أقلام حرة

استقالة الرئيس ليس هو المأزق، واستيداله ليس هو الحل

وعبر المفاوضات والحوار المتواصل، استجابة للدول الصديقة لنا والمحبة للسلام، بان الحل السليم الذي سيوصلنا الى بناء دولتنا الديموقراطية، يجب ان لا يتم عن طريق الكفاح المسلح، بل عبر طريق الحوار والمفاوضات.

السياسة الأمريكية، خدعت الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية التاريخية، عندما اوحت لها بان المفاوضات والحوارات، هو الطريق الأوحد والأمثل للحل، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.

ما يؤسف له، ان القيادة الفلسطينية ممثلة برئيسها السيد محمود عباس، وكافة القيادات التابعة لراس الهرم، خدعت ايضا وصدقت المقولة، وتخلت عن البدائل، على قلتها ومحدوديتها، ولم تكن تحسب حسابا لمثل هذه اللحظة، التي سقط عندها خيار المفاوضات والحوارات، خاصة ان الراعي الامريكي كشر عن انيابه أخيرا وانفضح امره،  وصرح عمليا ولفظيا ومنطقيا، ان تحالفه مع اسرائيل، هو تحالف استراتيجي، ويعلوا على كل الاستحقاقات والالتزامات الأخرى، مهما كانت قدسيتها واهميتها وتمسكنا بها ولو لفظيا، وعليه فهو مع اطروحاتها قلبا وقالبا، واليذهب العرب بما فيهم الفلسطينيون الى جهنم، وبئس المصير، فمصلحتنا تكمن مع اسرائيل، واسرائيل فقط لاغير.

لم يعد يخاف الأمريكان ولا حتى الأوروبيون من انقطاع تدفق النفط او ارتفاع اسعاره، فمجرد التلويح بالهراوة الأمريكية على انظمة الحكم العربية والخليجية خاصة، وعلى راسها النظام السعودي، كفيل بوضع النقاط على الحروف، ووضع القطار على السكة الصحيحة، اذا ما انحرف عنها، وهذه الأنظمة الخليجية، كل همها ان تبيع النفط، وبأي ثمن، وكما قال احد المسؤولين الأمريكان، فان تسويق هذا النفط، هو عبء على العرب الخليجيين، ولولانا نستهلكه، لكان لا سوق لنفطهم يبيعنه فيه، فالعرب الخليجيين، سوف يبوسوا اقدامنا حتى نستهلك نفطهم، ونشتريه منهم بالسعر الذي يتناسب مع قدراتنا، شاؤا ام أبوا ذلك، ولن يستطيعوا استعمال كلمة (لا) في وجوهنا، فهم ليسوا دولا كبرى، ولا يملكون حق النقض (الفيتو) على اي شيء في الدنيا، حتى امام زوجاتهم.

واضح تماما، كيف تخلت الولايات المتحدة عن رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، ولم تقدم له شيئا مكافأة له، على جهوده المخلصة والحثيثة من اجل السلام، وعلى الثقة المطلقة والعميقة والغالية، التي اولاها لسادة القصر الأبيض والأسود، في واشنطن وتل ابيب، وايضا، بعد ان استتب الأمن في عهده في الضفة الغربية ومع اسرائيل خاصة، بحيث لم نعد نسمع صوت طلقة واحدة، لا ضد العدو الحقيقي، ولا ضد اي صديق عدو.

المأزق الأمريكي الآن، انها لن تجد شخصا سلسا ومتفهما وموضوعيا كالأخ الرئيس ابو مازن، الذي سار معهم في طريق السلام والمفاوضات وصدق اطروحاتهم ورؤياهم حتى نهاية المشوار، على قاعدة:(خليك مع العيار حتى باب الدار)، الشروط التي وضعها الأخ الرئيس ابو مازن فيما لو قبلت بها الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، يمكن ان تجعله يقبل لترشيح نفسه مرة أخرى في الأنتخابات القادمة، وهذا بالطبع، من رابع المستحيلات، حتى لو قبلت بها الولايات المتحدة الأمريكية، لأن دولة الاحتلال الأسرائيلي، لن تقبل بأي شرط منها بالطبع، كما هو معهود منها دائما.

هل هناك فلسطيني واحد يمكنه أن يقبل بما رفضه الأخ الرئيس ابو مازن؟؟؟؟ بعد تجربتة الطويلة له مع الولايات المتحدة الأمريكية في المماطلة والوعود الكاذبة والتلويح له، من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة  بعاصمتها القدس الشريف. اذا كانت الادارة الأمريكية والرئيس اوباما بالذات، لم يتمكن من وقف الأستيطان وتجميده في الضفة الغربية فقط، فكيف بالله عليكم سيكون قادرا على اعادة القدس الشريف للفلسطينيين كي تكون لهم، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة؟؟؟؟؟

على الشعب الفلسطيني وقيادته، ان يصحوا من سباتهم العميق واحلام اليقظة، التي تعلقوا بها كثيرا لمدة تزيد عن خمسة عشر عاما عبر المفاوضات والحوار مع سلطات الأحتلال الأسرائيلية وفي ظل الرعاية الأمريكية، على امل تحقيق الانسحاب الأسرائيلي الشامل، واقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران في العام 1967م.

طالما جنود الاحتلال الأسرائيلي في الضفة الغربية، يصولون ويجولون، دون ان تطلق عليهم طلقة واحدة، تخيفهم او تدوشهم وتصم آذانهم، فلن يتراجعوا الى الخلف خطوة واحدة، تمهيدا للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

علينا ان نشعر اسرائيل بكل الطرق والوسائل والآليات، عمليا واعلاميا، ان احتلالها لأراضينا، مكلف لها اقتصاديا وماديا وبشريا، حتى تشعر ان الاحتلال لأراضي الغير، عملية فاشلة ولا جدوى منها اقتصاديا، مما يضطرها للرحيل تلقائيا.

ان استقالة الرئيس محمود عباس وعدم رغبته في الترشح للانتخابات القادمة، يعني فشلا ذريعا لعملية السلام والمفاوضات، التي امتدت الى حوالي خمسة عشر عاما، من اجل تحقيق سلام عادل وشامل، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وقد يعني هذا ايضا، هو انتصار لمنهج المقاومة الفلسطينية والكفاح المسلح ضد الاحتلال، فالاحتلال ثبت عمليا في الكثير من دول العالم كالجزائر وفيتنام  وغيرها من الدول، بأن المقاومة بكافة اشكالها وصورها ومنها الكفاح المسلح، هو الأسلوب الناجع لدحره وازالته من الوجود، ولكن على ان يهيأ لهذا الكفاح المسلح والمقاومة، كافة شروط نجاحها وآليات عملها، والا اعتبرت عمليات انتحار، كما ان المقاومة، يجب ان تستهدف المسلحين وقطعان المستوطنين الصهاينة، وليس الناس  الآمنين  والأطفال والنساء والشيوخ، مهما كانت المبررات لذلك.

الموقف الفلسطيني الحالي، بعد اعلان الرئيس ابو مازن بعدم ترشيح نفسه للانتخابات القادمة، يفضح الموقف الأمريكي المنحاز بالكامل الى الكيان الصهيوني المحتل، لأراضينا وقدسنا، والذي يواصل سياسة الاستيلاء على اراضينا وبناء المستوطنات، يدعم دعاة المقاومة والكفاح المسلح، والرافض لمبدأ الحوار والمفاوضات، مع ان هذا الاتجاه المقاوم، قد وضع السلاح منذ مدة طويلة، ولم نعد نسمع عن عملياته التي كان يتشدق بها، ونسمع عنه الآن، بأنه يدخل بحوارات ومفاوضات سرية مع الجانب الأمريكي وحتى مع الجانب الصهيوني، في اللحظة التي نسمع به الآن، ان المفاوضات والحوارات التي تمسكت بها السلطة والقيادة الفلسطينية، لم تعد تجدي نفعا مع السياسة الأمريكة والصهيونية.

الأشهر القادمة حبلى بالأحداث، ولن يستطيع أحد التنبأ بسير اتجاهاتها اذا ما ظل الموقف الأمريكي منحازا طيلة الفترة القادمة للسياسة العدوانية الصهيونية، والمبنية على القوة والظلم،  وسلب حقوق الآخرين.

على القوى الفلسطينية بكافة تنظيماتها وأطرها السياسية والمسلحة، تدارس الوضع الفلسطيني المترتب على انسحاب الرئيس عباس من خوض غمار الأنتخابات القادمة، ووضع سياسة موحدة للتحرك والمواجهة مع العدو الصهيوني، آخذين بعين الأعتبار، ما تم تحقيقة من مكتسبات على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي، ولا مانع ايضا من استشارة القوى العربية والدولية والصديقة، لاستشراف ما يمكن عمله في مواجهة المرحلة القادمة المعقدة والصعبة، بعد ان ثبت عمليا، سقوط طريق المفاوضات لاسترجاع الحقوق.

ان انسحاب الأخ الرئيس محمود عباس (ابو مازن) من سدة الحكم القادمة، هو اعلان لمرحلة قادمة جديدة من المواجهة مع العدو الصهيوني وحلفائها الحقيقيين، واعلان انتهاء مرحلة قديمة من العمل السياسي الدؤوب، المبني على المفاوضات والحوارات، والتي اثبتت التجربة فشلها الذريع، ولم تحقق اهداف الشعب الفلسطيني في اقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران في العام 1967م بعاصمتها القدس الشريف.

لقد استطاعت السلطة الفلسطينية بجدارة، من بناء اسس الدولة الفلسطينية الأساسية، من بنى تحتية ومؤسسات للسلطة ووزارت الدولة المعهودة، ومن توظيف وتشغيل آلاف المواطنين بوظائف كريمة ومحترمة، اهلتهم بكفاءة من بناء الأسرة الفلسطينية العزيزة والكريمة والصرف عليها، كما استطاعت السلطة بناء آلاف المدارس والمستشفيات وشق الطرق وسن القوانين والتشريعات المناسبة للتعامل مع الواقع الفلسطيني ومشاكله في ظل الاحتلال، كما سمحت بفتح عشرات البنوك في كافة المحافظات من اجل تسهيل مهمة عمل المواطن الفلسطيني ماليا واقتصاديا، كما انها تمكنت من دفع عجلة الاقتصاد الوطني الفلسطيني الى الأمام، سواء في القطاع الزراعي او الصناعي او التجاري وغيرها من القطاعات الأخرى الفلسطينية بشكل او بآخر، كما حافظت على كرامة اسر الشهداء والأسرى والجرحى بتوفير التمويل اللازم لهم من اجل الصرف على عوائلهم وابنائهم، وعملت على تنظيم الكثير من القطاعات الأخرى الهامة.

ان الغاء السلطة الفلسطينية، اذا ما تم، وكما قيل، سيكون كارثة تحل بالشعب الفلسطيني وتعيده الى المربع الأول، صحيح ان الغاؤها سيضع الاحتلال الصهيوني، امام مواقف صعبة، وفوضى عارمة، وسيفرض عليه تحمل مسؤولياته كمحتل، الا انه سيضع الشعب الفلسطيني برمته أيضا، امام ازمات صعبة وحادة جدا، على كافة الصعد، اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وتعليميا وتجاريا، لا تمكنه من الصمود، ان وجود السلطة الفلسطينية حقيقة، هو ما مكن الشعب الفلسطيني من الصمود والصبر، وتحمل الحصار والحواجز  العسكرية الصهيونية، والسؤال الصعب الذي ينتظر الجميع، وينتظر الرئيس المرشح الجديد للانتخابات القادمة اذا ما تمت الموافقة على اجرائها، هو اين يكمن الحل؟؟؟؟؟ وما الذي يمكن عمله لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها المنحازة الى اسرائيل؟؟؟؟؟ لننتظر الأحداث وتسارعها وتداعياتها خلال الأشهر القليلة القادمة، وبهذا يتأكد لنا ان استقالة الرئيس ليس هو المأزق، واستيداله ليس هو الحل كما يعتقد البعض.

انتهى مقال:

استقالة الرئيس ليس هو المأزق، واستيداله ليس هو الحل

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1222 الاحد 08/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم