أقلام حرة

الثورات بتعانى .. فين الصف التانى / وائل مصباح عبد المحسن

من المشكلات الإدارية الكبيرة التي تتسبب غالبًا في ضعف أداء المنظمة وتعثر خططها ومشاريعها حين يسند الأمر إلي غير أهله مما يستدعي إجراء التعديلات والقيام بعمليات الإصلاح والتطوير أو التغيير الإداري الواسع والحديث وفق أسس واستراتيجيات تستوعب هذه المفاهيم ودلائلها وتحرص على وجود أكثر من قيادي بديل أو صف ثاني جاهز ومهيأ لتولى المسئولية وقت الحاجة وحين تستدعي الضرورة، فليس هناك ما هو أبعد أثرًا في تحسين القيادة الإدارية من اجتذاب أفراد أكفاء إلى الوظائف الإدارية العليا في المستوى الذي يلي الوزراء مثل وكلاء الوزارات ومساعديهم في الوزارات والهيئات والمؤسسات وفي كل مستويات أجهزة الدولة فمن المفترض دائمًا إدخال دماء جديدة مدربة عند خلو الوظائف القيادية لأي سبب كان.

وتختلف القيادة عن الإدارة اختلافًا جوهريًا، ويعود ذلك إلى عدم توافر بعض العناصر القيادية في حالة الإدارة، فالإدارة تعتمد في ممارستها لوظائفها على ما تملكه من سلطه منحها إياها القانون، بينما تعتمد القيادة على اقتناع أفراد التنظيم بالقائد وثقتهم الكبيرة به، فالقيادة تركز على قدرات واستعدادات طبيعية كامنة في الفرد تؤهله لإحداث التأثير في أفراد الجماعة.

فمن عرف معني القيادة الحقيقية، أيقن أنها صفات وخصائص وليست أسماء وشخصيات بذاتها، مع الوضع في الاعتبار أن أي قيادة لابد أن يكون لها فترة صلاحية، والقيادة الناجحة هي التي تعد من حولها، كي يحلوا محلها، لأن الوطن أغلي من أي مصلحة شخصية، والدليل على ذلك هو تراجع كفاءة المؤسسات نتيجة استمرار نفس الأشخاص علي قمة هذه المؤسسات، فيصبح الشخص والمؤسسة سواء، ويصبح خضوع الشخص للقانون مسألة عبثية، لأنه يتوحد مع المؤسسة التي يفترض أن تسائله ويرتفع فوق المساءلة لأنه صنعها أو علي الأقل جعلها أضعف منه.

ولا أعتقد أن مصر تعدم الرجال الأكفاء النابهين في كل المجالات، الذين يحملون من صفات القيادة، ويحلمون أن تؤتي لهم الفرصة ليخدموها من مواقع أعلي وأرقي خاصة في مرحلة ما بعد مبارك، لذا يجب على القيادة الواعية أن تعد هذه القيادات البديلة وأن تدربها علي قواعد الحكم الرشيد، كما يعرفها المتخصصون بما في ذلك الخضوع للمساءلة، وليس القفز من المجهول إلي أعلي مراكز السلطة، بلا جهد أو مقومات غير المثلث إياه، اللا شعبية قبل المنصب، والطاعة أثناء المنصب، وصمت القبور بعد المنصب.

ولا ريب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استطاع تأسيس أول مجتمع إسلامي قائم على حكم الله، وبما أن الدولة الإسلامية الوليدة مرشح لها البقاء والاستمرار في الحياة، كونها الدولة التي تحمل الشرعية الإلهية، فلم يكن من المعقول أن يتهاون عليه الصلاة والسلام في إعداد القيادة البديلة عنه في حال رحيله عن هذه الدنيا لأن التهاون وعدم التعاطي مع هذه المسألة المهمة والحساسة من منطلق المسؤولية يعني الخطر الفعلي والحقيقي على استمرارية بقاء الإنجازات التي سعى لتحقيقها، والتي تحمّل الرعيل الأول من المسلمين الكثير من البلايا في سبيل الوصول إليها، من هنا فإن القيادة البديلة كان لا بد أن تحمل أقرب المواصفات إليه كونها الاستمرار الطبيعي والبديل المناسب له في قيادة الأمة وتحمل مسؤوليات التبليغ والدفاع عن الإسلام، ومثل هذا البديل هو الذي تبحث عنه كل شعوب العالم، عندما تجد أن قيادتها الفعلية قد رحلت عن هذه الدنيا، والآية القرآنية الكريمة (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدى إلا أن يهدى، فما لكم كيف تحكمون) تؤكد الاستنكار الإلهي لمن يختار القيادة التي لا تحسن القيام بواجبات هذا المنصب، وتترك القيادة المؤهلة والحاملة للمواصفات المطلوبة، مع الحذر كل الحذر من سياسة الأرض المحروقة وهي سياسة يتبعها نظام مهزوم على أرض سيخسرها وتعني تدمير الأرض أو الوطن والأملاك وكل مظاهر التحضر أو الحياة، كما قال مبارك:"أما أنا أو لا الفوضى"، وقد نفذ صدام حسين هذه السياسة عند انسحابه من الكويت، وكذلك عند سقوط بغداد عام 2003م والحمد لله إنها لم تكتمل.

ذهب مبارك كما سيذهب غيره الكثيرون، وستبقى مصر هبة الرب، مرآة السماء، الانعكاس السفلي لكل ما تقرره القوى السماوية، بثقافة "الواحد"، فللأسرة سيدا واحدا، وللوطن حاكما واحدا، ولنا جميعا ربا واحدا، لا نملك إلا أن ندعوه ونلح عليه بان يحمي مصرنا من أبناءها، فلن يستطيع أحدا إسكات الكروان، هل تدفن الأهرام؟!

وائل مصباح عبد المحسن

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2302 الاربعاء 12 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم