أقلام حرة

حاشية الحاكم أو المسؤول .... / مهدي الصافي

أشخاص لايشعرون بالنقص،  متكاملين في تفكيرهم السياسي والاجتماعي والثقافي، ويملئون الكراسي التي جاءتهم عبر صناديق الاقتراع الديمقراطية،

وآخرين هنا عندنا في بلاد الشرق العربي يمشون على الأرض مرحا، تحيط بهم كراديس أو جيش من الحمايات الشخصية والعائلية، ومجموعة مختارة بعناية حاملة الدفاتر والأقلام الملونة يسمون المستشارين أو مدراء مكتب، كلها مظاهر متخلفة موروثة من عهود الولاية وثقافة فرض الطاعة لخلفاء الدولتين الأموية والعباسية والدويلات المنبثقة عنها، وقد كان هناك ولا يزال حاشية يعتد بها وتلعب دورا محوريا في توزيع وتمييع الحقوق الشرعية تابعة لرجال الدين ووعاظ السلاطين  الخ. 

فهل تعتقد إن اختيار هذا العدد الكبير من الحمايات المخصصة لحراسة ومرافقة كل عضو من عضو البرلمان العراقي،  هي مجرد لتوفير الأمن والحماية لهم،  كلا،  بل هي حاجة نفسية بدائية، وعملية متعمدة لإبراز أهمية هذا المنصب الجديد(وإلا ما الفرق بين الطبيب،   أو المهندس،  أو الأستاذ الجامعي،  والمواطن العادي،   وبين عضو البرلمان أو أي مسؤول أخر،  وخصوصا إن الإرهاب استهدف المواطن العادي عدة مرات أكثر من المسؤول نفسه،  ويمكن القول لو أخذنا نصف أعداد حمايات المسؤولين من أعضاء البرلمان والوزراء والرئاسات الثلاث،  ووزعناهم على نقاط التفتيش في شوارع العاصمة بغداد،  لكان بالإمكان ان تقلل العمليات الإرهابية،  وتوفر الحماية للجميع دون استثناء، مع العلم إن هناك حمايات للمنشاءات أيضا)

كنا نستغرب من الأنظمة الدكتاتورية كيف تقبل ان تمارس حاشيتها العديد من الموبقات المؤذية للمجتمع( التهم الباطلة بغية الابتزاز-الرشوة والبطش بالمواطنين -ارتكاب جرائم القتل والسرقات والاغتصاب-اخذ الإتاوات من الأغنياء-الخ.)، على الرغم من قوة آلة القمع الرهيبة والمخيفة التي يمتلكها  ويبطش بها الدكتاتور، يبدو إن الأسباب الموضوعية المتكررة المرافقة لهذه الدائرة القذرة،  هي أسباب ضرورية لهم، تضمن بقاء الولاء والطاعة للحاكم المستبد(يعني إعطاء صلاحيات محدودة لمرتزقة الحاكم أو حاشيته لتنفيذ رغباتهم التسلطية على المواطنين، من اجل توريطهم بتلك الأعمال وتحمل نتائجها في حال انهيار النظام،  ولذلك يستميتون في الدفاع عنه، مع إن الخروج عن الخطوط الحمراء تعني هلاك هذه الشرذمة المكروهة من المجتمع)،

السؤال الذي نود طرحه هنا :هل يحتاج المسؤول في الأنظمة الديمقراطية إلى حاشية فاسدة أو غير فاسدة تحت اي مسمى كانت، أم المفروض ان تعزز سلطة ودور المؤسسات والهيئات الديمقراطية والاستشارية الرسمية الغير مسيسة، وتفعيل سلطة الرقابة الوظيفية والشعبية لحماية ممتلكات وثروات الدولة والمجتمع؟

وهل هناك أعذار(حيل) شرعية مقبولة يمكن معها التغاضي عن فساد شركاء العملية السياسية؟

جواب هكذا سؤال: معقد وشائك !تشرحه طريقة الاتفاقات والحوارات التي سبقت عملية تشكيل الحكومة العراقية،  وكثرة الأزمات المتولدة بعدها، وظروف البناء الحكومي المستند إلى توافقات سياسية فئوية(حزبية-طائفية-أثنية أو قومية)،

تلك التي سمحت لرئيس الوزراء وبقية الرئاسات(الجمهورية والنواب)ان تترك مهمة متابعة ملفات الفساد المالي والإداري بيد رغبات قادة تلك الكتل السياسية الكبيرة، دون ان يترك للمواطن فسحة أو أي فرصة للمساهمة على الأقل في إسقاط الأحزاب والحركات والأشخاص المتاجرين بدمائهم وقوتهم،

 عبر تشريع قانون وطني حديث يتكفل بفتح باب المنافسة السياسية للجميع دون استثناء(في انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان،  هل يعقل إن الأشخاص الذين يمثلون مناطقهم بصدق،  ولديهم الأصوات الشعبية المناسبة،  لا يجلسون في البرلمان،  ويحتل العضوية من رفعته أصوات كتلته)،

يسقط في يد العدالة فقط الأشخاص الذين لا يستندون في تجاوزاتهم وسرقاتهم المنظمة لأموال الدولة إلى قاعدة برلمانية كبيرة تحميهم من المتابعة القضائية والقانونية لهم(بالعراقي يقولون ظهره غير مسنود)،

فهل كان السيد رئيس الوزراء المالكي يعرف بحاشية المسؤولين من الوزراء والمدراء العامين وأعضاء البرلمان والمتنفذين من تجار الديمقراطية؟

، وهل لديه دراية بحجم المليارات المهربة إلى خارج العراق كأرباح شخصية لبعض الفاسدين، ومعرفة بمصادر تمويل الاحزاب والحركات والكتل البرلمانية التي يقول عنها مرتبطة بالأجندات الخارجية؟

وهل كان بإمكانه ان يشترط في حكومة المحاصصة تشريع قانون من أين لك هذا، لمتابعة المسؤول أو الوزير الفاسد، مع ضمان رفع الحصانة عن عضو البرلمان المتهم بقضايا الإرهاب؟

أسئلة كثيرة نود ان نسمع الإجابة عنها من قبل السيد رئيس الوزراء الحالي المالكي، الذي يتفاوض على الأقل ظاهريا على تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، (ولعلها تكون حلا معقولا لكل الإشكالات التي يطرحها المراقبون للوضع السياسي الفوضوي في العراق).

وجوابنا المختصر على كل ماطرحناه للمناقشة، عبر سوق أو طرح فرضية بسيطة يمكن لأي شخص ان يفترضها،

نقول لو كنت أنا على سبيل المثال لا الحصر شخصيا احد القياديين المركزيين في حزب إسلامي معروف بتاريخه الجهادي كحزب الدعوة (وليس أمين عام الحزب) سوف لن اقبل (واعتقد إن هناك الكثيرين مثلي سيقفون بنفس الموقف) ان استلم منصب رئاسة الحكومة أو حتى أكون وزيرا فيها، 

إذا كانت طاولتها ملوثة بالفساد المالي والإداري،  وكانت نتائجها مرور عقد من الزمن (تقريبا) دون ان أستطيع إن أعيد الكهرباء والخدمات العامة للمواطنين، والقضاء على حالة الفقر المتصاعدة في المجتمع،  واعرف إن عيني ستقع يوما على طفل جائع مشرد،   أو امرأة تستجدي خبزا لعيالها،  أو عجوزا تبحث عن من يدفع لها قيمة وصفتها الطبية، أو حتى اسمع عن الأيتام ومحروميتهم وعوزهم،

لن يقبل أحدا يدعي النزاهة والتدين والشرف ان يتحمل مسؤولية شعب بأكمله،  دون ان تكون له القدرة على انتشالهم من تحت خط الفقر،

ويستعد بنيات مبيتة أو معلنة لمحاربة آفة الفساد المنتشرة في كل دوائر وأجهزة ومؤسسات الدولة، وجر أرجل جلاوزتها وسماسرة التخريب إلى ساحة القضاء العادل

(كما حصل في قضية النائب السابق الهاشمي)، إنها صحوة ضمير تعرفها النفوس الطاهرة، وإلا فشوارع الفساد مفتوحة ومتاحة لكل الناس،

(نتمنى ان يكمل رئيس الوزراء المالكي تنفيذ مسيرة أو قائمة الوعود التي أطلقها في دورته الحكومية السابقة والحالية في محاربة المفسدين)

 فالأنظمة الديمقراطية لاتحتاج إلى حاشية عائلية أو فئوية،  بل هي في أمس الحاجة إلى كوادر وكفاءات وطنية نزيهة، لا ترحل مع رحيل المسؤول، لأنها تعمل ضمن مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية...

(لعن الله الحاشية الفاسدة أينما كانت،  ومع من رافقت حتى لو كان مرجعا للدين)

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2257 السبت 27 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم