أقلام حرة

السيد مقتدى الصدر والبروز حيث يكمن الخطر

لم تكن المرة الأولى التي يطلّ فيها السيد مقتدى الصدر على الجماهير العراقية معلناً حُرمة الدم العراقي ومؤكدا على المفاهيم التصالحية وتحقيق التوازن في المجتمع العراقي ونبذ الطائفية والإرهاب، بمعنى ان الأهمية لا تنحصر في طبيعة الخطاب الاصلاحي الذي ألقاه السيد الصدر وصدقية التبنّي للمفردات الانسانية والوطنية التي انطوى عليها مثل هذا الخطاب، بل تكمن أهميته في التوقيت الاستثنائي والمرحلة الملتهبة التي تمر بها المنطقة والتي تُنذر في انهيار تام للنظام الاجتماعي والنسيج الوطني في العراق، إذا ما تُرك الحبل على الغارب، وأنيط الحديث عن الحلول بمن هم في الأصل سببا في نشوء الأزمة.

ليس بخافٍ على الجميع وقوف القوى الارهابية التي تلتحف عباءة الاسلام، والموسومة ببصمات المخابرات الاقليمية والدولية، وراء ما يتعرّض له الشيعة في المنطقة بشكل عام والعراق على وجه الخصوص من قتل عشوائي واستهداف متتال للمساجد والحسينيات، لكن وللأسف كانت بعض مناطق العراق قد شهدت هي الأخرى، على إثر، ذلك ردود أفعال غير محسوبة تجاه المكوّن العراقي السُنّي في الوسط والجنوب العراقي، أسفر عنها موجات من التهجير لبعض افراد القبائل المحسوبة على هذا المكوّن، في حركة مشبوهة المقاصد ذي طابع ثأري تهدف بالنتيجة الى تسريع دورة العنف والعنف المضاد داخل المجتمع العراقي.

ومما يثير الغرابة أن الكتل السياسية المتطلعة الى الغنائم والأسلاب، كانت قد أعدّت مؤتمراً يتناول الحدث ويضع المعالجات على غرار الوصفة القائلة (وداوني بالتي كانت هي الداء)!.

فأن القناعة السائدة اليوم في المجتمع العراقي تؤكد بأن وجود رواد الطائفية السياسية على رأس السلطة في العراق كان قد أسهم في تعميق الحس الطائفي داخل المجتمع العراقي، وبما يجعل من المؤتمرات التي تعقد من قبلهم تجريدا للمفاهيم من مضامينها وتعميقا للأزمة، وخاصة الاجتماع الوطني الذي تم يوم الخميس 19/9/ 2013 للتوقيع على ما سمي "ميثاق شرف" من قبل الأطراف السياسية التي ما فتأ الشعب العراقي النظر لأغلبها بعين الشك أي: تلك القوى التي اجتمعت للتوقيع على الميثاق، خاصة وأنها القوى المعنية أصلا بتحقيق ما تم دعوة الآخرين من قبلهم اليه، ومع ذلك لم يتحقق شيئا من هذا القبيل رغم وجودهم الطويل في السلطة واحتكارهم للمناصب ذات الطبيعة الأمنية التي من المفترض لها ان تلعب دورا اساسيا في تحقيق السلم الأهلي على أرض الواقع في مختلف مناطق العراق.

الأمر الذي يُعد فيه، حصر آليات المعالجة في نطاق السياسيين أنفسهم وعلى غرار ما سمي "ميثاق الشرف" ضربا من الغزل السياسي خلف عدسات الكاميرا يهدف لتكرار سيناريو تعويم الحلول الذي دأبت عليه تلك القوى للفترات الماضية، والذي تراكمت على إثره الأزمات بشكل باتت معه الحلول بوجودهم مستعصية وبعيدة المنال.

لهذه الأسباب وأسباب أخرى، تبرز الحاجة للخطاب الذي توجه به السيد مقتدى الصدر اليوم السبت 21/9/2013 للجماهير العراقية خاصة والمسلمين عامة والمتضمن دعوة علماء الشيعة والسنة (علماء الأزهر)، ومنظمة المؤتمر الاسلامي لإطفاء نار الفتنة. وهو بروز حيث يكمن الخطر تجسّد أيضا في تأكيده على أن مظلومية الشيعة ومع عِظَم وقعها في النفوس وعليها، ألا أنها لا تبرر التبادل العشوائي للأدوار من قبل بعضنا (المحسوب على الشيعة) مع البعض الإرهابي الآخر، فالمُثل العليا فوق القوة وإن دعت القدرة على ذلك، والعقاب الجماعي على الهوية لن ينال إلاّ الأبرياء من الناس ولن يخدم بالنتيجة سوى المشاريع الاستعمارية التي تعتاش على الفوضى الضاربة بأطنابها في المنطقة، ولن يؤدي أيضا، إلاّ الى إطالة بقاء أباطرة الطائفية السياسية في مراتع السلطة.

في المثقف اليوم