أقلام حرة

ثقـافة العـيــب .. وكسر حاجز الصمت / وائل مصباح عبد المحسن

بذريعة خدش الحياء العام، ولذا يجب تسليط الضوء على القضايا التي تسمى حساسة والتي تندرج تحت مسمى (العيب)،  وذلك باستخدام أسلوب علمي وتربوي.

فأيهما أكثر ضررا بالمجتمع أن نكتب عن العيب بهدف التوعية أم نبقي على حالة الصمت ليزداد العيب حضورا واقعيا؟

فلا تزال معظم مشكلات الحياة الزوجية_على سبيل المثال لا الحصر_لا تشكل سوى استفسارات نقف عاجزين أمام محاولة البحث عن إجابات شافية لها، وحتى حينما ندعي بأننا قد توصلنا إلى مفاتيحها، فإننا سرعان ما نكتشف بأننا أمام حاجز غير مرئي، يشبه حاجز الأمواج الرهيب قبيل استراليا، والذي يمكن أن يشطر اى سفينة إلى نصفين في ثواني معدودة.

فثقافة العيب التي خُصت بها المرأة عملت على تحجيم رغباتها الجسدية في فراش الزوجية، برغم أن التعبير عنها وإشباعها حق شرعي ونفسي لها، ولكنها وبناءا على ما تعلمته منذ نعومة أظافرها تبقى حبيسة قيم متخلفة وأفكار رجعية، وقد يرجع ذلك لوصايا أمها التي فعلت ذلك من قبلها بكل التزام في علاقتها بزوجها، وأن عليها أن تمتّع زوجها كما نص على ذلك قول المأذون الذي يخوّل الرجل بقوله: (زوجتك ومتّعتك..) ولا يردّ فيه مثله لها، ولا حتى قوله: (زوجتكما ومتّعتكما..) وكأن الفراش معدّ لتستلقي هي عليه في انتظار الزوج، الذي يعاملها كما لو كانت وعاءا يفرغ فيها فيضا من مادة يفرزها جسمه باستمرار، تسبب له توترا، وتلّح عليه بأن يقذف بها في مكان يمنحه متعة الإفراغ، ليقوم متبخترا ضاربا صدره بيده دلالة الفوز بنجاح المهمة، وكان الفحولة في الفراش هي أهم صفات الرجل، غير مكترث بانسانه لها حقوق شرعية عليه مثل حقه عليها، متجاهلا كون العلاقة الزوجية تحتاج إلى مقبّلات تفتح الشهية، كالمناغاة والغزل والمداعبة، إلى أن يجعلها تقول له: (هيت لك!) فيتحاورا معا حوار الند للند، لتصحوا الانفعالات الرقيقة، وتشتعل المشاعر الحميمة، فتتولد المودة والرحمة.

ولك أن تتخيل رد الفعل إذا اضطرت المرأة للبوح بعدم وصولها إلى الإشباع التام في فراش الزوجية، فقد تُتهم بأنها غير سوية، أو أن لها سوابق_خبرة على رأى الفنان عادل إمام في فيلمه التجربة الدنماركية_لا لفعل صدر منها، ولا لنية مبيتة، بل لأنها طلبت فقط حقا يقرّه المنطق والشرع والدين.

وهنا لا نستطيع أن نلقى باللوم فقط على الرجل، فالنساء اللواتي ينظرن لحياتهن أنهن خلقن للزواج والإنجاب، ممكن الطهي، وأن المحظوظة_اللي أمها داعية لها في ليلة القدر وهى كاشفة شعرها_هي التي تحصل على زوج وبيت وأطفال، وأن إشباع حاجة زوجها للجنس، واجب وليس مشاركة انفعالية، أو أنه تفريغ ما بزوجها من مادة عضوية حتى لا يذهب إلى غيرها.

كل الزوجات المندرجات تحت هذا النوع من التصنيف غير قادرات على منح الحب، ولذا تتحول علاقاتهن الزوجية مع أزواجهن إلى عملية ميكانيكة وروتينية، لا روح فيها، تمل منها الزوجة قبل أن تدق باب الأربعين.
وهنالك الكثير من الأزواج سواء الرجل أو المرأة الذين يخجلون من طلب ما يستحقون في فراشهم،  وللأسف ينتظر كل واحد منها الآخر، أن يقوم بإغداق مشاعر الحب والغرام التي لن تأتي
، فكلاهما يخجل من طلبها، لأن ثقافة العيب تمددت بينهما على الفراش الزوجية_ونامت وشخرت كمان_ومن يتجاوزها، لا حياء لديه!وقد تظهر العلامات الكبرى ليوم القيامة إذا بادرت الزوجة.

والمفارقة الغريبة إن الرجل يريد من زوجته أن تكون في غاية الأدب والحشمة أمام الناس، فيما يحتاجها نفسيا إلى أن تكون ماهرة في فن الحب على فراش الزوجية !، وقد يخجل من طلب ذلك، لماذا؟ لا اعلم.

وهناك مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي أن الأزواج حين يتقدمون بالعمر تغزو فراش الزوجية ظاهرة ديرة الظهر_طبعا بعد تفاقم ظاهرة الخرس الزوجي_لأن ثقافة العادات والتقاليد تأمر الزوجين الكبار في السن_ فوق الخمسين_ بالابتعاد عن بعضهما، فقد أنجزا مهمتهما بنجاح_إنجاب الأطفال_ لذا يجب التوقف عن إظهار الحب أمام الآخرين حتى الأبناء، مع حذر

ممارسة الجنس في الفراش، وإذا حاول الزوج_ ولو من باب جبر الخاطر_فقد يصدم بقول زوجته:

"عيب يا راجل..إحنا كبرنا على الحاجات دى"، فهلل للحب عمر افتراضي؟لا وألف مليون لا، فهو

صلاحية مدى الحياة.

يجب يا سادة أن ندق جرس الإنذار مطالبين بتحرير فراش الزوجية من ثقافة العيب؛مما يجعل

البيت أكثر راحة وسعادة، واستعدادا لتحمل مشاكل الحياة اليومية، فضلا عن أنه سيقلل طلبات الطلاق التي ضاقت بها أروقة المحاكم.

ومع أن الثقافة الأسرية ينبغي أن تبدأ من الطفولة ضمن مواد تربوية في المدارس الابتدائية، فان ثقافة العيب فى استخدام كلمة الجنس، ما تزال تهيمن على عقول المسئولين عن التعليم بمصرنا الحبيبة، والتي على ضفاف نهرها الخالد وفى أحضان واديها الفسيح، ولدت أروع أساطير الحب، إيزيس وأوزوريس!!

وليت الأمر توقف لهذا الحد، فقد تخطاه ليصبح نمط تربوي، فكثير من أطفالنا أو شبابنا يتلفظ ببعض الألفاظ البذيئة، أو يسيء التعامل مع الكبار، أو الوالدين فيتحول التوجيه للطفل أو الشاب بعبارات:

"عيب تقول كده"، "عيب أن تتحدث مع والدك بهذه الطريقة"، "يجب أن تحترم الكبار"

دون التوجيه للثقافة التي يجب عليهم تعلمها، وهي أن هذا الفعل فيه عقاب وفيه إغضاب لله تعالى وأن الله تعالى قال:"قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً".

أي أن التوجيه الذي نقوم به لأطفالنا مستخدمين فيه نفس الثقافة، يعدهم إعداداً سيؤدي بنا وبمجتمعاتنا العربية إلى الهاوية، وهذا وحده يبيح لي، ولغيري، فتح الملف الشائك، والقفز عن حاجز العيب، واعتقد أن الصمت إزاء هذه القضايا هو العيب بعينه، فالمشكلة ليست مشكلة فردية، ولكي نحمي أبنائنا وبناتنا وذواتنا من الوقوع فى غياهب تلك المشكلات، لا بد من كسر حواجز الصمت

العتيقة، بدلا من أن ننفق_كمصريين_ما قيمته مليار جنيه سنوياً على الفياجرا، ونتقدم الصفوف

في الدخول على مواقع الانترنت الإباحية.

 

بقلم الكاتب والسينارست

وائل مصباح عبد المحسن

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2293 الأثنين 03 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم