أقلام حرة

المطالبة بتعويضات الشعوب العربية من تركيا العثمانية / مهدي الصافي

ناهيك عن علف حماره، يتابع الرحالة قوله في كتابه..لعل القارئ يعتقد إن ذاك الإنسان المسكين لايدفع ضريبة، فليعلم انه على خطأ، لأنه لم يتعرف على "تركية المتحضرة "يقولها باستهزاء..ان هذا الحطاب يدفع عند عبوره ديالى عشرة بارة في الذهاب، ومثلها في الإياب،  أي ما يساوي قرشا، ويدفع مثل ذلك عند عبوره باب المدينة كضريبة، فلا يبقى عنده بعد الحطب إلا سبع بارات أي مايعادل 28 سنتيما، وللرجل أسرته ودابته عليه الاعتناء بها..ثم يكمل مأساة هؤلاء الفقراء..

انه ظهر المجن للحالة الاجتماعية في تركية، فالوجه ..اسطنبول التي تمتص كل شيء ولا تضخ شيئا، ناهيك عن القصور الأنيقة على البوسفور..إن نفسي تتقزز من البوسفور بقصوره وسرادقه ورخامه وذهبه، وكل مظاهر الغنى الخليعة التي لا تجد للفن فيها إلا النزر القليل..أما الأمواج الزرقاء التي تتهادى في تلك القناة الفريدة فهي في نظري ليست سوى دموع ملايين البشر الذين قدموا فلسا بعد فلس فكانت هذه المسوخ الكئيبة...كتاب رحالة أوروبيون في العراق..ترجمة وتعليق الأب الدكتور بطرس حداد ترجمها عن الفرنسية1866م..رحلة للسائح الفرنسي كييوم لجان 1828-1871م)

هكذا كانت الإمبراطورية العثمانية تمتص قوت وثروات وتعب الشعوب العربية، أفرغت بلادنا من الخيرات، وتركت خلفها ركام من المعاناة والجهل والتخلف، صحيح إنها لم تكن أخر المستعمرين، لكنها كانت أسوئهم على الإطلاق، حتى يذكر احد الرحالة في هذا الكتاب المهم عن مثل شعبي عراقي يتندر به الناس(يقولون أينما تطأ أقدام الأتراك أرضا لا ينبت زرعا)، واليوم يريدون ان يقطعوا عنا مياه الرافدين(دجلة والفرات)ببناء العديد من السدود المخربة للبيئة، وتحت حجة تقنين الحصص بإجحاف واضح، تلك الأنهار الخالدة المستمرة منذ الآلاف السنين(مع أن أرضهم لازالت تفيض بمياه الأمطار)،

والغريب إن العديد من الحركات السلفية وبعض السياسيين العراقيين يندفعون صوب العاصمة التركية للبحث عن مجد دولة الخلافة المريضة، يتعاملون بنصف الشخصية السوية التي لأترضى ان تبيع كرامتها وكرامة شعبها بأي ثمن!

إن الأهداف التركية الجديدة مثيرة للجدل ووقحة، تدخلات علنية في الشؤون العربية الداخلية(ملف سوريا والعراق)، تصريحات نارية خارجة عن اللياقة والعرف الدبلوماسي ضد بعض الحكومات العربية، اعتداءات وهجمات عسكرية متكررة في شمال العراق،  كلها مواقف تستحق المراجعة والمراقبة، وفتح باب المواجهة السياسية والدبلوماسية، وفضح مخططاتهم وأطماعهم أمام الرأي العام العالمي.

لقد خدعتنا الحركات الاستعراضية التي قام بها اردوغان في بعض اللقاءات والمنتديات الاقتصادية العالمية حول الملف الفلسطيني، ولكن في العودة إلى الواقع نرى إنهم يلعبون على جراحات وأزمات دول المنطقة، تتحالف مع قوى الشر في سبيل استعادة مشروع الهيمنة الاقليمة إلى الواجهة، تدعم دون حدود الجماعات السلفية والحركات الإرهابية النائمة منها أو العاملة في بلاد التوتر العربي،، في تحالف قذر مع بعض دول الخليج(الحذرة من الربيع العربي، والمتآمرة مع القوى الامبريالية لتدمير محور الممانعة العربية)،

نقول مثلما أعيد الاعتبار إلى الأرمن في احترام قتلاهم، واعتبار المجازر التي ارتكبت بحقهم مذابح عنصرية، نريد ان نقول للعثمانيين الجدد إن الدول العربية الأكثر تضررا (سوريا والعراق) تطالب بحقوقها التاريخية والمادية بتعويضات مجزية عن كل سنين الخراب والدمار الذي لحقت بأرضهم وأجدادهم، مع العمل مع هذه الدول على استعادة الأراضي العراقية والسورية المسلوبة والمسلوخة عنها (لواء الاسكندرونة وديار بكر الخ.)،

علينا ان نعمل على تعزيز ونشر تلك الثقافة لإشاعة الوعي الجمعي بين الناس، وشرح لهم إبعاد الخطر التركي القادم، وكذلك لإيقاف تلك التدخلات عند حدها، حتى لاتعود مأساة التاريخ المظلم الذي عايشته الشعوب العربية، وتركتنا امة معتلة لاتقف إلا على أعمدة الآخرين...

 

مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2246 الثلاثاء 16 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم