أقلام حرة

ماطبقت في اليابان والمانيا لا يمكن تكرارها في العراق

 وايطاليا بشكل واخر في العديد من النواحي والمجالات منها السياسية والفكرية ونظام الحكم والتقدم التكنولوجي والصناعي بشكل عام، وتؤكد لنا  حالهم  الان بان الكبوة ربما ستحدث القفزة في اكثر الاحيان. فانهم اخذوا طريقهم الصحيح في تطبيق الديموقراطية وتمكنوا من تجاوز المحن والاوضاع السيئة التي مروا بها خلال الحرب وبعدها مباشرة، ناهيك عما كانوا قبلها من الظروف .

 

اما اليوم فهناك العديد من الدول في العالم يجب ان يحذوا حذو تلك الدول وهم الان في المرحلة الانتقالية نحو الديموقراطية بالاخص، والتي بتطبيقها بشكل حقيقي وجوهري سيؤدي الى حل العديد من القضايا الكبرى الاخرى من تلقاء ذاتها. ان هذه الدول في طريقها الى تجسيد الديموقراطية وبناء الدولة والوصول الى مسار الامم، ولكن العقبات الكبيرة الموجودة والتي لم تنوجد في مناطق اخرى لم تدع الا نسبة قليلة منهم في السير بشكل طبيعي على السكة الصحيحة  ومنهم العراق مابعد سقوط الدكتاتورية.

 

هنا نلاحظ ان قسما من هذه الدول الكثيرة يتبعون السير الملائم للعملية السياسية وسيصلون الى المبتغاة عاجلا ام آجلا،و القسم الاخر يتجهون نحو المجهول ولم تتبين ملامح مستقبلهم او يعودون الى المستوى الذي كانوا فيه من القمع والمركزية القحة للحكم والعودة الى الدكتاتورية بنسب متفاوتة، والقسم الاخر لايزال يدور في حلقة مفرغة وبيئة غير واضحة المعالم وفي حال يمكن تصنيفها بين الديموقراطية والمركزية الديموقراطية، والاخر يعود الى القمع والكبت حسب الظروف الانية التي تدلنا عليه فيما يكون المستقبل وما يكون نظامه.

 

ان كانت الدول التي نجحت في مسيرتها لها خصوصياتها وكانت تتمتع بالعديد من المساند والركائز والمباديء الاساسية لنجاح العملية الديموقراطية فيها، من الظروف الاجتماعية والثقافية والوعي العام والوضع الاقتصادي العام، فان العراق لم يتمتع بتلك المواصفات المطلوبة كاملة لسير العملية بشكل سلس .

 

 انما ادعته امريكا عند مجيئها واسقاطها الدكتاتورية بانها لن تترك العراق الا وهي مطمئنة على انه توازن على السكة الديموقراطية الصحيحة ولم ينقصها شيء ولا يحتاج لمن يتكيء عليه سوى كان التزام الشعب العراقي بالعملية من العمق والايمان بالنظام الجديد، وتمكنت من نشر الثقافة الديموقراطية بين ابناء الشعب. ولكنها تراجعت وتاكدت من الصعوبات الجمة التي تواجهها، وانها غيرت من استراتيجيتها واستبدلت العمل على تطبيق الديموقراطية في الوقت الحاضر الى الاستقرار والامن فقط مهما كان نظام حكمه، ولذلك تعمل الان على توجيه سياساتها الاستراتيجية في فرض النقاط المؤدية الى الجانب الامني فقط وعلى حساب الديموقراطية وما ادعته من الثقافة الديموقراطية العالمية، ومدت يدها لتصافح من اسقطها بالقوة لكي تعيد الامور الى نصابها الامني وان تمكنت ستعيدهم كما تفعل الان والشرط الوحيد لديها هو ان يكونوا الابن البار المطيع لسيدهم منفذين لاوامرها ومساعدين لتحقيق خططها الاستراتيجية في المنطقة لكي يخرجوها من الوحل الذي غطست فيه، ويكون العراق على حال تساعد الاستقرار في المنطقة ويعيش في وئام وسلام مع جيرانه التي تؤمن امريكا وتعمل على ان تبقى على وضع لم يخلخل النظام النفطي العالمي ويمكنها من تامين مصادر الطاقة لها ولسير نظامها الاقتصادي الاهم لديها، وانقاذها ان امكن من الازمة المالية العالمية العاصفة وافرازاتها في المدى البعيد.

 

فان اصر العراقيون جميعهم وعلى اختلاف مشاربهم ومكوناتهم على التجديد واتباع النظام الديموقراطي الحقيقي،  فلابد ان يؤمنوا بمضمون الديموقراطية والمباديء الاساسية لها، ولا يمكن باي شكل من الاشكال ان يُجسٌد هذا النظام بعد وصول متطلباته الى ابناء المجتمع وتحفيزهم على دعمه وتطبيقه في حياتهم الخاصة والعامة، وان يتدلى عميقا الى العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وبالاخص في الاحزاب السياسية المؤمنة بالعقائد الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية. ولابد ان تترسخ الديموقراطية ومبادئها الاساسية  في المؤسسات العامة وتكون معتمدة عليها في الدستور والقوانين العامة وفي الانتخابات بشكل خاص، وهذا ما نشك فيه في العرا ق اليوم وفي تطبيقه عمليا وليس نظريا الذي نسمع يوميا من يتبجح به دون ان يطبقه في مؤسسته وحزبه وتياره وتجمعه، وكما مبين من مسيرة الحياة السياسية العامة. ولهذا تجابه الديموقراطية عوائق وموانع لا حصر لها على ارض الواقع، ويمكن ان تستغل الديموقراطية بذاتها لاهداف اخرى معيقة للديموقراطية بعينها وبجوهرها الحقيقي، ولا يمكن ان تتوافق مع خصوصيات العراق التركيبية والاقتصادية والثقافية والمعرفية، كما نرى من مطالبة البعض بتطبيق المبدا الاكثرية والاقلية في اقرار القوانين، لان البيئة العراقية الاجتماعية والثقافية وترسبات الماضي وتركيبات المجتمع الاثنية والمذهبية والدينية ومدى ايمانهم بالنظام الجديد يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار وليس نقل شكل الديموقراطية ومظهرها فقط دون لب او جوهر او الهدف منها، ولذلك فمن المؤكد بان العراق يحتاج الى توافق في الوقت الحالي وفي ظل الظروف الانية لحين اكمال مقومات ومتطلبات الديموقرايطة الحقة المستندة على الاكثرية والاقلية والسلطة والمعارضة والحرية في القرار والمواطنة في مراحلها النهائية، اضافة الى عدم وجود مجتمع مدني مطلوب ليكون من العوامل الرئيسية الموجودة، لمنع تطاول النظام في اي طرح او قانون في اية جهة  كانت، مع عدم وجود الراي العام والاعلام مجموعات الضغط المؤثرة والمتنفذة سيصعب القول ان الديموقراطية ستُنفذ بمضمونها الحقيقي.

 

و هذا ما يدلنا نحن من واينما كنا الى ان نتوقع وبنسبة كبيرة جدا الى ان حظ تطبيق الديموقراطية بعد سحب القوات الامريكية وهيمنتها الحالية على العراق سيكون اضعف من الوقت الحالي وما يعيشه الشعب من الرهبة والخوف من ردود الافعال الامريكية يمنع العديد من احتمالات الفوضى في اي وقت كانت، ومن الممكن جدا ان تعود الحال لتستقر على ماهي عليه دول المنطقة كافة والمشابهة لحد ما للعراق من كافة النواحي، مع ان العراق الاصعب لان مجتمعه موزائيكي التركيب والشكل.

 

فان كانت هذه هي اهم الصفات العامة والمميزات والخصائص التي يتصف بها الشعب  والتاريخ والديموغرافيا العراقية فلابد من التفكير في كيفية الانحدار في حال مالت الكفة من توازن القوى وفي ظل هذا الواقع من انعدام الثقة والصفاء في نية الاطراف تجاه الاخر، لكي يمكن التعامل مع الواقع والمستجدات والنظام الجديد، وكيف يكون الاصلاح والتغيير.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1230 الاثنين 16/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم