أقلام حرة

ربيع الفرائض / قاسم محمد الكفائي

ففي هذه الأيام يتوافد على الديار المقدسةِ في المدينةِ المنوَّرةِ ومكة َالمُكرمة أكثر من مليونيَ حاجٍّ مسلم من أجل تأدية مناسك هذه الفريضة الألهية العظيمة . فالمعنى الألهي الذي يكمُنُ في مفرداتِ ومناسكِ هذه الفريضة هو البراءة من المشركين أوَّلا، وأن تكونَ أرضُ الحَرمين مُلتقى عام لجميع الحجاج المسلمين كي يتعارفوا ويتدارَسوا أمرَهم الذي هو شورى بينهم ثانيا . هذا المعنى لا ينسجم بتاتا والمعنى المذهبي والسياسي الذي يدركه ويسلكه آل سعود الذين حكموا الجزيرة َ العربية َ لأكثرَ من مئةِ عام بالوراثة، فهُم يدّعونَ على انفسهم خدّام الحرمين يساندهم فيها مفتو البلاط ودعاة المذهب الوهابي .

المعنى العبادي الذي يفهمه هؤلاء المُفتون لهذه الفريضة هو الهروله ورمي الجمرات وثواب التعب المضني الذي يتحمله الحاج تحت لهيب القيض الشديد . فلو سلمنا بصحته فانه لن يكون الهدف الألهي المطلق في فلسفة هذه الفريضة لأن الله سبحانه حصَّنَ المسلمَ بفرائض تضمنُ له دوامَ العلاقة بدينهِ والحياة . إذن هناك مَعنيان مُهمّان لهذه الفريضة، المعنى العبادي وهو أداء المناسك على ضوء الشريعة والسنة، والمعنى السياسي الذي يتجسد بالبراءة من المشركين، وهو معنى واسع في وصفه، يتلخص في توظيف موسم الحج كملتقى كافة المسلمين القادمين من كل فجٍّ حتى يعرف بعضُهم بعضا، ويعرف همومَه والتحدياتِ التي تواجهُه فتكون النتائج تتناسب وتلك التحديات في مواجهة قوى الأستكبار العالمي المتمثل بأمريكا والغرب والصهيونية العالمية . ان السلوكَ المُتقن في أداء هذه الشعيرة بجانبها السياسي يُحَتم على المسلمين مهمة التزام القضية الفلسطينية من أجل تحرير الأرض المسلوبة من براثن الصهيونية . في كل الأحوال فأن المعنى السياسيى لهذه الفريضة سوف يلقي بظلاله على عروش السلاطين الذين حكموا عبادَ الله عقودا أو قرونا من أمثال آل سعود وآل الصباح وآل خليفة وآل ثاني . هؤلاء اعتبروا انفسهم حكاما لا ينافسهم على حكمهم منافس، ضاربين عرض الحائط كلَّ مفاهيم الأسلام في الحكم، ومبادىء الديمقراطية وحقوق النسان، معتمدين على علاقاتهم التي تتحكم بها الرشوة والتبعية السياسية لدول الأستكبار العالمي .

لقد نهضَ هذا المفهومُ العبادي السياسي من جديد بعد انتصار الثورة الأسلامية في ايران عام 1979 بقيادة زعيمها الأمام روح الله الخميني العظيم – تقدست روحه الطاهرة- . فوجّهَ المسلمينَ الى العمل بهذه الفريضة السياسية الى جانب الفريضةِ العبادية وقد إستجاب المسلمون لهذا النداء وتم العمل به لأكثر من موسم تعثرت فيها خطى المشاركين في التظاهرات التي أعلنت البراءة من أمريكا واسرائيل . فلولا وقوف آل سعود بدفع من أمريكا والغرب عائقا مانعا بوجه أفواج الملايين من الحجاج لنجح المسلمون في ترتيب صفوفهم وتقدموا في مواجهة التحديات التي يصنعها الأستكبارُ الذي لا يرضى بممارسة الشعائر الأسلامية كمفهوم عقائدي وثقافي مناهضٍ له ومحرِّضٍ عليه . فالموسمُ الذي يعيشه اليوم وطنُنا العربي هو موسم الربيع السياسي، فيه اجتمعت القلوب والحناجر لتهتف وتعمل من أجل تغيير الأنظمة الفاسدة في تونس ومصر واليمن والبحرين والسعودية، وفي سورية التي حرفت مطالبَ شعبها الأصلاحية السلمية قوى الشر الأقليمية المتمثلة بنظام أنقرة ودُوَيلة قطر والسعودية وأمريكا، فجعلت منها سببا في تدمير سورية تحقيقا للأرادة الأسرائيلية التي تخشى قوة وممانعة هذا البلد العظيم .

يتطلع جميعُ المسلمين في العالم أن يكونَ مَوسمُ الحَجِّ هذا موسما  ُتعلن فيه البراءةُ من أمريكا وإسرائيل وأن يصدحَ فيه عاليا صوتُ نصرة القضية الفلسطينية، وحق الشعوب العربية والأسلامية في تقرير مصيرها .

قاسم محمد الكفائي

كندا

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2246 الثلاثاء 16 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم