أقلام حرة

اربيل عاصمة العراق

watheq aljabiriإختيار العواصم يتم على أساس أهميتها في صنع تاريخ الدولة، يختار لها مركز الثقل السياسي ولا يمانع أن تكون عواصم أخرى اقتصادية وسياحية وثقافية ودينية، وتاريخ المدن وحده يمثل ثروة وطنية بما لها من إمتداد تاريخي يرتبط بخصائصها الراسخة في ذاكرة ابناء البلد بديمومتها وتناقلها بين الاجيال، ورسم معالم المدينة وعمرانها وتروجها من خلال البضائع الهدايا، لتكون مورد اقتصادي ونشر ثقافة البلد، العواصم عادة توضع فيها معظم الأمكانيات وتعبر عن التقدم والرقي. العراق وتاريخه الطويل إحتضن العلماء والأدباء ومختلف الثقافات، من تاريخ حضارة وادي الرافدين وبلاد سومر وميشان والوركاء والحدباء وبابل وقلعة اربيل في العصور الأشورية، وبعد الاسلام البصرة وذي قار والكوفة وبغداد.

العاصمة بغداد منذ 1250عام لم تعد اليوم مدينة تلتهم العلم والأدب، تقرأ ما يكتب في الدنيا، مدينة للصراعات السياسية والطائفية ومركز القرار السياسي المتخبط، ولم تعد تشع على باقي المدن لكونها فاقدة للحياة تحت لهيب الإنفجارات شوارعها مغلقة وعقولها مهاجرة والتصحر يأكلها، تهالك عمرانها وغزتها (الجنابر) والبيوت العشوائية، وأزمة السكن والأكتظاظ جعل من بيوتها تقسم الى عشرات الأقسام بما لا يليق بالسكن المناسب، ضاعت معالم التخطيط وتكالبت المعامل والمصانع والأسواق والمؤوسسات الحكومية قرب المركز والخدمات المفقودة في الأطراف، التقدم الهائل لكردستان وإستقراره الأمني والأقتصادي والسياسي جعل من اربيل متنفس لجميع العراقيين، وعلى مشارفها تجد عشرات الألاف يدخلون تحتضنهم مدينة لا يتجاوز سكانها المليون، مدينة امنة في العراق المحترق بالإنفجارات، ترتبت بتخطيط مدروس يوزع الخدمات بنظامية، الفرق كبير بين اربيل وبغداد، وأكبر كلما تتجه للجنوب وصولاً للبصرة الغنية بالنفط وسكانها ثلاثة اضعاف وما يقارب مجموع كل سكان الأقليم، تحد ثلاثة دول وثلاثة محافظات واسعة لكن أراضها إحتلتها أبار النفط ومعامل الحديد والمواد الكمياوية، لا يجني منها البصريون الاً الأمراض السرطانية والتجاوز على أرضهم حرمهم الزراعة والسكن ليشكل ما يقارب 50% منهم في العشوائيات، معظمهم عاطلين لكونهم يعملون في الزراعة والمعامل المتوقفة وألأهوار المجففة والنخيل المنقرض من 3.5 مليون الى 1.250 مليون، لا توجد معاهد للتأهيل الى الحرف والعمل في معامل النفط للبصريين، وتجعلها تبحث عن عمال من مدن اخرى. حينما تدخل اربيل تجد معظم العاملين في الأسواق والمطاعم من ابناء الجنوب.

 الأسواق عالمياً مقياس التطور وتوصف بها الدولة، الأكثر تخلف المتخلفة (الجنبر)، المتخلفة (المحل)، المتطورة (سوبر ماركت)، والمتقدمة (المول)، أربيل بإتجاه التحول الى المول ونمو شركات الإستثمار والمعارض الدولية، ومن الجرم ان تكون البصرة البقرة الحلوب التي تعطي 80% من ورادت العراق بلا مشاريع للأستثمار والنهوض بواقعها الحضاري وتاريخها القديم، وبغداد تصبح مدينة أشباح لا يعلو صوت فوق الإنفجارات اليومية. من يتجول في كردستان يشعر بالمرارة لواقع المدن الأخرى وكم الميزانيات التي تنفق لها دون أيّ تقدم، يعرف ان التقدم في جميع النواحي يبتعد عن المشاكل الإجتماعية والسياسية ، وحينما تتجول في اربيل ترى العراق يجتمع بطوائفه من مختلف الأجناس والقوميات، يجمعهم الإنتماء للوطن، وجميع مكاتب الإستثمار والشركات والباحثين عن الحياة، وتشعر إنها لم تقتصر كونها عاصمة كردستان بل عاصمة بدل بغداد، وعاصمة سياحية، وتتمنى ان تكون البصرة عاصمة إقتصادية بموادها وموقعها الستراتيجي، وتقول متى تعود الحياة لبغداد كي تكون خيمة تحتضن كل العراقيين!!.

 

واثق الجابري

 

في المثقف اليوم