أقلام حرة

تكمن الخطورة في تصادم استراتيجيات الاطراف العراقية

 الواضحة لزرع حالة من انعدام الثقة بين الاطراف المختلفة، وان عادت المياه الى مجاريها شيئاما بعد التلميح الى وجود الحلول للمشاكل العالقة وان كانت مؤقتة، ويعتبر الهدوء النسبي بعد افتعال الازمات تطبيعا للاوضاع غير الاعتيادية التي تخلقها كل ازمة مفتعلة بمجرد مرور العملية السياسية بالمحطات الحساسة التي تحتاج الى مواقف صريحة .

 

لو اردنا ان نوضح مضمون وجوهر ما يحدث باستمرار، بحيادية ومن دون اية خلفية فكرية ايديولوجية وليس الكلام عن قشورها كما يفعل السياسيون ويتحدثون عن مظاهر الاشياء وحافات وظلال المعادلات وظاهر التفاعلات والاطر العامة للقضايا دون الخوض في الجوهر واللب، والتحفظ عن التعمق في التفصيلات الحقيقية . اي التصريح والاعلان في بيان الاسباب، والحث على ايجاد الحلول المناسبة وان كانت تضرب المصالح المختلفة، وبدراسة عميقة علمية دقيقة، اي ليس مجرد اجراء ترقيع او خفاء اسباب وكل ما يتعلق بالمشاكل باية طريقة تبتكرها القوى من اجل المصالح الذاتية فقط، والاصرارعلى تكثيف الجهود من اجل طرح الامور على انها مشاكل مؤقتة انية في العملية السياسية،وعلى اعتبار انها في مرحلتها المتنقلة  سهلة الحل،حتما  لا تُحل المشاكل  هكذا، والاصح هو غير ذلك تماما، ان القضايا والمشاكل التي تتكرر ليست مفتعلة، بل نابعة من الخلافات القديمة الجديدة المتعددة الاطراف مختلفة الخلفية والتوجه والاستراتيجية والنظرة الى ما يمس العراق وما يجب ان يكون نظامه ومستقبله ورؤى الجهات ونظرتهم للاخر وتاريخه وطبيعته وجغرافيته . لذا نرى التوجهات والافكار متضادة ومتقابلة ومن القوى المتصارعة التي لم تجد عوامل ونقاط مشتركة واحدة فيما بينها، لانها تحمل اجندات وبرامج مختلفة كليا واستراتيبجيات متقاطعة واهداف مختلفة ومعادية لبعضها اصلا ايضا . وهذا واضح عند تصنيف الجهات وما يملكون وما يحمٌلون الاخر بما ليس فيهم من خلال بيان المواقف، وهم جهات ذات افكار ضيقة الافق اما عنصرية سوى كانت قومية او جهوية او دينية او مذهبية، والمستثنى هنا الضعفاء من العلمانيين والليبراليين والديموقراطيين واليساريين الوطنيين ذو الاهداف الانسانية، ومنهم اثٌر عليه الدهر والزمن وينتظر دوره الفعال لبيان تاثيره على الوقائع والعملية باكملها، وهناك من له الصوت الواطيء الان نتيجة المؤثرات الاجتماعية والسياسية المشوهة والمغايرة لما يجب ان يتصف به الواقع الحقيقي .

 

الواضح لحد اليوم، ان النظام السياسي العراقي غير واضح المعالم والمضمون والجوهر والركائز الاساسية التي يستند عليها، والمرحلة التي لم توضح لنا الطريقة الصحيحة لبيان السلطة والمعارضة وواجباتهما وحقوقهما، وهناك عمل مشترك ومشابه بين المكونات فرض نفسه من حيث السلوك السياسي والمواقف والاراء التي تبدو انها غير هادفة ولم تتوضح بعد افقها، وانهم مشابهون في التطبيق والتنفيذ لبرامجمهم ونظمهم الداخلية ومناهجهم المتعددة المختلفة نظريا والمتشابهة تطبيقيا على ارض الواقع، اي انه هذا ما يجعلنا ان نعتقد بان لا تكون هناك رؤيا مختلفة مطبقة ونابعة من فكر وفعل الجهات المتعددة، وكانهم حزب وجهة واحدة ولكن منقسم الى اجزاء ولكل منها قياداتها ومواقعها العديدة المنتشرة في العراق . الغريب في الامر عدم وجود ارادة سياسية لمأسسة الدولة والسياسة في البلاد، ولاسبابها المتعددة المعلومة سوى كانت اجتماعية او ثقافية او اقتصادية او سياسية مصلحية بحتة.

 

ربما نحن نردد يوميا ما تنتجه هذه الخلافات من الافرازات السلبية وهي التي تؤثر على مسيرة الحياة السياسية العامة، وهذه القضايا مرتبطة بشكل مباشر بما تهدفه الجهات، اي الخطورة هي في ما تكمنه هذه الجهات من الاهداف العامة الرئيسية التي لا صلة لها بما يخص الشعب العراقي ومصالحه، اي ان  مكامن الخطورة وما تنتجها وتفرزها الخلافات هو انعدام روح الالتزام بالنظام وما تتطلبه الدولة ويحتاجه العراق بالذات من التحول من الانتماء الاعتماد على الشخصية والكاريزما والعشيرة والقبيلة والتجمع الاجتماعي المصلحي الى الانتماء الى البلد ونظامه وقانونه وايجاد الاحساس بالمواطنة في كيان الفرد والشعب بشكل عام، والعمل وفق احترام القانون وانتزاع الاحاسيس المزروعة تاريخيا في كيان الفرد ادى المكونات المخلتفة وقلع روح الكره والحقد المترسخ في العقل الباطن للعراقي جراء افعال وممارسات الانظمة المتعاقبة وبالاخص الدكتاتورية البعثية وافعالها المشينة، واخراج المواطن العراقي من المساحة التي فرضت عليه، وفرضت الاخلاقية التي انبتت في كيانه من عدم احترام القانون ومحاولته التهرب منه باي ثمن وعلى اعتقاد انه ضده مهما كان لصالحه، وهذا ما يبان في تصرفاته وتفصيلات حياته السياسية الاجتماعية ايضا.

 

من جانب اخر، اننا نتلمس بشكل مباشر العديد من الاستراتيجيات المختلفة النابعة من الخلفيات العديدة وبالوسائل المتشابهة بين الجهات المختلفة، بمعنى اختلاف الاستراتيجيات وتشابه الوسائل المنفذة لها  او بالعكس تماما.

 

ان ما يهمنا هنا ان نقول ما موجود من الاسباب الدائمية التي تؤزم الاوضاع وتبرزها بين حين واخر وبشكل صريح، هو اختلاف الاستراتيجيات سوى نابعة من الذات، اي من العقيدة والفكر والعقلية الذاتية بحرية تامة او مفروضة خارجيا على الجهات، وليس عليهم الا تطبيقها اما بوسائلهم الذاتية والمحدودة المفروضة ايضا او مستوردة هي ايضا لهم من مناشيء الاستراتيجيات، ويكونوا احرارا في اختيار طرقهم ووسائلهم لتطبيق وتنفيذ الاستارتيجيات والمطلوب منهم النتيجة، وما تكون يجب ان تقع لصالح الجهات الخارجية، او في اضعف الايمان استنادهم على التوصيات والنصائح وتحديد طرق العمل بدلا من الاستراتيجيات المطلوبة لكل جهة او كيان سياسي .

 

 هذه الاوضاع وفق ما تقدم من التحليل يدعنا، ان نتيقن من مدى صعوبة الامر والوسائل المطلوبة للتعامل مع الواقع المعلوم وما يُنتج من الاحتكاك مع الاخر، وبه نرى ان اية خطوة في الاتجاه المؤدي للانتقال الى المرحلة الاخرى تصطدم باعتراضات متعددة ومختلفة، وتخلق منها الازمات والمشاكل العويصة. لو كانت المشاكل والخلافات انية او تكتيكية مبنية على خلافات انية ايضا لكانت الحلول اسهل وابسط، الا اننا نعتقد ان تصادم الاستراتيجيات للاطراف المتنفذة هو الخطورة بعينها وذاتها سوى على العملية السياسية او على ما تؤول اليه الاوضاع الاجتماعية الثقافية الاقتصادية العامة وما يخبئه لنا المستقبل لم يستوضح لحد الان بشكل حتى تقريبي .

 

و لذلك على الاطراف العراقية كافة تحليل الوقائع والامور وفق هذه الرؤى لتنظيم المعادلات السياسية المتفاعلة وحسب اختلاف الاستارتيجيات، وباتباع النظام السياسي العام في ظل واقع تحترم فيه الدولة وسيادة القانون وتطبيق بنود الدستور بحذافيرها وبشكل دقيق، وهذا يحتاج الى عقليات متفتحة عصرية تقدمية، وهل نمتلك الكمية المطلوبة في الوقت الحاضر، جوابه عند الشعب العراقي والنخبة بالاخص .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1212 الخميس 29/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم