أقلام حرة

صباح الخير ...أيتها العدالة

ولكننا لمسنا تراجعا" كبير ا" لأهم هذه الخطوط الحمراء (السلطة الرابعة) متمثلة" بالانتهاكات الخطيرة التي تطال الصحفيين والمؤسسات الإعلامية من قبل اصطحاب القرار والسلطة حتى وصل مد التعسف والإجحاف الى  دوائر كان بجدر بها إن تكون ام العدل والإنصاف واقصد بها دوائر القضاء، فقد كانت واقعة الحكم بالسجن على رئيس تحرير احد الصحف في السليمانية - تثير القلق والخشية على حرية الكلمة،  ليس لأنها سابقة، بل لظروف وملابسات الحكم الذي كان فيه القاضي خصما" وجلادا".

أثارت هذه الحادثة الهواجس الدفينة في نفسي حين كنت شاهدا" على فصل مرير من فصول التعسف واستغلال السلطة - في زمن يتباهى اولي الامر بتسميته بعصر التحرر والانعتاق - حين وضع القدر السيئ احد معارفي أمام محقق عدلي مبتدئ أوكلت إليه مهمة التحقيق في قضية  طرفاها عبد من عباد الله وشيطان من شياطين السلطة،  فكانت بادئة الموقعة تصريحات تبعث على الحيرة وتعكّر المزاج،من ذلك المحقق المبتدئ  بعد ان أعمى عينيه جنون العظمة، وبدا متأثرا" بالضغوط الإدارية  خاضعا" للسجالات العقيمة، وحين طلبت ان تتم معالجة الأمور بشفافية بعيدا عن المواقع المختلفة للخصمين، أرعبه الحديث عن الشفافية فتملكه الغضب وأعلنها مدويّة: لا شفافية في القضاء، وان كل شيء يجب ان يظلTOP SECRET  ممتدحا" الإجراءات القمعية السابقة التي كانت تطبّق في زمن القائد الضروروة، اجراءات البطش والعين الحمراء - على حد تعبيره -  (تلك  الإجراءات  كانت تطبق على المساكين والضعفاء من عباد الله، اما عبّاد القائد الضرورة، فلا غبار عليهم وان فعلوا اشد الموبقات وارتكبوا أقسى الآثام) ويبدو ان صاحبنا الذي ظل يتحفنا بنظرياته الجديدة وعنترياته التي لا تعرف صغيرا" ولا كبيرا فأزبد وأرعد وتطاير الشرر من عينيه  وهو يردد عادّا" نفسه من قادة التاريخ: (انا الدولة والدولة انا)، نسي او تناسى  ان البليد فقط لايتعظ بالتجارب التي سبقته ... ولايلتفت الى الوراء ويظن ان السلطة غنيمة سقطت عليه من السماء.

تذكرت حينها بكل مرارة،  الطعم الغائب لتلك الأهزوجة التي كنّا نرددها  في سنوات تطويع الأحرف الأولى من أعمارنا : يا رب انصر قاضينا ....الحاكم بالعدل فينا، والتي يبدو ان  شمسها قد افلت فلا قضاء ولاعدل لدى صاحبنا الذي لايفقه من السلطة القضائية سوى جزئها الأول فبدأ بالتهديد والوعيد مشفوعا" بالويل والثبور مما جعلني اشعر على الفور كم جائرة هي السلطة  وكم مظلومة هي العدالة لانها وللأسف تغتال في أجواء من النفاق والكراهية والمحسوبية والمنسوبية وأجواء أخرى من المؤامرات والمضاربات والمكابرات، فصار الباطل حقا" والحق باطلا"  وبودلت مواقع الضحية والجلاد.

يشتمني..... ويدّعي إن سكوتي معلن عن ضعفه!

يلطمني..... ويدّعي إن فمي قام بلطم كفّه!

يطعنني..... ويدّعي إن دمي لوّث حد سيفه!

فأخرج القانون من متحفه

وامسح الغبار عن جبينه

اطلب بعض عطفه

لكنه يهرب نحو قاتلي وينحني في صفّه!

يقول حبري ودمي: لا تندهش

من يملك القانون في أوطاننا

هو الذي يملك حق عزفه!!!!!!( *)

كنت اعتقد – بعد ان علمت  بأنها القضية البكر التي يحقق فيها - ان هذه القضية، لما تحمله من خصوصية، هي امتحان صعب ينقل هذا المحقق الحديث العهد بالتعيين وبالمنصب - من الجانب النظري الى الجانب العملي لان  النظرية تبقى صحراء جدبة، اما الواقع العملي فهو الواحة الخلابة في ارض التجارب الحياتية والإدارية. لكن اغلب الظّن، ولان الظّن اغلبه حسم، و اخشى ما كنت ماخشاه  ان يكون صاحبنا قد سار في فلك بطانة ضالّة ومضللة كبطانة هارون الرشيد، فبات ينصاع لإرادة  ورغبات من يمسك بالعصا فاخذ يتصرف على هواه وراح يحقق ويستبق الامور ويطلق أحكاما" ما انزل الله بها من سلطان، ويوزع الاتهامات  متجاوزا" صلاحياته التي حددها القانون والتي تنص بالحرف الواحد على كونه محققا" ومحققا" فقط ليس له حق التصويت حتى. ثم بدأ بكلامه السقيم الذي  كان يحمل في طيّاته ابتزازا" مفضوحا"،  مشيرا" ناصحا" إيّاي بضرورة إقناع صاحب البلوى  بتسوية الأمر وفق الطريقة التي يراها هو - والتي تصب طبعا" في مصلحة احد أولياء نعمته -  والاّ فان العاقبة لا تحمد. أشحت بوجهي عنه ولم أجد حينها ابلغ من الابيات الشعرية التالية جوابا:

كم على السيف مشيت

كم بجمر الظلم والجور اكتويت

كم تحملت من القهر.....وكم من ثقل البلوى حويت

غير أني ما انحنيت!!!! (*)

تذكرت موقف صديقي الذي ما انحنى وما لان أمام سيل الترغيب والترهيب وظل صامدا مطالبا" بحقه حتى انتزعه من بين براثن خصمه، تذكرت ذلك الموقف وإنا أرى قوافل الأقلام الشريفة التي مازالت تنزف حبرا ومعاناة وتقف طودا شامخا وعلما" ناصعا" مرفرفا" في سماء الصحافة الحرة الشريفة.  فوالله لن ينحني أبدا" من يدرك إن أعظم الجهاد كلمة حق في وجه (مسؤول فاسد).  فهيهات إن تنحني كلمة الحق  في أي زمان  في أي مكان، وهيهات إن تنحني قامة سندها الحق وسلاحها الإيمان بعدالة القضية التي تدافع من اجلها مهما تجبر المتجبرون ومهما تفنن أصحاب العقول الخاوية في سن القوانين التي تحد من حرية الصحافة  أو أفرطوا في الغلو في قمع الكلمة الحرة الشريفة .

 

صقر الحيدري

[email protected]

 

...............

(*) المقاطع الشعرية للشاعر الكبير احمد مطر

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1238 الخميس 26/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم