستقبله النفطي بتفاؤل، لكنه يستورد الطاقة الكهربائية عبر بوارج تركية عائمة في شط العرب (الخليج العربي)، خدماته العامة شبه معطلة أو غير كفوءة، والبطالة تملأ الشوارع، والفساد المالي والإداري مسجل دوليا وميدانيا، والكسل سمة ترافق أعلى قمم هرمه الوظيفي نزولا عند اصغر موظف حكومي، عمله الفعلي في دائرته لايتجاوز الأربع أو الخمس ساعات، ومدارسه تعمل بنظام الدوام الثلاثي، ومستشفياته غير قادرة على حماية مذاخر أو مخازن الأدوية من السرقة، فكيف لها ان تحمي أو تعالج المريض، الخ.!

إن العراق بلد يعاني من تركة داخلية وخارجية ثقيلة، لايمكنه ان يندفع بعيدا عن الواقع الداخلي، ولاينبغي له ان يصدر أزماته المحلية خارجيا،  أو يكون منشغلا بشعارات وعبارات طائفية يبثها ويضخمها الإعلام المأجور التابع لبعض الدول الخبيثة أو الوقحة على حد تعبير السيد نوري المالكي،

بل عليه يطور مجالاته الحيوية المحلية (العسكرية الاقتصادية والتربوية والعلمية والصحية، الخ.)، حتى يتمكن من صد كل المشاريع التخريبية المحتملة التي قد تأتي من وراء الحدود،

أما بخصوص الملف السوري فعليه ان يطرح مبادرة عملية قوية، تسحب البساط من تحت أقدام الجماعات المسلحة المتورطة بدماء الأبرياء من أبناء الشعب السوري،  بمشروع سياسي جدي يعمل على جدولة انتقال السلطة في سوريا عبر مراحل زمنية محددة،

ترضي غالبية أبناء هذا البلد الشقيق،

لان انهيار النظام السوري، يعني ان الأمر خرج عن السيطرة وقائمة الربيع العربي ستشمل دولا أخرى، قد تكون إيران على سبيل المثال...

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2242 الجمعة 12 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم