أقلام حرة

هل تثبت تركيا مصداقية سياستها الجديدة للجميع

بشكل منفتح عليها من الممنوعات في السياسة التركية، وبالاخص من قبل العسكريين التقليديين المسيطرين على زمام الامور العسكرية والسياسية حتى الامس القريب، واعلن اوغلوفي جميع تصريحاته مواقف تركيا الجديدة حول القضايا العامة التي تخص المنطقة وسياسة تركيا الحالية المتغيرة حول الاحداث العديدة على الساحة العالمية والاقليمية بالاخص، ونظرتهم الى الثوابت التركية التي لم يميلو عنها ولو بمسافة صغيرة في تعاملهم مع الاقليم والعالم اجمع، مستندين على المباديء الاساسية العامة لحزب العدالة والتنمية واستراتيجيته الواضحة .  الا ان التخوف الاكبر من سلوك تركيا هو مما ينتج من الصراعات الداخلية ومحاولة كل طرف فرض سلطته ورمي سوطه وبيان سطوته على الاخرين . وما ينم عن التغييرات والليونة البائنة ازاء القضايا الحساسة التي لم تقترب منها تركيا من قبل يمكن اعتبارها انعطافة سياسية ان لم تكن تكتيكا انيا هادفا لتحقيق اهداف ومصالح اكبر ومما تتطلبه المعادلات المتعددة الجوانب فيما يخص علاقاتها الدولية، وهو امر مستبعد تقريبا الا انه من الاحتمالات . ويتمنى الجميع ان لا يكون هذه المستجدات النظرية  البائنة لحد اليوم ذر الرماد في العيون، وخاصة ما تشاهدها الناس من المفاجئات غير السارة خلال او بعد كل خطوة تقدم عليها في السياسة الداخلية كانت ام الخارجية. وتعتبر الزيارة الاولى لوزير خارجية تركية الى اقليم كوردستان سابقة جميلة وخطوة في طريق الصحيح وفي تقبل الوضع والواقع الجديد للمنطقة استنادا على العقلانية في التصرف والتعامل والتفاعل مع المستجدات بعيدا عن الانانية والتشنج والاستعلاء والتعصب الذي سارت عليه تركيا منذ عقود مضت، وعملت ما في وسعها لرفض ما تغير من الاحوال والاوضاع ولم تتمكن من انهاء او تغيير الواقع الذي العمل على رفضه  ليس من قدرتها، لكون الاقليم الكوردستاني يتمتع بخصوصية تامة من جميع النواحي، والعصر لا يقبل استخدام القوة في القضايا مثل هذه او واقع كما فرض نفسه وهو امر يفرض نفسه على الجميع ومنهم تركيا، وان رفضت ولم تتوجه بهذه الخطوات بقناعتها، وكما نعلم لم تنجح الحيل المتكررة ولن تدوم التضليلات، واخيرا لابد لها الرضوخ لما يفيد مصلحتها السياسية الاقتصادية، ولا طريق اخر امامها.

 

 اما على الصعيد الداخلي التركي، فان المرحلة الحالية لنظام الحكم وما تتمتع به الحكومة من الدواعم والمقومات الاساسيىة لتغيير هوية البلاد وجعلها دولة الجميع لم تتوفر من قبل، وتكون دولة ذات خصائص متعددة وسمات متنوعة وان تتمتع جمهورية تركيا الحديثة او الجديدة بالتعددية السياسية والثقافية والقومية وغيرها، لانها تحوي مجتمعا متعدد التركيب والكيان واللون، وهم متوجهون حسب كل المعطيات نحو التغيير وقبول الاخر رغم المعوقاات التي تضعها المتعصبين الشوفينيين امام مسيرة الاصلاح الذي يتبناه الحزب الحاكم، وهم منفتحون نحو الجميع اليوم، وليسوا باتجاه واحد فقط،.

 

 وهكذا نشاهد التحسن في العلاقات التركية في محاور عدة منها مع ارمينيا من جهة والدول العربية وايران واقليم كوردستان من جهة اخرى، وهذا خير لها، وتكون لها معطيات ايجابية على تركيا والمنطقة والعالم اجمع، ناهيك عما يريده الاتحاد الاوربي من تنفيذ الشروط لانضمام تركيا اليه، وهي مجبرة على تنفيذها وليست امامها طريق اخر، والسلام العام مع الجميع يوفر الفرصة السانحة ويفتح الابواب اكثر للتقارب مع اوربا والاتحاد الاوربي بشكل خاص، اضافة الى ما تفرضه المصالح المشتركة بين تركيا والاطراف التي تتحرك نحوها وتحاول تحسين علاقاتها معها بشكل جدي ومن جميع النواحي .

 

اما ماهو المطلوب من تركيا ولمصلحتها ايضا ان تثبت عمليا بان الاستراتيجية الجديدة التي تتبعها نابعة من صميم ايمانها العميق بالمصالحة والسلام والانفتاح، وليست هذه بخطوات سطحية لاهداف اخرى، ولابد لها ان تتمم خطواتها داخليا وتذلل العقبات امامها لتبين للجميع ما هي مصرة عليها وتثبت مصداقيتها، لان السؤال المطروح دائما من جميع الاطراف الخارجية هو، هل يمكن لمن لم يرتب بيته الداخلي ولم يعش في سلام ووئام داخليا مع شعبه يمكنه ان يخطوا خطوة واحدة في هذا الاتجاه مع الاطراف الخارجية، وهذا ما يخفض من مستوى ايمان الاخرين بمصداقيتها في تلك الخطوات الصحيحة التي لا يمكن ان يسيروا عليها بسلاسة، وحتما تواجههم عقبات داخلية من قبل من تضرب مصالحه الذاتية وبالاخص من المتعصبين الشوفينيين والجيش المسيطر على زمام الامرو طوال تلك السنين الماضية . وعلى تركيا ان تعلم ان الخطط المحكمة المستندة على اكثرية الشعب وعمق ايمنانها بالسلام والعمل على توفير العدالة الاجتماعية والمساواة لجميع مكونات شعبها سيكون دافعا وداعما للعملية الديموقراطية الحقيقية والمصالحة واعادة الحقوق لاصحابها، وعندئذ يمكن ان يؤمن العالم بصدقهم وهم من يفرضوا مصداقيتهم على جميع الاطراف بعيدا عن كل الشكوك .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1220 الجمعة 06/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم