أقلام حرة

السيد نوري المالكي وسياسة (إدفع بالتي هي أحسن) / احمد صادق

او يذكرون الحكومة التي يرأسها وهم يقصدوه هو،  كلما ارادوا ان يهاجموه وينتقدوه ويتهموه ويحملوه المسؤولية في كل ما يحدث في العراق من صراعات وخلافات بين الكتل السياسية المختلفة المشتركة في العملية السياسية، ومن خروقات أمنية ينفذ منها الإرهابيون ليرتكبوا اعمالهم الإجرامية التي يذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، ومن فساد مالي وإداري مستشري كالسرطان في جسم المؤسسات الحكومية على كافة مستوياتها. هؤلاء الذين يهاجمون نوري المالكي صراحة وعلنا، بمناسبة وبدون مناسبة، لأغراض سياسية أوشخصية أو الإثنين معا، لماذا لا يقابلهم نوري المالكي بالمثل؟ لماذا لا يقابلهم بالمثل وعنده ملفات تدينهم بالفساد المالي والإرهاب وتشكيل الميليشيات والعمل على عرقلة بناء الدولة العراقية الجديدة؟ تعالوا نبين حكمة السيد المالكي السياسية الجديدة: إدفع بالتي هي أحسن (المستوحاة من الآية القرآنية،) في مواجهة خصومه السياسيين الذين يحيطون به من كل جانب. لقد اعتاد المالكي ان يكرر في كل مناسبة؛ فضائية، خطابية، صحفية، انه يمتلك ملفات عن المفسدين في الحكومة ويمتلك ملفات عن الإرهابيين ولكنه (يدفع بالتي هي احسن) في التعامل مع هؤلاء. في المؤتمر الصحفي الأخير (يوم 2/12/2012) لخص هذا الأمر عندما قال، ان من بين اعضاء لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان النيابية التي اثارت قضية المعتقلات العراقيات في السجون العراقية شخص إرهابي عليه أمر إلقاء قبض منذ وقت طويل ولم ينفذ حتى اليوم لقيادته ميليشيات في المحافظة التي ينتمي إليها تقتل وتذبح بالعراقيين، وطالب بتنفيذ هذا الأمر الآن. لماذا لم يذكر السيد المالكي إسم هذا النائب الإرهابي في مؤتمره الصحفي الأخير ولا في أي مناسبة أخرى؟ وقال المالكي ان أمر إلقاء القبض على مدير المصرف التجاري العراقي في قضية الفساد المعروفة لم يستطع احد ان ينفذه، خوفا او تآمرا، فذهب بنفسه مع مفرزة امنية للمصرف لإلقاء القبض عليه، ولكن ما حدث ان مدير المصرف جرى تهريبه من مكان آخر في المصرف من قبل شركة امنية خاصة قبل الوصول إليه، وان هذه الشركة يملكها شخص معروف ومتنفذ، قريب من مدير المصرف. لماذا لم يذكر المالكي إسم هذا الشخص المعروف والمتنفذ الذي يمتلك شركة أمنية ؟ خاصة؟ وقال المالكي ان لجنة النزاهة النيابية فيها اعضاء فاسدون وان أعلى صوت في هذه اللجنة دفع خمسة ملايين دولار وآخر دفع عشرة ملايين دولار لتعطيل التحقيق حول قضية الفساد في البنك المركزي العراقي. لماذا لم يعلن السيد المالكي إسماء هؤلاء الأعضاء الذين دفعوا هذا المبالغ؟

 في هذه الأمثلة، وغيرها كثير، يلمح السيد المالكي ويشير من طرف خفي إلى خصومه من سياسيين ومفسدين وإرهابين في موقع المسؤولية وخارجها تلميحا وتأشيرا خفيا بينما يصرح خصومه هؤلاء بأسمه تصريحا لا تلميحا ويشيرون إليه علنا باليدين والعينين حين يهاجمون وينتفدون ويتهمون. ما معنى هذا ولأي غرض يفعل المالكي ويهدف حين يتستر ويغطي على خصومه هؤلاء؟ هل هذا ما يقصده بسياسة إدفع بالتي هي احسن؟ يقول المالكي في نفس المؤتمر الصحفي المذكور انه إذا لم ينته المطالبون بسحب الثقفة عن نوري المالكي فسوف يتخذ بحقهم اجراءات غير مسبوقة! وفي مناسبة أخرى يقول أنه إذا إستدُعيَ إلى مجلس النواب للأستجواب من قبل أي كتلة سياسية عن أسباب الفساد المالي أو عن أسباب الخروقات الأمنية .....  فإنه سيحمل معه ملفات تدين وتطيح برؤوس اشخاص مسؤولين داخل العملية السياسية وخارجها من سياسيين ومفسدين وإرهابيين أو متعاونين مع الإرهاب. هل معنى ذلك ان السيد المالكي يحتفط بهذه الملفات ويهدد بها لغرض إبتزاز خصومه من سياسيين ومفسدين وإرهابيين ومساومتهم وعقد الصفقات السياسية معهم حين الحاجة؟ إذا كان هذا صحيحا فإن ذلك يتم على حساب ارواح العراقيين التي تُزهق واموالهم التي تُسرق كل يوم؟ نسمع هذا الكلام عن إحتفاظ المالكي بملفات تدين هذا وذاك منذ وقت طويل في الوقت الذي يستمر هذا وذاك من السياسيين في خصومتهم والمفسدين في فسادهم والإرهابيين والمتعاونين مع الأرهاب في إرهابهم، وبالتالي تستمر عملية قتل العراقيين كل يوم على يد الإرهابيين من داخل العراق وخارجه وسرقة اموال العراقيين كل يوم على يد الفاسدين من اللصوص والحرامية  دون ان تمتد إليهم يد القانون والقضاء بشكل حقيقي، حازم وصارم.

ان سياسة السيد نوري المالكي تجري وفق واحد من أمرين أما ان يكون رئيس حكومة عراقية لها مرجعية وطنية، حرة التصرف بقراراتها السياسية على المستوى الداخلي، وهو مدار كلامنا هنا، واما ان يكون رئيس حكومة لها مرجعية اجنبية، ليست حرة التصرف بقراراتها السياسية على المستوى الداخلي. فإذا كان السيد المالكي رئيسا لحكومة عراقية لها مرجعية وطنية، حرة التصرف بقراراتها السياسية على المستوى الداخلي، فلماذا التستر والتغطية على خصومه من السياسيين والمفسدين والأرهابيين او من الذين يتعاونون معهم وهم في موقع المسؤولية؟ هل لغرض تحقيق مصلحة سياسية عن طريق ابتزازهم ومساومتهم وعقد الصفقات معهم؟ إذا كان الأمر كذلك فإن هذا يتم على حساب العراقيين الذين تزهق ارواحهم على يد الإرهابيين كل يوم، وعلى حساب مال العراق الذي يسرق وينهب كل يوم على يد الفاسدين من الحرامية واللصوص. وإذا كان السيد المالكي رئيسا لحكومة لها مرجعية أجنبية، وليست لها حرية التصرف بقراراتها السياسية على المستوى الداخلي، وليس له، تبعا لذلك،  ان يقول ولا ان يفعل إلا ما يُسمح له به من قول وفعل، فإن ذلك يتم  على حساب العراقيين الذين تُزهق ارواحهم على يد الإرهابيين كل يوم، وإلا على حساب اموال العراقيين التي تسرق وتنهب كل يوم على يد الفاسدين من الحرامية واللصوص.

ان السيد نوري المالكي، كما نرى، مقيد اليدين واللسان. في الفعل لا يستطيع ان يذهب بعيدا في التعامل مع خصومه السياسيين وفي الوقوف بوجههم وردعهم ومحاسبتهم وفق القانون والدستورعندما يرتكبون في أقوالهم وافعالهم ما يخالف القانون والدستور. وفي الكلام لا يستطيع ان يعلن اكثر مما يخفي ولا ان يصرح اكثر مما يلمح إلى خصومه السياسيين والمفسدين والمتعاونين مع الإرهاب. ولعل الحكمة الجديدة التي أهتدى إليها السيد نوري المالكي في التعامل مع خصومه السياسيين هي مخرج جيد لضعفه وضعف حكومته في الداخل. فبسبب انه لا يستطيع ان يقول ويفعل اكثر مما هو مسموح له ان يقول ويفعل في إدار شؤون العراق السياسية الداخلية، فضلا عن الخارجية، يلجأ إلى حكمة (ادفع بالتي هي احسن.) ولكن دعنا نقول ان هذه الآية - الحكمة تحمل معاني وتفسيرات، منها، ان المرجعية الأجنبية تريد من السيد المالكي ان يدفع (.... بالتي هي احسن) خصومه السياسيين عنه بطريقة لا تفشل معها العملية السياسية (الديمقراطية) التي ترعاها هذه المرجعية وتريدها ان تنجح في العراق باكورة مشروعها الشرق أوسطي الجديد. ومنها ان السيد المالكي يريد بحكمته السياسية الجديدة ( إدفع بالتي هي احسن) ملاينة خصومه السياسيين من اجل ان لا يفقد هو السلطة التي بين يديه الآن وفي المستقبل. وسواء كان الأمر الأول أو الثاني صحيحا أو الأمرين معا، فإن ذلك يجب ان لا يحدث على حساب ارواح العراقيين وثروة بلدهم. على السيد المالكي ان تكون له مرجعية وطنية قبل ان تكون له مرجعية اجنبية، يعود إليها ويهتدي بها في التعامل بحزم مع خصومه السياسيين وفي حماية ارواح العراقيين التي ينال منها الإرهابيون في الداخل والخارج كل يوم وحفظ اموال العراقيين التي يسرقها وينهبها المفسدون من اللصوص والحرامية كل يوم.

 

بغداد في 5/12/2012 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2296 الخميس 06 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم