أقلام حرة

المالكي بين عدو عاقل وصديق جاهل / فخري مشكور

 

شكلت الاحداث المتسارعة في قضية الغاء البطاقة التموينية حزمة وقائع تكاد تكون نموذجا يتكرر، من اعلان للعزم على الغاء البطاقة والتعويض عنها بمبلغ 15 الف دينار، الى التنديدات بهذا الالغاء، الى التهديدات بالتظاهر، الى اعتذار السيد علي الموسوي عن القرار، الى التصريح بامكانية رفع سعر التعويض الى 25 الفا بدل الـ15 الف .. ولازال حبل التداعيات على الجرار.

لماذا يتكرر هذا السيناريو كل مرة؟ يصدر قرار  حكومي بناء على مصلحة تراها الحكومة، فيثير رد فعل غاضب، فتستثمر المعارضة الرفض فتنفخ في النار لتأجيجها، فتشعر الحكومة بالخطر او بالخطأ فتبادر لتلافي الامر بالاعتذار، ثم تسحب القرار.

الامر يستحق الدراسة سواء فيما يخص اداء المعارضة او ما يخص اداء الحكومة. ولنبدا بأداء المعارضة لأنه الأسهل بسبب كون المعارضة في العراق تمتاز عن المعارضات في أغلب الدول الديمقراطية الاخرى بانها تشترك في الحكومة دون ان تتحمل سلبياتها، وتحضر الاجتماعات الوزارية وتسعى لاسقاطها، وتتمحور على أسس طائفية وتتهم الحكومة بها، وتنسق مع اميركا وتركيا ودول الخليج وتهاجم الحكومة بالتنسيق مع ايران، وتتعاون مع الارهاب وتحمّل الحكومة مسؤولية الفشل الامني. هذه المعارضة موقفها من اي تصرف للحكومة سهل وواضح ومعروف: ان كان نجاحا لا غبار عليه سكتت ولم تشد به، وان كان نجاحا نسبيا ركزت على الجانب السلبي منه، وان كان فشلا سلقت الحكومة بالسنة حداد مستفيدة من الاخطبوط الاعلامي البعثي ذي المهنية العالية والخبرة الطويلة لوضع الحكومة في الزاوية الحرجة محاولة " تثبيتها على الارض" لكن العد الى ثلاثة لا يكتمل بل تنهض الحكومة وتفشل الضربة القاضية وتبقى المعارضة تتربص بالحكومة الى موقف جديد لتعيد الكرّة.

اما الحكومة فانها تلجأ الى اجراءات غير مدروسة –لاسباب سوف نشير اليها- ويمر القرار بالمسار الرسمي المألوف حيث يصوّت عليه مجلس الوزراء، فاذا ظهر ان القرار مرفوض شعبياً انسحب جميع الوزراء من الواجهة وبقي المالكي وحده مسؤولاً عنه متحملاً اوزاره ومستـَهدفا من كل المنابر التي صوّتَ ممثلوها لصالح القرار في مجلس الوزراء !

الطريف في الامر ان الاداء الاعلامي لرئاسة الوزراء وبدل ان يرمم الموقف فانه غالبا ما يزيد الطين بلة، فهو في دفاعه عن المالكي يسلك سبيل صديق الاعمش الذي طلب منه الكلام مع زوجته ليصالحها فقال لها: يا ام فلان ان ابا فلان رجل جليل فلا يزهدنك فيه مشيب لحييه وارتعاش يديه وبرود كفيه ودقة ساقيه وثقل اذنيه وعمش عينيه وبخر فيه. وقد طلع علينا السيد الموسوي بتصريح قال فيه –حسب قناة السومرية- أن المالكي لم يكن يميل الى الغاء البطاقة التموينية لكن الوزراء صوتوا بالاجماع لصالح القرار. تصريح السيد الموسوي يعني ان المالكي صوّت عليه بالرغم من عدم اقتناعه به نزولا عند رغبة الوزاء! وهذا يثير تساؤلات كبيرة حول شخصية المالكي كممثل لمصالح الشعب وحول دوره كرئيس للوزراء.

ان هذا الاداء الاعلامي البائس يعبر عن محنة المالكي مع انصاره ومناوئيه على حد سواء، فمناوئوه يصوتون على قرار مثير للاستياء ثم ينسحبون من الواجهة تاركين المالكي وحده يتلقى كل السهام بينما لا يستحق الرجل في الواقع الا سهما أو سهمين. ان هذا السلوك يلقي ضوءا على الازدواجية التي تمارسها المعارضة التي تتمتع بامتيازات السلطة اثناء الدوام وبامتيازات المعارضة بعد الدوام.

اما انصار المالكي فيسيئون اليه على عدة مراحل، في المرحلة الاولى يحتلون مواقع لا يليقون لها، فمن بين هذا العدد الكبير من الموظفين والمستشارين لا يبدو ان واحدا منهم حذره من عاقبة المس بلقمة العيش للمواطن الذي يطحنه الغلاء، كما لم يجد – ايضا على ما يبدو- من يضع له خطة مدروسة لالغاء البطاقة ضمن جدول زمني يسير بموازاة توفير المواد التي يراد حذفها وباسعار مناسبة بحيث يشعر المواطن ان تقليل المواد من الحصة لا يؤثر عليه فعلا، مما يسلب من ورقة المعارضة المتربصة بالحكومة قدرة التاثير على المواطن لانه لمس بنفسه توفير البديل لها دون ان يتأثر. ان هذا التخطيط هو من اوليات العمل الحكومي ولا يحتاج الى تخصصات عالية ولا الى عبقرية استثنائية، وغياب هذا التخطيط يكشف لنا عن نقص مرعب في القدرة على الاستفادة من الطاقات العراقية المتخصصة والمنتشرة في العراق وفي الخارج لكن  المالكي يفتقر الى القدرة على استثمارهم لخدمة البلد وخدمته ايضا.

لو كان حول المالكي اعلاميون متخصصون لقاموا بدل الاعتذار ببث تسجيل جلسة مجلس الوزراء ليرى الناس من صوّت على القرار ليعرفوا كل المسؤولين عن الغاء البطاقة التموينية.

ولو كان للمالكي مستشارون ذوو اهلية لأخبروه بخطورة الاقدام على هذه الخطوة بالشكل الذي تمت به.

ولو كان في مكتب المالكي من يملك كفاءات غير القرابة والتزلـّف لقالوا له: "ما هكذا تورد يا حاج الابل" دون ان يمنعهم الخوف من اسداء النصح له (كما صرح بذلك مستشاره الشيخ).

ولو كان المحيطون به مخلصين له حقا لما حجبوا عنه الخطة التي ارسلت له لتشكيل كيان استشاري بعدة اختصاصات يجهزه باستشارات تخصصية مجانية بدافع الحرص على الوطن والمواطن دون ان يضطروا الى ترك مواقعهم في دول اقامتهم (لكيلا يعتذر المحيطون به بأن المخصصات الرئاسية لا تكفي لرواتبهم و لا يمكن تهيئة سكن لهم).

ولو كان هؤلاء يعرفون اوليات السياسة والاعلام لنصحوه بعدم التصريح عن ملاحقة اي شخص وترك ذلك للقضاء، ولذكـّروه بما قاله عن ناصر الجنابي وطارق الهاشمي وسنان الشبيبي. ولو كانوا ذكّروه لما قال مجددا ان قضية سنان الشبيبي ستطيح برؤوس كبيرة، فمن البديهي ان هكذا تصريح يحرج القضاء ويفسَّر على انه نية مسبقة للايقاع بخصومه لأنه يستبق الاجراءات القضائية التي يفترض انه لا يعلم نتيجتها قبل صدور مذكرات التوقيف او احكام الاتهام او قرارات الادانة.

لا يمكن ان يتطور اداء المالكي قبل ان تتغير طريقته في التعاطي مع القضايا التخصصية التي تحتاج بالضرورة الى مستشارين مهنيين في مختلف الشؤون.

اما اذا بقي المالكي يفضل الاقرباء والاصدقاء على الخبراء الاكفاء فلن يكون غده افضل من يومه.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2271 السبت 10 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم