أقلام حرة

المولدات .. القابلوات المأذونات!

latif shafiqالفرح صفة مشبهة تدل على الثبوت من الفعل فرح- يفرح فهو فرحان أي مسرور وفرح يرد أحيانا أسم علم مؤنث.

المسرة تطلق على التلفون أي الهاتف ومسرة من الفعل سر وهو مسروروهي أيضا أسم علم مؤنث يدل على البهجة. ومن كثرة ما أصاب الأنسان العراقي من مصائب أصبح لسان حاله يردد (من عرف الدنيا لم يفرح بزخارفها ويحزن لمآسيها) وقد تعارف على تعريف المتعة وهي كلمة مرادفة لكلمة اللذة ( Hedonism ) وورد ذكرها بالأنجيل يحذر بولس الرسول في ثيموثاوس في أنه في الأيام الأخيرة سيكون الناس خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله ومثلما نحن فيه هذه الأيام فلم يعد إنكار الذات فضيلة بل نجد من يرفضون إنكار ذواتهم.

وقدتساءل الأقدمون عن بلواهم وهم كثرة وخاصة الشعراء منهم فقال بدوي الجبل:

ياسامر الحي هل تعنيك شكوانا   رق الحديد وما راقوا لبلوانا

وفال ابو الحسن الحصري القيرواني وما ينطبق على حالنا اليوم :

ياليل الصب متى غده    أقيام الساعة موعده ؟

وقال أبي الفتح الأسكندري وهوينشد بين يدي عيسى بن هشام:

بؤسا لهذا الزمان من زمن   كل تصاريف أمره عجب

والناس إذا ضاق بهم الأمر لجأوا الى القول المتداول (الصبر مفتاح الفرج)

ولكثرة ما تأخر هذا الفرج أستبدلت كلمة الفرج بالفرح فعسى أن تصبروا لتنفتح من بعده باب الفرح.

كان الفرح في أيامنا بتناول اليد ولايتعد الحصول عليه سوى بضعة فلوس ومن ذلك مثلا الذهاب الى السينما لمشاهدة فلمين بآن واحد بعشرين فلسا وشراء راسين خس أو خمسة (دعابل) بعانه أي أربعة فلوس والركوب بديلاب الهوه الخشبي في العيد للتحليق في أرجاء سموات الطفل وبارتفاع لايتعد ثلاثة أمتار بأثنين أو ثلاثة (كليجات) وزفة العرسان والطهور توفر لنا كمية من المسقول وأصابع العروس والملبس وهي أنواع من الشكرات

أما عيدية العيد فمجموعها لايتجاوز العشرين فلسا من الأب والأم والأقارب والجيران كل تلك الأمور وغيرها كانت تمنحنا فرحة وسعادة تنتقل بدورها الى كل من في البيت ومن المحزن أننا قد أصبنا بالآحباط والكآبة عندما تعلمنا قراءة الشعر وما جاء ببيت المتنبي القائل:

    عيد بأية حال عدت ياعيد  فيما مضى أم لأمر فيك تجديد؟

ولكي لا أنس بهجة ركوب السيارة والقطار خاصة وبالدرجة الثالثة طبعا وكما كان زعيم الهند المهاتما غاندي يستقلها وحين سأل مرة لماذا تركب بالدرجة الثالثة أجاب : لأنه لاتوجد درجة رابعة!

أنني أتساءل هل أن مثل ذاك الفرح سيدخل قلوب أطفال العراق المساكين والفقراء واليتامى وحتى الرجال من الشباب والشيوخ والنساء الأرامل المتسربلات بالسواد طول عمرهن بسبب النكبات والأهوال اليومية ؟ وهل بقي لديهم فسحة من العمر كي يفرحوا خلالها والشر ينشر أطنابه في كل ساعة ويوم !

سأذكر جانبا واحدا من هذا الذي سلب الأفراح من قلوب العراقيين وهي ما يتعلق بعنوان المقالة وهي مسألة الكهرباء وما جرته من مآسي وأحزان

وسأنقل لكم صورة منها ومن تجربتي الشخصية وهي أيضا من تجارب جميع العراقيين الذين عاشوا هذا الكدر المضني .

هذه التجربة أو سمها الممارسة تخص الكهرباء الوطنية والمولدة الأهلية ومولدة البيت!!

لقد أتقن كل واحد منا ماروثون الركض على مدار اليوم بأكمله أي 24 ساعة بليله ونهاره وكالتالي

(جتي الوطنية) أي جاءت- أركض بالعجل حول ( الجينج ) أي الفاصل على الوطنية ومنه أخذت عبارة ( فاصل ونعود ) وخلال دقائق تهرب الوطنية وتختفي خوفا من الأغتيال بعبوة ناسفة تكسر سيقانها أي ابراجها

أركض حول على مولدة الشارع وصاحبها يأبى أن يشغلها لأنه يتوقع مجيء الوطنية بالطبل والمزمار وبعد مرور وقت مستقطع من الحصة تصل الى نصف ساعة وتتجاوزها أحيانا لا تطل الوطنية بطلعتها البهية تبدأ مولدة الشارع بالهدير الذي يوقظ الموتى قيل النائمين إلا أن هذا الأمر لايستمر فالوطنية عادت لتأكد بأن الجماهير تعتز بها فهي تذكرهم بالوطنية وأيامها البهية حتى لو أساءت لهم وبالفعل فكثيرا ما سلكت هذا السلوك وسكتت عن التشغيل المتاح عندها يجب الهرولة والاسراع لتبديل الفاصل على موقع مولدة البيت لأن حصة الوطنية ومولدة الأ هل والخلان قد انتهت .وعندها تبدأ مهمة تشغيل مولدة البيت ويجب عليك خلالها أن تكون منتبها فقد تجيء الوطنية بغفلة منك وانت نائم على حس معزوفة مولدتك في الليل وقد تسبب هذه المداهمة الليلية للوطنية لمولدتك أنفجارها الذي يرعب الجيران فيضنون أن عبوة ناسفة قد أنفجرت وانفجار العبوات الناسفة أصبح أ مرا مألوفا وبلا حساب . إن هذه المهمة وتعبها ليس ببلاش فعليك أن تدفع أكثر من نصف أو جميع راتبك التقاعدي من أجل عيون الوطنية وصاحب المولدة الأهلية ومولدة البيت الفقيرة التي توفر خمسة أمبيرات وكالتالي:

120 الف دينار سعر عشرة أمبيرات من المولدة الأهلية و100 الف دينار سعر خمسة أمبيرات من مولدة البيت عن سعر ثلاثة ألاف دينار يوميا ثمن خمسة التار من البنزين وملحقاته وعشرة آلاف دينار أكراما لعين الوطنية هذه المصاريف تدفع لو مرت الأمور بسلام ولم تقم مجاميع ( الهكر ) القراصنة بسرقة ( الوايرات ) عند الفجر وعندما يكون الناس نياما وهذا يكلف مبلغ 25 الف دينار ثمن وايرات و25 الف ثانية للشخص الذي لديه خبرة ربط الواير الجديد بالمولدة وهذا الآمر يحتاج الى التوسل بذلك الشخص أو أيجاد شخص قريب له يتوسط عنده لأن عدد كبير من الناس قد سرقت وايراتهم ولايمكنك إنجاز المهمة من قبلك لأن الشبكة العنكبوتية من الوايرات تحول دون معرفتك للواير وصدق من قال أدفع مليون دينار للشخص الذي يعرف وايره! إن عبارة الشبكة العنكبوتية قداستحدث في العراق متزامنة مع تاريخ تشغيل المولدات الأهلية وقبل أن يعرفوا أنها تطلق على الأنترنيت وعلى منظومة العم ( كوكل)

وهناك عمل أضافي لمهمة مارثون تغير (الجينج) وهي الأنتفال من الثلاجة الى المبردة صيفا والى الدفاية شتاء وحسب أوامر الوطنية والمولدة الأهلية وكما هو معمول به في الأنظمة الأشتراكية وهو من كل حسب قدرته لكل حسب حاجته وإذا سولت لك نفسك وأهملت الأنصياع للجينج وقانون الحاجة فسوف يحدث ما لايحمد عقباه وتعلن جميع الأجهزة الأضراب عن العمل والأعتصام داخل البيت. 

  أسألكم بالله هل هناك شعب في أرجاء المعمورة مربمثل هذه التجربة القاسية وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن ألا يمكننا أن نعتبر صبره قد تعدى صبر أيوب (ع) ؟

اليوم وكعادتي وأنا في الغربة بعيدا عن الوطن بآلاف الكيلومترات أتابع أخباره يوميا وما أن يأتي موعد الأخبار في التلفزيون حتى أترك كل شيء بيدي ومنها الكتابة على (اللابتوب) أو ملعقة الطعام لأتحول لاستماع أخبار الوطن ولاتمر تلك الأخبار بدون كدر وألم فكلمة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والأنتحاريين بأحزمة ناسفة والأغتيالات بالكواتم يوميا تنسينا أخبار الكهرباء وقهرها لآن التفجيرات تعني موت أطفال وشباب في عمر الورد ونساء ورجال وخاصة الفقراء والآمنين منهم ولاتستثني أحدا من كل الطوائف والأجناس  . أن هذه العبوات اللعينة قد أقضت مضجعي دوما حتى أنني سألت زوجتي مرة هل تعرف تاريخ استخدام العبوة الناسفة القاتلة لأول مرة ؟ ثم ما لبثت أن وجدت الجواب عند المستر (الفريد نوبل) فكلت له الشتائم بالرغم من قيامه بالتكفير عن ذنبه المتمثل باكتشاف البارود وخصص جائزة باسمه تمنح سنويا لأعمال الخير والسلام..

لقد سمعت من ضمن تلك الأخبار المتعلقة بالوطن في نشرة اليوم وهي ثلاثة أخبار أدخلت السرور لقلبي وأهم من ذلك هو أن تدخلها لقلوب العراقيين المحروميين أيضا وهذه الأخبار وأتمنى أن تكون صحيحة وأن يستمر حالها

وهي:-

1- عودة الروح (ولا أقصد عنوان رواية لتوفيق الحكيم) بل الى تيار الوطنية وممارسة نشاطها التشغيلي لمدة 24 ساعة يوميا في بغداد وبقية المحافظات ! إن حضور الوطنية بهذا الشكل المفاجيء أثار استغرابي وأكيد أستغراب العراقيين فهل تم ذلك بمعجزة أم بقدرة قادر إن العراقيين ولكثرة ما أصابهم من أحباط من الوطنية الجديدة ولكثرة تمردها لمدة تزيد عن عقد من الزمن بالرغم من أغرائها بمليارات الدولارات لكي تعود الى أهلها لم ينفع ذلك الأمر معها فبقيت زعلانة منهم وأخيرا عادت وطنية بالطبل والمزما ر أيضا وعلى أهلها أن يحافظوا عليها وأبقائها في خدرها ولايتركوها تخرج من عتبة الدار لأن المتربصين بها كثر فأما أن يختطفوها أو يغتالوها بوضع عبوة ناسفة بين سيقانها العديدة المنتشرة في أرجاء الوطن وخاصة في المناطق الساخنة التي تكره وطنية وأسمها المثير.

2- الآمر المفرح الثاني هو مهرجان (أنا أقرأ أنا عراقي) والذي أقيم على حدائق أبي نؤاس ظم العديد من العراقيين ومن كل الآجناس وهو ما يبعث على التفاؤل بأن العراق لا زال مولد الثقافة والحضارة.

3- ولأمر الثالث فهو مرتبط بالأمر الثاني ومتعلق بالعلم والثقافة والأنفتاح على العالم الخارجي بأرسال آلاف الطلبة للدراسة في جامعات ومعاهد الدول المتقدمة في هذا المجال كأميركا وبريطانيا واستراليا وبالتأكيد أن هذه الخطوة ستدفع عجلة الرقي الى أمام لكي ينهض الشباب من غفوتهم الطويلة وتخبطهم في مستنقع التخلف والترهات.

أعود لقيمة عودة وطنية بثوبها الجديد المتمثل باربعة وعشرين ساعة عطاء وتنوير وكيفية التخلص من المولدات الأهلية العديدة والتي تاريخها يرجع الى الحرب العالمية الثانية أضافة الى ما تنفثه من سموم سوداء وضجيج مهلك للأعصاب وإن ما تضخه من دخان أسود يوميا يؤشر بأن غالبية العراقيين الذين تحملوا تبعات هذا الحل لتوفير الطاقة الكهربائية سيصابون بمرض سرطان الرئة وندعوا الله أن يجنبهم هذا الشر. لقد قدم أصحاب المولدات الأهلية خدمات لابأس بها ولم يتقصدوا إيذاء الناس ولكن الحاجة دفعتهم ليروا المر ويتجنبوا الأمر منه فلو صح أمر الوطنية ومشت بفالها فهنا يتوجب على الحكومة كيفية معالجة هذه الآثار ومخلفات عهود الضيم والعذاب لأن أصحابها قد تعودوا الأرتزاق منها وبأيجاد الحل الناجع سيشارك أصحاب المولدات تلك جميع الناس أفراحهم بعودة وطنية النظيفة وخدماتها الجليلة وإلا فسيأخذ بعضهم الغضب فيصبونه برأس وطنية وتذهب الى تيتي مثل ما جيتي رجعتي

إننا أصبحنا نخاف أن نفرح ونكبت فرحتنا في قلوبنا لأن مأساتنا أصبحت أعظم وأكبر من أن تجعل الفرحة مستديمة في نفوسنا وقد تكون جرعة من قدح المتفائل كفيلة بأن تطرد جزء من التشاؤم وعلى قول الأمام الشافعي:

ولاتزال الناس إلا تحملا      نبا بك دهر أو جفاك خليل

إن ضاق رزق اليوم فاصبر الى غد  عسى نكبات الدهر عنك تزول  

وقول آخر:

عرم الزمان على الذين شهدتهم   بك قاطنين وللزمان عرام

معاني:

نبا- ضاق بك الدهر

عرم – قسى والعرام القسوة

 

                لطفي شفيق سعيد

              بوسطن 29 ايلول 2013

 

في المثقف اليوم