تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

الحوثيون والسلطة.. إخوان اليمن على (الحياد)

تساؤلات عديدة ما زالت أصداؤها تتردد إعلاميا وسياسيا، بعدما اختار إخوان اليمن الوقوف على (الحياد) تجاه الصراع الدائر بين الدولة وجماعة الحوثي، باعتباره مشكلة داخلية لا ينبغي حلها إلا بجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات.. وهو موقف جر على أكبر حزب معارض في البلاد انتقادات لا حد لها من قبل قوى وأطراف عديدة داخليا وخارجيا.

 

ورغم أن خطاب التجمع انطلق من ضرورة حل الأزمة عبر الأطر الحوارية، ورفض حمل السلاح في وجه الدولة بموازاة رفض التعنت النظامي واستخدامه آليات القمع والأدوات الأمنية في علاج المشاكل الداخلية فإن مفردات هذا الخطاب لم تكن كافية في نظر منتقدي التجمع الذين رأوا فيه سلبية ونفعية سياسية في ظل أزمة تهدد بنيان اليمن الوحدوي وتجره إلى أتون صراع طائفي وخيم العواقب.

 

ملفات الداخل والتوازنات السياسية

لكن يبدو أن الإخوان لهم منطق آخر إزاء التعامل مع هذه الإشكالية، حيث تقوم رؤيتهم للصراع باعتباره مشكلة داخلية ظهرت نتيجة سياسات خاطئة انتهجتها السلطة في البلاد، ومن ثم يجب وقف كل أشكال العمل العسكري والجلوس للتفاوض، بل يرى التجمع اليمني في زج الدولة بأطراف إقليمية كـ(إيران وليبيا والسعودية) في هذا الصراع محاولة لخلط الأوراق والهروب من استحقاقات وطنية.

 

كما يقف الحزب المعارض بشدة أمام رغبة الحكومة في تدخل القبائل عسكريًّا -وهي مكوّن مهم ضمن تركيبة المجتمع اليمني يملك السلاح- لمساندة الجيش في مواجهاته مع الحوثيين، وفي إطار رفضهم تدخل القبائل لإنهاء الحرب بعدما أنهكت الحكومة  والجيش، يتهم الإخوان الدولة بأنها تريد أن تحول الصراع إلى "حرب أهلية" بحيث يقاتل رجال القبائل بينما ينسحب الجيش من ساحة المعركة.

 

وهو ما يفسره القيادي الإخواني المصري د.عبد الحي الفرماوي ـ العائد من رحلة إلى اليمن التقى خلالها الرئيس علي عبد الله صالح ـ بالقول: إن اليمن يهيمن عليه النظام القبلي بشكل كامل، وعلاقات القبائل  بعضها ببعض من الأشياء التي تراعى جيدا هناك. مشيرا  في تصريح لـ"الإسلاميون.نت" إلى وجود أناس متعاطفين مع جماعة الحوثي داخل كل قبيلة تقريبا، وهو تعاطف يعود بالأساس إلى المذهب الزيدي وانتشاره في اليمن، يضيف : وفي حال دخول القبائل الحرب كما تريد الدولة فسوف يتحول الأمر إلى فتنة كبيرة تهدد أمن واستقرار البلاد، وسوف تنقسم هذه القبائل على أنفسها.

 

وتلعب التجاذبات السياسية بين نظام الرئيس علي عبد الله صالح وأحزاب المعارضة ممثلة في "اللقاء مشترك" - فضلا عن الملفات الشائكة داخليا كملف توريث الحكم- دورا كبيرا في خلفيات موقف "التجمع اليمني للإصلاح" من الأحداث؛ ففي مقابلة صحفية قال الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح عبد الوهاب الآنسي: إن السلطة تريد "أن نقوم بدور الدولة لمواجهة الحوثي ثم تصبح هي الوسيط بيننا وبينه كما هي عادتها"، متهما السلطة بأنها تريد أن يتصدى الإخوان للمواجهات "في الوقت الذي تعمل فيه هي على تغذيتها".

 

ولعل ذاكرة الحزب الإسلامي تسترجع الآن لعبة التوازنات السياسية القديمة التي تحفظها للرئيس علي صالح الذي كان يدعم في منتصف تسعينيات القرن الماضي حركة "الشباب المؤمن" -التي هي الآن النواة والركيزة لجماعة الحوثي- بناء على حساباته السياسية، بهدف ضرب نفوذ "الإصلاح" في صعدة والحد من التغلغل الإخواني في عدد من المناطق بالمحافظات المجاورة بسبب مواقفهم المعارضة لحزبه "المؤتمر الشعبي العام" بعد تحالف سياسي بينهما دام أعوام؛ هذا التحالف الذي دشن شراكة إستراتيجية في حرب الوحدة اليمنية التي لعب فيها الإخوان دورا أساسيا في دعم نظام علي صلاح، ثم آل إلى انفضاض كانت أقسى التعبيرات التي أبانته حديث الرئيس اليمني لإحدى القنوات الفضائية قال فيه من جملة ما قال إن الإخوان صاروا كارتا محروقا بالنسبة له.

 

إجماع شعبي يخالف الإصلاح

وفي ظل إدراك اليمنيين لحجم وثقل "الإصلاح" سياسيا وشعبيا على الساحة الداخلية، ودوره التاريخي في تعزيز الوحدة اليمنية ومحاربة الشيوعيين جنبا إلى جنب مع الجيش والحكم، تبدو مواقفه تجاه الأزمة الحالية غير مبررة لديهم؛ خاصة مع هذه الرياح العاتية التي يرونها تعصف بوحدتهم، خاصة إذا كانت قوى سياسية ودينية وشعبية كبرى -فضلا عن الموقف الرسمي- لا تشاطره الرأي تجاهها. إذ كانت "جمعية علماء اليمن" قد حثت أبناء الشعب على "الوقوف صفا واحدا مع قيادته (...) وجيشه للتصدي للتمرد"، وطالبت في بيان رسمي لها بـ"فرض هيبة الدولة وتعقب المتمردين"، وأكد العلماء الموقعون على "تجريم أي تدخل خارجي في شئون اليمن".

 

وخلال "الملتقى السلفي العام" الذي شارك فيه نحو 800 داعية، أعلنت جهات سلفية جاهزيتها لحمل السلاح للدفاع عن وحدة اليمن، وقال الشيخ محمد المهدي: إن "السلفيين سيكونون مستعدين للدفاع بالسلاح عن الوحدة إن اضطروا لذلك"، مشيرا إلى أنهم لا يقرون الخروج على الدولة ولو كانت ظالمة. كما دعا عمر سالم باوزير -وهو أحد قادة الفكر السلفي- إلى الاصطفاف خلف الرئيس علي صالح وليس مع حزبه الحاكم.

 

وفي إطار التجاذبات حول الأوضاع الداخلية كان "الإصلاح" على رأس أحزاب المعارضة المنضوية في "اللقاء المشترك" التي قدمت لحزب "المؤتمر الشعبي" الحاكم ما عرف بـ"وثيقة الإنقاذ الوطني" التي نادت بوقف الحرب في صعدة، والجلوس على طاولة حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية وفيهم الحوثيون، وهو ما رفضه علي صالح متهما الأحزاب بأنها تريد أن تحدث بلبلة وأزمة في البلاد وأن تنتقم من الوطن.

 

لكن يبدو أن انتقادات الوثيقة لسياسات النظام الحاكم وممارساته، خصوصا في التعامل مع الأزمات، وتأكيدها على الحوار مع الحوثيين ودعاة الانفصال في الجنوب، هي التي تقف خلف رفض الرئيس صالح لها وسخريته من المعارضة وأطروحاتها، فقد انتقدت الوثيقة الوضع العام في اليمن، قائلة إن الأزمات التي تعصف بالبلاد تدفع سريعا إلى حافة الانهيار، معتبرة أن الأوضاع المحتقنة في جنوب اليمن والحرب في صعدة والحكم الفردي تمثل أبرز مظاهر الأزمة الوطنية.

 

حقيقة التوافق بين الإخوان والحوثيين

ولعل المتتبع لمواقف الإخوان من جماعة الحوثي يلحظ تغيرا بين موقف قديم كان يمثله زعيمهم الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي دعا قبل وفاته مشايخ صعدة لتحمل مسئوليتهم في الوقوف ضد الحوثيين، وتطهير مناطقهم منهم، واصفا المتمردين بأنهم حفنة من "المخربين والمراهقين والحالمين الذين يريدون إعادة عجلة التاريخ للوراء". وموقف جديد بدا في هذه الضبابية من الأحداث والتزام الصمت أمام ما يجري.

 

ففي خطوة اعتبرت تأكيدا لمواقف الحياد التي يتبناها الإخوان، عرض د.محمد حبيب النائب الأول لمرشد الجماعة في مصر الوساطة بين الدولة اليمنية والمتمردين، قائلا: إن "الإخوان المسلمين في انتظار أي إشارة من الحكومة اليمنية أو الحوثيين للقيام بكل جهد يمكنها". واصفا موقف جناح الجماعة في اليمن بـ"الحيادي البعيد عن أي تأثير".

 

وفي إطار مواقفهم المعلنة من الحوثيين ظل الإخوان حريصين على عدم تناقضهم ولو إعلاميا بعدم الانجرار إلى أي مواجهة مع الجماعة الشيعية بالرغم من التقارير التي أفاضت في الحديث عن مساعي أنصار الحوثي للاستيلاء على مساجد ومقرات يشرف عليها حزب "الإصلاح" في محافظتي صعدة والجوف؛ ففي أعقاب اعتداءات مسلحة قام بها الحوثيون على بعض المساجد (7/ 2009) وأسفرت عن مقتل 3 من كوادر الإصلاح، نفى الحزب وجود أي صراع بينه وبين الجماعة المتمردة، واصفا ما جرى بأنه صراع قبلي، أي بين قبائل مقربة منه، وقبائل مقربة من الحوثي، كما صرح رئيس فرع "الإصلاح" في الجوف عبد الحميد عامر بالقول: إن الحوثيين جماعة (أغلبهم عقلاء) لكن عناصر انضمت إلى صفوفهم وراء افتعال الحوادث، كما تجاهلت صحيفة "الصحوة" الناطقة باسم الحزب الإشارة إلى القضية ولم تنشر أي خبر أو مادة حول ما جرى.

 

وجاء ذلك بينما اعترف رئيس المكتب الإعلامي للحوثي محمد عبد السلام بوقوع اشتباكات، قائلا إنه تم احتواء الموقف بعد مساعٍ وصفها بالحميدة من قبل قيادة "اللقاء المشترك". واتهم السلطة "بمحاولة استغلال هذا الموقف للإيقاع بينهم وبين التجمع اليمني للإصلاح"، مؤكدا أنه لا توجد أي خلافات بينهم وبين الإصلاح.

 

لكن وبالرغم من هذه المواقف المعلنة بشأن العلاقة بين الإخوان والحوثي، لا يرى المراقبون صدقية حقيقية لهذه المواقف، خاصة في ظل الحديث عن وجود قيادات هامة داخل "الإصلاح" غير راضية عن مواقف الحزب من الأزمة، إلى جانب اتهامات من قيادات حوثية لـ"التجمع اليمني" بأنه يمارس التحريض ضدهم، قائلين إن الرئيس علي صالح يخوض الحرب نيابة عنهم؛  بل تخرج تقارير من وقت لآخر تتحدث عن مزاعم بوجود مليشيات مسلحة تابعة لـ"الإصلاح" تشارك في القتال مع القوات النظامية في صعدة، وأنه يبلغ تعداد هذه الميليشيات بضع مئات من المقاتلين يشاركون بصورة مباشرة في المواجهات.

 

وفي تصريح خاص لموقع "الإسلاميون.نت" نفى الأكاديمي اليمني د.أحمد الدغشي هذا الوفاق الذي يعلنه الإخوان والحوثيون من وقت لآخر حول العلاقة بينهما، خاصة أن الخلاف والتنافر معروف وهو قديم "يعود بالأساس إلى الانتماء المذهبي"، فالقناعات كما هي ثابتة بل قد تكون "تحت الرماد"، على حد قوله. وتابع الدغشي القول: لكن بحكم المتغير الأساسي الذي تقتضيه المرحلة ألا هو "اللقاء المشترك" الذي ينضوي تحته "التجمع اليمني للإصلاح" وحزب "الحق" ذو الاتجاه الزيدي المحسوب على الحوثيين والذي كان من بين قياداته حسين الحوثي، يضطر الإخوان إلى الإعلان دائما أنهم على توافق معه ونفي ما يشاع عن صراع أو غير ذلك بينهما، مشيرا إلى أن الرئاسة الحالية للقاء المشترك يتولاها حسن زيد وهو الأمين العام لحزب "الحق".

 

وهو ما نفاه بشدة محمد قحطان -عضو الهيئة العليا للإصلاح- قائلا: إن الكلام على أن الحوثيين ممثلون في "اللقاء المشترك" لا أساس له من الصحة، معتبرا أن هذه اتهامات ترددها السلطة من وقت لآخر، لكن حقيقة الأمر -يضيف قحطان في تصريح خاص لـ"الإسلاميون.نت"- أن الحوثيين كانوا منضوين في حزب "الحق" قبل أن تمولهم السلطة وتشجعهم على الانفصال والخروج من الحزب لتشكيل "الشباب المؤمن" وتكوين تنظيمات مسلحة، يضيف: وهذا من العجائب أن الدولة تشجع فئة من مواطنيها على تشكيل تنظيم مسلح ثم تموله وتشجعه، وهو ما لا يوجد مثله في سلطات العالم إلا في سلطتنا، ولو أنها كانت قد تركت الحوثيين يعملون في إطار سياسي كحزب "الحق" لما حصل ما حصل، على حد قوله، لكنها بعد أن مولتهم وشجعتهم عادت تشتكي منهم وتتهم الآخرين بمساعدتهم.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1207 السبت 24/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم