أقلام حرة

نحن والآخر والاهتمام المتبادل

ويتطور ويهجم ويدافع وينمو. ولمعرفة كل هذه الأمور بات من الضروري أيضا إنشاء وحدات علمية وبحثية تأخذ على عاتقها تيسير الوصول لهذه المعلومات وتحليلها وجعلها صالحة للتداول وفي متناول يد الباحثين والمختصين والسياسيين، لأن العمل الاعتباطي الارتجالي أثبت فشله في هذا الميدان.

وقد انتبه (الآخر) لهذه الجنبة المهمة وسعى بجد لوضعها في أوليات اهتماماته  ورصد لها مبالغ طائلة من الميزانية العامة والإعمار والأمن الوطني والتعليم وكل المؤسسات ذات العلاقة لكي تساهم كل مؤسسة ضمن تخصصها بإنجاز الجانب الموكول لها سواء بالطرق النمطية الروتينية أو بطرق جديدة مستنبطة وحتى بطرق قد تكون غير أخلاقية بنظر الجانب الآخر مثل العمل ألمخابراتي والتجسسي .

ولم يقتصر الأمر على البلدان التي تربطنا بها مصالح مهما كان نوعها  بل تجاوزه ليحضى باهتمام دول يبدو تعاملنا البيني معها في أقل المستويات والمحدودية مثل سويسرا البلد الصغير المسالم المستقر الذي لم يفكر في غزونا مثلما فكر الآخرون ولم يضمر الحقد لنا كما هي بعض الدول القريبة والبعيدة وحتى تجارتنا معها محدودة بسبب الموقع الجغرافي البعيد وارتفاع أسعار منتجاتها مقارنة مع منتجات الأسواق التي نستورد منها احتياجاتنا والتي هي أقل كفاءة بكثير من منتجات هذا البلد المنظم. وباستثناء رؤوس الأموال العربية الكبيرة التي أودعها بعض البتروليين العرب أفرادا وحكومات وأحزاب في حسابات سرية تشتهر بها سويسرا، واستيراد بعض الأدوية والمستلزمات تنعدم أو تكاد أغلب الروابط الأخرى. ولكنها مع هذه الندرة أولت لنا ولبلداننا وثقافتنا ولغتنا أهمية بالغة سواء رغبة منها في تنمية الفكر العالمي، أو للتجارة والكسب والسياحة والأمور المادية الأخرى، أو لحماية بلدها ومواطنيها من شرور بعض المحسوبين علينا وعلى ديننا. وقد أنشأت لهذا الغرض معاهد وأقساما جامعية ومراكز منها على سبيل المثال:

معهد الدراسات الشرقية لجامعة بازل :  الذي تأسس  عام 1919 على يد (فريدريك شولتهيس) بعد أن نجح في إنشاء حلقات دراسية للغات السامية في (كونيغسبرغ) و(ستراسبورغ) أما الخريجون فيعملون في الإعلام  والهيئة الدولية للصليب الأحمر، التي لها فروع منتشرة في سويسرا وفي مناطق مختلفة من العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى المسارات التقليدية في السلم الأكاديمي أو في الدوائر الحكومية المعنية بالتعامل مع العالمين العربي والإسلامي، مثل وزارة الخارجية والأقسام المهتمة بشؤون طالبي اللجوء. علاوة على مجال عمل آخر يتمثل في المكتبات التي تضم مؤلفات من التراث الإسلامي أو في المتاحف الكبرى.

 ويقول البروفسور غريغور شولر مدير المعهد: من الطبيعي أن تلقي الأحداث المتتالية في الشرق الأوسط بظلالها على الرأي العام في سويسرا وأوروبا، مما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات في مجالات مختلفة. ويقوم خبراء المعهد بتوضيح الملابسات التي تختلط على السلطات في التعامل مع ملفات دقيقة مثل انتشار الأصولية الإسلامية. 

معهد الاستشراق في جامعة زيوريخ : منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي كانت تلقى المحاضرات المهتمة بالدراسات الإسلامية بشكل منتظم، خارج الإطار الأكاديمي. ولما زاد الإقبال والاهتمام بها أسس المعهد منذ منتصف الستينيات وتم انتداب

أعد المعهد برنامجا دراسيا متكاملا يتواصل لمدة 5 سنوات يتلقى خلاله الطلاب محاضرات عن العالم الإسلامي وفي أصول الدين وعلوم القرآن والحديث والتفسير، والتاريخ الإسلامي، والفلسفة والفكر الإسلاميين، ومفهوم القانون والشريعة في الدين الإسلامي.

ويقول البروفيسور (اولريش رودلف) مدير المعهد:  إن الدراسة لا تقتصر فقط على الجانب الأكاديمي المتعلق بالعصور القديمة، بل تتجاوزه إلى الحاضر ومشكلاته. ويقوم المعهد بالتنسيق مع معهد الجغرافيا في نفس الجامعة لتقديم محاضرات حول أوضاع العالم العربي اليوم.وتجري الاستعداد الآن لإدخال برنامج تعلم اللغة العربية ضمن المقرر.

قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة جنيف : هناك أقسام للغة العربية في كل من جنيف وبرن وبازل وزيوريخ. ويعد قسم اللغة العربية التابع لكلية الآداب بجامعة جنيف، المركز الوحيد في المناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية المتخصص في تدريس اللغة العربية على المستوى الجامعي، يعود تاريخ تأسيس أول قسم للغة العربية في جامعة جنيف إلى عام 1964

ويقول الأستاذ (شارل جينكان) : مع إن قسم اللغة العربية ليس قسما لتدريس العلوم السياسية، إلا أنه يحاول مسايرة الأحداث السياسية مع انفتاح أكثر على حضارة تعود لأكثر من أربعة عشر قرنا". والمتخرجين من القسم  أو غالبيتهم يجدون طريقهم إلى مصالح فدرالية مثل وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية.

مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط CERMAM بجنيف: تأسس عام 2000 استجابة لحاجة أكاديمية وإعلامية في سويسرا، ولمتابعة تطورات المنطقة العربية والإسلامية. ونشأت فكرة تأسيسه في أعقاب تنظيم "مركز الدراسات الأوروبية" بجامعة جنيف بالاشتراك مع وزارة الخارجية السويسرية لندوة في عام 1996 حول موضوع "أوروبا ودول المتوسط في مرحلة ما بعد برشلونة"، في إشارة إلى مبادرة الشراكة الأوروبية المتوسطية التي أطلقتها بروكسل في عام 1995. ويهدف المركز إلى مساعدة طلبة الجامعات السويسرية والأوساط الإعلامية والمنظمات غير الحكومية على متابعة التطورات الجارية في الوطن العربي. وقد بدأ المركز في إنجاز مشروع يهدف إلى إعادة تأهيل عدد من الجامعيين العراقيين، خاصة الذين أتموا دراساتهم الجامعية في البلدان الغربية. وأسس وحدة بحثية جديدة أطلق عليها إسم "المرصد العراقي" تتمثل مهمتها في إنجاز دراسات عن واقع العراق السياسي والاقتصادي والثقافي تُـنشر في صيغة "تقرير استراتيجي من إنتاج عراقيين 100%

مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا  أسست عام 2002 بالتعاون بين جامعتي (فريبورغ) و(جنيف) وتسعى لتوفير قاعدة بيانات حول الإسلام والمسلمين في سويسرا على المستوى الأكاديمي والاجتماعي والإعلامي، وعلى مستوى السلطات السياسية والاقتصادية والمنظمات غير الحكومية. وقد  كلفت المجموعة عام 2004 من قبل اللجنة الفدرالية للأجانب بإنجاز مشروع حول هوية المسلمين في سويسرا البالغ عددهم 310 ألف مسلم

وإضافة لهذه المؤسسات هناك أيضا مجموعة مؤسسات أخرى مثل: الجمعية السويسرية للشرق الأوسط والثقافات الإسلامية برن / معهد الترجمة التحريرية والفورية بجامعة جنيف / الشهادة العليا لدراسات العالم العربي والعالم الإسلامي المعاصرين بجامعة لوزان / معهد علوم الأجناس البشرية في جامعة نوشاتيل / الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي.

فإذا كان النشاطات البحثية عن العالم العربي والإسلامي بشكل عام والعراقي بشكل خاص على هذه الدرجة والتطور والتنوع في سويسرا، فكم هي المؤسسات الموجودة في البلدان التي لها مساس مباشر بنا سواء كانت تحتل أرضنا أو تناصبنا العداء أو تتعامل معنا في مجالات الاقتصاد والسياحة؟ وهل فكر أي مسئول عربي أو عراقي بتأسيس منظمة حتى ولو كانت تافهة وبسيطة تأخذ على عاتقها دراسة  شؤون بلد مجاور لنا على سبيل المثال؟ وإلى متى نبقى معتمدين على العمل الاعتباطي الساذج المتأخر في إنجاز قضايانا الوطنية والقومية والدينية؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1239 الجمعة 27/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم