أقلام حرة

من ننتخب؟؟

 وتطبعنا على حياة يقودها إما الاستعمار الأجنبي أو الحكم الفردي الشمولي دورا في حدوث هذه السلبيات التي ساهمت في إفشال مشاريع كثيرة كان من الممكن لها لو نفذت أن تدفع عجلة التطور في البلاد إلى الأمام.

ولأننا مقبلون على تجربة انتخابات جديدة نضجت خلال المرحلة السابقة لها عقول الناخبين والمرشحين بعد معاناة مريرة فمن المفروض أن نوظف النضج والمعاناة معا لتأسيس نظام قادر على تلبية احتياجات العراقي، ولكي لا تتكرر السلبيات وتحدث المعاناة سواء بعرقلة المسيرة الديمقراطية، أو الحجر على تطلعات الجماهير، أو العودة لترسيخ الفئوية والطائفية والمذهبية، وتستمر معها مسيرة الفساد المالي والإداري ووصول المفسدين إلى مراكز القرار. من المفروض بنا جميعا أن نتوخى الدقة والحذر في اختيارنا، وأن ندقق بكل مفردة ترد في مشاريع المرشحين تدقيقا علميا متجردا متحررا من إكراهات الصراع والنزاع، ويجب أن نقف طويلا أمام أسماء المرشحين وننظر لخلفياتهم ومسيرة نضالهم وما قدموه من قبل للعراق، ونزن كل ذلك بميزان الوطنية والحكمة دون أن ننخدع ببريق هذه الأسماء أو بريق مشاريعها التي هي في الغالب حبر على ورق الوعود الزائفة. بمعنى أننا معنيون بالبحث عن صدق المرشح وكفاءته الإدارية والعلمية وعقيدته وإيمانه نزاهته، والأهم حجم ومقدار وطنيته. فإذا نجحت هذه المفردات في الامتحان يكون المرشح أهلا للقبول، أما إذا لم تنجح فمن العار أن نسمح لمثل هؤلاء الفاشلين بالتسلط علينا وقيادة حياتنا إلى المجهول أو المغامرة بها لتحقيق المكاسب الشخصية.

ثم لا ننسى أننا بعد التجربة المريرة التي عانينا خلالها من استشراء ثقافة الكراهية والإبعاد والمقاطعة تأسس في داخلنا ميل طائفي يدفعنا بقوة لانتخاب المرشح الذي نجح من قبل في      مناغمة مخاوفنا الديموغوجية ووظفها  سواء لكسب الأصوات أو نصرة لمعتقده الفئوي على حساب معتقده الوطني. وعلينا كبح جماح هذه الميول وتكبيتها في نفوسنا وتحكيم منطق العقل وتفعيل روح المواطنة والولاء للعراق الواحد.

إن المشاركة في الانتخاب ليست مجرد تأشيرة على ورقة ووضعها في صندوق محكم القفل بما يبدو وكأنه إبراء للذمة بل هو مسئولية جسيمة وفي غاية الخطورة، فأنت عندما تنتخب شخص ما يعني أنك فوضته قيادتك وتدبير شؤونك طواعية وتنازلت له بإرادة ورغبة ووعي عن حقك. والمفروض أن يكون المرشح الذي تنوي انتخابه أهلا لحمل كل ذلك بأمانة وشرف، فإذا ساورك ولو شك يسير في قدرته على تحمل هذه المسئولية فمن الواجب أن لا تنتخبه حتى لو أخضعت لأقسى الظروف.

وأن تنتخب شخص ما يعني أنك اخترته ليحكم بينك وبين الآخر ولذا يجب أن يكون قادرا على التماهي مع كل الارادات وإقناعها لتنضوي تحت جناح شريعة القانون وقانون الشريعة، ولاسيما أن كل فئة منا جاءت خلال الزمن الماضي بقوانين من واقعها تريد إلزام الآخرين بإتباعها والعمل بموجبها والتخلي عن قوانينهم الموروثة وسننهم الماضية، ويعني هذا أننا بحاجة إلى دولة يسود فيها قانون الحياة وليس قانون الغابة، وأن يكون هذا القانون عادلا بين الجميع وممثلا لتطلعات الجميع. ومن يملك من المرشحين ضوابط علمية وأخلاقية تمكنه من التحرك بيسر بين هذا الكم الكبير من القوانين المتعارضة وتضمين الصالح والنافع منها إلى القانون الأول، أعني (الدستور) هو المرشح المؤهل للقبول.

والمرشح الذي يملك رؤية ناضجة لهذه التطلعات التي يراها البعض شرعية، وله قدرة إشراكها مع رؤاه ورؤى السياسيين الآخرين للتوصل إلى فهم جديد لدستور مقبول من الجميع ويمثل الجميع أهل لكي ننتخبه ونرضى به. أما المرشح الذي يسعى للمحافظة على توجهاته الفئوية ويجاهد ليضمنها للدستور فنقول له صراحة: إن قيام أفراد غير منضبطين بتحميل إرادتهم على الآخرين قد ولى وزمن الرموز الفردية الشمولية قد انقضى  ومن يبغي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والرجوع بالعراق إلى زمن الفردية والشمولية لا مكان له بيننا. بل أن أي حزب أو فئة أو طائفة  تسعى لاختزال العراق في حدود تفكيرها أو تغليب مصلحتها على المصلحة الوطنية ومصلحة المجموع إما أن تبدل نهجها البالي أو تنسحب من الحياة العامة وتتقوقع على نفسها .

ولما كنا قد مررنا خلال التجربة الماضية بهزات وضغوط وأكرا هات وتعسف ومضايقات وتقتيل وتفجير وتهجير فمعنى ذلك أننا نعاني من تراكمات وتعقيدات نفسية كثيرة قد تدفعنا في أي لحظة لارتكاب الحماقات أو للإتيان بالأفعال المنافية للوطنية والمضرة بالوطن. والمرشح القادر على ضبط سلوكيات الناس وأخلاقهم وما يتوقع أن يبدر منهم من أفعال مهما اختلفت طوائفهم هو المرشح الناجح والأجدى بتمثيلك وحمل وصيانة حقوقك التي تنازلت له عنها طواعية، وهو الأجدر بأن تعطيه صوتك الذهبي.

بقي أن نقول أننا بكل أطيافنا لدينا رغبات مؤجلة وتطلعات مشروعة ومطالب وحاجات، بل أننا لكثرة تسويف ومماطلة النظم السابقة في الاستجابة لمطالبنا أصبحنا نشكو تزاحما في الرغبات. وهمنا الأكبر اليوم أن ننجح بانتخاب من يقدر على تحريرها وتنفيذها لكي نشعر حقيقة بوطنيتنا وعراقيتنا كما يجب أن تكون لا كما يتمناها الحاكمون.

إن الانتخابات القادمة هي الامتحان الحقيقي لقدرات العراقيين في التمييز بين الحق والباطل، ومن الواجب علينا أن لا نخذل من ينظر لنا  كما ننظر نحن لأنفسنا، ولا يتم ذلك إلا بانتخاب الصالحين وإبعاد المفسدين والشاذين والمنحرفين والعملاء والمصلحيين.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1233 الخميس 19/11/2009)

 

 

 

 

في المثقف اليوم