أقلام حرة

العيارون في الصحافة العراقية

وهو قسم لا يمثل إلا ظاهرة صوتية في عالم الشقاوات، ومن هؤلاء كان هناك شقي اسمه احمد بنية " يلبس آنذاك العرقجين ويرمي اليشماغ بإهمال على كتفه الأيمن ويمشي مسرعا في شارع الرشيد باسما متلفتا ذات اليمين وذات الشمال يسلم على الناس أو الناس تسلم عليه ويسمع عبارات (أستريح أبو شهاب) وكان جوابه (لا والله عندي شغل مهم)"* وهو في الحقيقة لا شغل له مطلقا!. ومن حركات الشقي احمد بنية البهلوانية : سرعة تواجده في محلات وقوع الجرائم داعيا هو من الله أن يتهم !  حتى يذيع صيته، ولكنه لم يتهم فيخيب ظنه وظل يحلم ان يشار له يوما في بغداد انه من الشقاوات، وكان يبالغ في ذكر بطولاته التي ليس لها أي واقع أو أنها وقعت في الحقيقة.

هذه السلوك الذي كان يتمتع به الشقي احمد بنية أعيد إحياءه اليوم وسط بعض الصحفيين، لان لا وجود للأشقياء من القسم الشهم اليوم وبنفس الطريقة الكلاسيكية القديمة، نعم قد يكون هناك وجود لأشقياء جدد من قسم الأنذال يتعاملون مع الآخرين بأدوات دنيئة مثل المفخخات والكواتم وهذا لا يمت بصلة لمراجل شقاوات أيام زمان!، والطريف ان طريقة احمد بنية في الاتجاه العياري أصبحت تتفاقم  في وسط مجموعة من الصحفيين لأنها لا تكلف عناءً حقيقيا وهي تمثل مراجل فارغة، فهذه المجوعة الصحفية الطفيلية تبحث عن أي مشكلة تقع على صحفي لتبرز هي من خلالها، وخصوصا إذا كانت هذه المشاكل تمثل رواسب ثقافية للعراقيين مثل تراتبية التسلط التي يجيدها العراقيون بأغلب فئاتهم، والتي تقوم على إيذاء الأدنى مرتبة من قبل الأعلى مرتبة في التسلط، فما يقوم به شرطي الحماية أو الجندي أو رجل المرور من إيذاء اتجاه بعض الصحفيين هي ظاهرة تسلطية يؤديها حتى الصحفي في مواقع عمله لكن بطرق مختلفة فإذا كان الشرطي يضرب الصحفي، فالصحفي يهين صاحبه الصحفي ويدلس عليه من اجل إسقاطه والأمر سيان في نظري، فضرب الشرطي، ونفاق الصحفي على صاحبه هما وجهان لعملة واحدة وتمثل سلوكية سيئ يتميز به أصحاب أي سلطة بالعراق.

ان  تسارع جماعة العيارين الوهميين في عالم الصحافة من صحفيي اليوم ومن صحفيي الحقبة الماضية لمسرح حدث وقع فيه حيف على صحفي من قبل شرطي حماية أو تهديد من قبل برلماني أو سياسي: صارخين إننا مهددون لكننا لن نحيد عن نصرة الحق ضد الباطل كما  كنا في ما مضى!، وحقيقة الذي مضى أن جل الأفواه التي تزعق اليوم بالحقوق والبطولات كانت تلهج بذكر القائد وبطولاته، وكانت خائفة وبائسة من صبي اسمه عدي كان يهين اكبر شارب من هذه الشوارب التي يتربع  كثير منها على إدارة إمبراطوريات إعلامية اليوم تمثل إرادات دول إقليمية  في العراق،  فهذه اللعبة التي يمارسها هؤلاء الصحفيون الفاشلون لا تصنع حرية، ولا ترفع من شأن الصحافة  العراقية، بل هي من وجهة نظري لعبة قذرة وراءها مجموعات لا ترغب في ان تتراكم الحريات الصحفية والشعبوية داخل العراق لأنها ستضر كثيرا من لا يرغبون بان تكون هناك حرية صحافية في المنطقة، وخصوصا المحيط الإقليمي الذي يدفع بالغالي والنفيس من اجل ان  يدعي شذاذ الأفاق من العراقيين ان العراق لخير فيه مطلقا، وهؤلاء الشذاذ موجودون في كل مكان وزمان، والعراق لا يخرج عن هذا الإطار، ويبقى هناك صحفيون عراقيون في كل زمان ومكان أيضا لم ولن يقعوا في براثن هذا  الدور الدنيء الذي يمارسه بعض الصحفيين والذي ساهم في إيذاء العراقيين.

أن فئة العاريين في الصحافة العراقية (مدعية البطولات) كانت غير بائنة أصلا في الأزمان التي كانت تحتاج لصحفيين شجعان، وعندما كان عدي والأميون يقودون الصحافة العراقية، بل جل هؤلاء العيارين في حقيقته كان يحلم ويتمنى ان يضحك عدي يوما في وجه، اذن لا بد ان يسكت مدعو البطولات كما كان يسكت الشقي الوهمي احمد بنية عندما كان يرى الأمور دخلت في الجد والتصديق، فبطولاتكم أيها الصحفيون العيارون ليس لها وجود في عالم الحقيقة، وهذا ما تؤكدوه الوثائق والدلائل الحية التي لم يمر عليها حفنة بسيطة من السنين، وعليه  توجهوا بتدريب أنفسكم على المهنية وطوروا قدراتكم في الوصول إلى المعلومة، واشتغلوا على إجادة صياغة التقارير الخبرية بمهنية عالية، واسعوا لتحقيقات صحفية قادرة ان  تهز الإعلام وتشكل لكم مجدا حقيقيا، وأنصحكم ان تتركوا القفز البهلواني لان هذا القفز لا يتحمله عالم الصحافة الرصين فهذا القفز يتحمله السرك، والرديء من السرك فقط .

واحدة من هذه البهلوانيات التي قرأتها قبل ايام: عنوان يقول "صحفي عراقي يشنق نفسه في باريس امام الطالباني احتجاجا على حرية التعبير"  ثأرا للحرية الصحفية التي ضيعت بالعراق اليوم! والعنوان ناقص ومغلوط فكيف بصحفي يحتج على حرية التعبير فهو لا بد ان يحتج على (التضييق على حرية التعبير) ويشير العنوان أيضا ان الصحفي البهلوان – والذي يماثل صاحبنا الشقي احمد بنية – قد أوقع الشنق فعلا وحقيقة على نفسه، لكن المضحك في الأمر ان البهلوان الصحفي كان مستمتعا بوضع الحبل فقط في رقبته، متغافلا التدليس الذي سطره داخل العنوان،مع ملاحظة ان خلفية الصورة تشير ان الواقفين والحضور لم يعيروه  اهتماما، والصورة تشير بشكل واضح لهذا الأمر (يعني لا احد ركض عليه أو تلاحقه في اللحظات الأخيرة لإنقاذه!)  كما كان بعض جلاس مقاهي بغداد في ما مضى يتلاحقون احمد بنية إذا أراد أن يوقع نفسه في أمر غير محسوم العواقب، ويبقى لله في خلقه شؤون، وانا لله وانا اليه راجعون .

*عباس بغدادي( بغداد في العشرينات )

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1234 الجمعة 20/11/2009)

 

في المثقف اليوم