أقلام حرة

نصب الشهيد في مدينة الأكواخ / مهدي الصافي

والغفل أو الاستغفال والجهل وانعدام الرؤيا الواقعية للأحداث والظروف المحيطة تصيب الناس بالخيبة والانكسار، ومن ثم يكون تقدير الأولويات والحاجات الضرورية مهمة جماعية صعبة في البلدان الديمقراطية الحديثة، تحتاج إلى أشخاص ذو كفاءة عالية في إيجاد الفرص المناسبة للتخطيط والانجاز والتنفيذ!

سأل احد الشخصيات البرلمانية يوما في احدى الجلسات الديوانية (جلسة شبه مفتوحة) السيد عمار الحكيم حول وزارة إنعاش الاهوار المجففة، والإشكالات التي أثيرت حول ملفات الفساد المتعلقة بإنشاء مرسى القوارب (المشاحيف الغاطسة في برك الماء)، على اعتبار ان الوزارة تتبع المجلس الأعلى، فكان رد السيد انه لايعلم بتلك الملفات....

اليوم وفي واقعة غريبة عجيبة استدعي إليها وجهاء مدينة بيوت القصب والبردي والأكواخ الطينية، وبعض مسؤولي محافظة ذي قار، بما فيهم محافظها ابو مشتاق الحسن وهو من أهالي تلك المناطق، لافتتاح نصب الشهيد في ابعد منطقة من مناطق المحافظة،

دون أن يسأل احدهم السيد الوزير عن هذه الفكرة الجهنمية، وأسباب اختيار تلك المنطقة، مع إن اغلب شهداء الانتفاضة الذين وقفوا بصدورهم العارية أمام الجيش الصدامي في محافظة ذي قار، استشهدوا في مركز المحافظة وبالتحديد عند مدخلها (طريق بغداد الناصرية ومن ثم في ساحة الحبوبي وكانت أخر مناطق المواجهة، سوق الشيوخ وتوابعها من الاقضية والنواحي)، وكانوا من مختلف المناطق بما فيها مناطق الجبايش والفهود وسوق الشيوخ فضلا عن مدينة الناصرية!

هل هذه الحركة البائسة يراد منها الترويج للحملات الانتخابية، والاستفادة من تلك المناطق لكسب مزيد من الأصوات، وألا ما هي العلة أو حكمة الجهلاء التي تقول لاتعطي خبزا للفقراء، بل أعطيهم قربة مليئة بالهواء (وعود وكلام فارغ لكنه دسم)

نسأل أيضا السيد رئيس الوزراء المسؤول المباشر عن أداء كابينته الوزارية، هل لديكم علم بالموضوع أم كل وزير يعمل وفقا لرؤيته وحاجة كتلته وحتى أهوائه، أين البرنامج الحكومي الذي لايعرف كيف يعيد الكهرباء للناس منذ أكثر من ثمان سنوات،

وهل هذه القبة المسماة بنصب الشهيد جزء من برنامج البنى التحتية أم خارج تلك المصرفات!

بعض المسؤولين وحتى الوزراء يختارون مشاريع طويلة عريضة يسهل فيها التلاعب بالتقديرات والكلف المالية المرصودة للمشاريع، لأنها مشاريع كبيرة وأسعارها غير ثابتة تدخل فيها عوامل التخطيط والتلميع والتفنن والتمويه (على سبيل المثال هناك بعض المشاريع التي يمكن ان يحصل فيها فساد مالي، عقود تسليح الجيش العراقي-عقود محطات الطاقة الكهربائية-شبكات المجاري والطرق-عقود شراء الطائرات-شراء البطاقة التموينية-طريق شارع المطار-تكلفة القمة العربية-نصب شهيد الجبايش ومرسى القوارب الخ.)،

مع إن مسألة إيقاف تلك العمليات المخربة للاقتصاد الوطني تتم بطريقة حديثة وبسيطة جدا، تشكيل لجان وهيئات مستقلة (لا برلمانية ولا حكومية) عبر اختيار كفاءات عراقية مشهود لها بالنزاهة والخبرة(تحدد لها رواتب ومنافع اجتماعية مجزية تقارب مايتمتع به الوزير أو عضو البرلمان)،

يكون عملها مراقبة أداء كل الأجهزة والمؤسسات والدوائر الحكومية، تتجاوز حجم الأداء الوظيفي البسيط المقدم من قبل مايسمى بالمفتش العام، وهذه المؤسسات واللجان الموجودة في بعض الدول المتقدمة هي من يقود الدولة ويقوم عملها ويراقب أداء مسؤوليها وموظفيها.

نتمنى على السيد عمار الحكيم، وكذلك السيد رئيس الوزراء ان يخصص جلسة عراقية رسمية مفتوحة مع الجماهير، للاستماع إلى أراء ومقترحات وشكاوى الناس،

وكذلك لسماع تعليقاتهم حول هكذا مسائل مؤذية للمجتمع والاقتصاد العراقي....

كان الأولى ان تذهب هذه الأموال (أموال نصب الشهيد) إلى الناس الفقراء وذوي ضحايا الأجرام الصدامي والعمليات الإرهابية، تخصص لبناء البيوت والمستوصفات أو المراكز الصحية والمدارس الآدمية، تبعد عنهم شبح الكوليرا والأمراض الوبائية الخ.

أنا شخصيا عاجز على فهم هذه الأفعال الخارجة عن الإسلام، ان تكون الحكومة (حكومة بلد مسلم) أو حتى مراجع الدين لديهم أموال طائلة لا يريدون صرفها على فقراء المجتمع،

يعني لديهم الأموال ويستنكفون صرفها على مستحقيها،

هل ذهبت عنهم مخافة الله عز وجل، أم لعل وجاهة الحكم وديوان المجالس العامرة أذهبت عنهم حقيقة الإيمان،

(بالمناسبة أود ان أقول يجب ان يسن قانون في البلدان الإسلامية حول أموال الحقوق الشرعية، التي يخلفها المرجع أو رجل الدين بعد وفاته،  يجب ان تذهب هذه الحقوق إلى خزينة الدولة أو إلى مؤسسات الضمان والرعايا الاجتماعية، على اعتبار إنها أموال مجهولة المالك وحقوق شرعية مخصصة لفقراء المجتمع لايمكن توريثها للأبناء أو الأسرة بعد وفاة المرجع)..


مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2252 الأثنين 22 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم