أقلام حرة

يوم الراية الوطنية

 وهم لا يعتبرونها جمادا بل روحا نابضة خفاقة ورمزا مقدسا ولذا يخاطبوها ويتحدثون معها وكأنها تسمع كلامهم وتفهم مقصدهم. ألم يقل شاعرنا: (عش هكذا بعلو أيها العلم ........ فإننا بك بعد الله نعتصم).

هذا التقديس النادر الوجود تولد لكونها  نجحت تاريخياً في جمعنا وتوحيدنا، ونحن ننسى تحت افيائها الوارفة هوياتنا الفردية وجزيئاتها الفئوية والعقائدية وننصهر لنصبح كتلة واحدة بلا تمايز أو تشخيص .

 وقد استمرت نظرة العراقيين المقدسة لمكانتها على الدوام فكانت نظرة السني لها عين نظرة الشيعي لأنها تملك في قلبيهما نفس الاحترام والتقدير . وتحت ظلالها قاتلوا الغزاة الطامعين وكل أعدائهم التاريخيين متحدين. ولازال أجدادنا الأحياء يذكرون وقائع ثورة العشرين حيث كانت اكف أبطال العراق من السنة والشيعة تحملها بقدسية وتقدمها أمام زحفها لصد الغزاة الإنكليز.

وإذا كانت أمريكا التي تحتل عراقنا اليوم لم تعرف الراية الوطنية إلا في القرن السادس عشر إبان الحرب الأهلية، وغدت عندهم كما يقول هنتنغتن في كتابه (من نحن) للنجوم والخطوط مكانة ايقونية دينية ورمزا مركزيا لهوية الأمريكيين القومية.  فنحن ولا فخر أول من اخترعها وأستظل بقدسيتها .

 وان كان إيماننا بها قد اهتز في السنوات الأربعين الماضية بسبب ما ارتكب باسمها من جرائم وجرائر فان ذلك لا يلقي اللوم عليها، ولابد أن تأتي الساعة التي نصحوا فيها من سباتنا ونندم على ما فرطنا تجاهها  لأنها راية العراق الواحد الموحد، ولن تنجح مزايدات من يريد المزايدة على وجودها . أما لماذا لا نعمل سوية على إذكاء الروح الوطنية الوثابة التي تحترم قدسيتها فذلك هو السر الغريب ؟ ولماذا يعمل البعض على حيازتها لنفسه وحرمان الآخرين منها وهم يملكون فيها نفس الاستحقاق فذلك أغرب ؟ ولماذا يرفض البعض رفعها في رقعته الجغرافية التي هي جزء لا يتجزأ من العراق فتلك جريمة لا تغتفر ؟

وعليه أرى إن الدعوة لتغييرها سواء كانت بسبب المجازر التي ارتكبت باسمها في الانتفاضة، والمقابر الجماعية للشيعة المغدورين، والأنفال،واضطهاد السنة، أو بسبب رمزيتها التي تتعارض مع رمزية المتغير الحالي، لا تبدو دعوة وطنية خالصة،ولا عراقية أصلية، ولها مساس سيء الأثر بعقائد العراقيين، وتشجع على تمزيق الأمة، واحتقار هويتها، وإلغاء واحد من أهم مشتركات الهوية الجمعية تتمنى الدول أن تملك ما يضاهيه أو يقاربه. بل أرى من العار علينا أن نقدم، أو نوافق، على ذلك لأي سبب كان.

 ومن المؤلم أن نمتنع عن رفعها فوق كل شبر من أرضنا . ولابد أن ثمة خطأ جسيم يحدث عندما يمتنع عراقي يحترم عراقته وعراقيته عن رفعها في قلبه أولا، وفي سماء كل بلاده ثانيا . واجدنا اليوم بعد أن اهتزت قيم المواطنة والهوية القومية في نفوس بعضنا بحاجة ماسة لرفعها فوق سطوح بيوتنا، ومحلات عملنا، وعلى صدورنا، وفوق وسائل تنقلنا، وفي صفوفنا الدراسية ومجالسنا الدينية وجوامعنا وحسينياتنا وكنائسنا، وكل مكان آخر نلتقي فيه. لنؤكد بشرف واعتزاز أنها عنوان هويتنا التي لن نتنازل عنها مهما ادلهمت الخطوب .                                                                                              كانت الراية تاريخيا تحمل من قبل الأبطال في سوح الوغى، وإذا قطعت أيديهم يمسكون صاريتها بأسنانهم لكي لا تسقط على الأرض فيسقط معها شرف البطولة والأمة .فهل يستسيغ البطل العراقي المعاصر مهانة تركها تجابه مصيرا اسودا في حرب غير متكافئة ضد المحتل، والإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة وأبطال الفساد المالي والإداري، أم سيبادر كما بادر أجداده من قبل ويرفعها بإباء وكبرياء،عسى أن ترنوا القلوب لرفيفها .وتتحد تحت افياء قدسيتها .ألهويات الفرعية لدعم الهوية الوطنية قبل أن يقتلها الاحتلال، ويشضيها الإرهاب، ويمزقها السياسيون المصلحيون ؟.

وهي مناسبة لندعوا المسؤولين والسياسيين وكل الوطنيين للعمل على تخصيص يوم معين من أيام السنة ليكون (يوم الراية الوطنية) يرفع فيه العلم العراقي خفاقا وبشكل مكثف في كل شبر وتقام الاحتفالات بالمناسبة. على أن لا يكون هذا اليوم المقترح في 9 نيسان.

 

 

 

 

في المثقف اليوم