أقلام حرة

إسرائيل عند نشوب الحرب

hyam muhiadinبعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة لتقصي الحقائق ومعرفة أسباب فشل الجيش الإسرائيلي وهزيمته برئاسة القاضي أجرانات والتي صور تقريرها بعنوان "التقصير" وما نشر من هذا التقرير يبدأ بإثبات إهمال أجهزة المخابرات الإسرائيلية لمعلومات هامة تلقتها وسقوطها في خديعة موعد نشوب القتال الذي حدده الجيش الإسرائيلي ومخابراته بناء على معلومات من مصدر موثوق به في مصر في الساعة السادسة من مساء السبت 6 أكتوبر 1973 مما أخر إعلان حالة التعبئة العامة في إسرائيل ولم يصل الاحتياطي إلى حصون خط بارليف إلا مساء الأحد 7 أكتوبر حيث كان الأمر قد انتهى وسقطت معظم نقاط خط بارليف القوية في يد القوات المصرية.

ففي حوالي الساعة الثانية والنصف ظهر السادس من أكتوبر انطلقت صفارات الإنذار في تل أبيب وعرف الشعب الإسرائيلي عن يقين أن الحرب قد نشبت وأذيع أول بيان للمتحدث العسكري في الثالثة يقول: ابتداء من الساعة 1400 = 2 مساء تهاجم القوات المصرية والسورية سيناء وهضبة الجولان في الجو والبر وبعد سلسلة من الغارات الجوية على مواقعنا ومعسكراتنا بدأت القوات المترجلة في هجوم بري وقد عبرت القوات المصرية قناة السويس في عدة أماكن وبدأت القوات السورية هجوم مدرعات ومشاة على طول الخط في هضبة الجولان وتعمل قوات الجيش الإسرائيلي ضد المهاجمين وتجري في المنطقتين معارك في الجو والبر، وقد كان الإسرائيليون شعباً وحكومة وجيشاً واثقين حتى هذه اللحظة أنهم سيحققون نصراً كاسحا على العرب في خلال يومين أو ثلاثة كما فعلوا في حروبهم السابقة خاصة حرب 1967 وفي الساعة الرابعة عقد موشي ديان مؤتمراً صحفياً صرح فيه بأن اكتمال وصول قوات الاحتياط مساء اليوم التالي سوف ينهي الحرب لصالحهم خلال يومين أو ثلاثة ولم يدرك ديان أن قواته في خط بارليف تعاني عجزاً في المدفعية والهاونات التي كان معظمها بعيداً في وسط سيناء مما صعب من مهمة القوات الإسرائيلية الأمامية التي وجدت نفسها أمام طوفان هائل من المشاة المصريين الذين كانوا يستخدمون تكتيكاً بارعاً مبتكراً فقد حاصرت قلة منهم الحصون وأسكتتها بينما اندفع الباقون بين الثغرات الفاصلة بينها إلى داخل سيناء لإنشاء رؤوس الكباري وتحديد مناطقها المبدئية، وقد كان هذا الإهمال لسلاح المدفعية ناتجاً عن الغرور الإسرائيلي الذي اعتمد بصورة كلية على الطيران والمدرعات ؛ فلم يكد عبور القوات المصرية للقناة يبدأ حتى أصدر الجنرال مندلر أوامره لمدرعاته بالاندفاع في اتجاه القناة بسرعة فائقة واثقاً أن دباباته سوف تكنس المشاة المصريين، ولكن المفاجأة أذهلتهم حين صمد المشاة أمام الدبابات وهاجموها من مسافات قصيرة بقذائف آر. بي. جي 7 ومن مسافات أطول هاجموا الدبابات بصواريخ مالوتكا التي لا تزيد وحدتها المقاتلة عن جنديين فقط ولم تستطع الدبابات الإسرائيلية التعامل بنجاح مع هذا التكتيك نتيجة النقص في عدد المدافع والهاونات، وفشل التعامل بالرشاشات مع الجنود المصريين نتيجة لبراعتهم في الاحتماء من طلقاتها خلف الكثبان الرملية وفي حفر فردية وزوجية سريعة الإنشاء علاوة على اصطياد الدبابات من مسافات بعيدة عن مدى رشاشاتها بصواريخ مولتكا، فلقيت المدرعات الإسرائلية هزيمة ساحقة وغير متوقعة ولحقت بها خسائر فادحة.

أما سلاح الجو الإسرائيلي الذي اعتبره قادة إسرائيل ذراعهم الطويلة فقد تم تحجيمه ومنعه ليس من الهجوم على قوات العبور فقط ولكن من الاستطلاع الجوي قبل الحرب أيضاً من خلال حائط الصواريخ الشهير فقد أسقط هذا الحائط عشرات الطائرات الإسرائيلية عام 1970 وأسقط سنة 1971 أغلى طائرة استطلاع الكتروني إسرائيلية من طراز " استراتوكروزو " في سيناء وقتل جميع ركابها وكانوا نخبة من العلماء والمتخصصين في الحرب الإلكترونية مما كان له رد فعل عنيف في إسرائيل، ولم تعلن مصر أو إسرائيل وقتها عن هذه الحادثة. وعند نشوب الحرب أصدر الجنرال ( باني بيليد ) أوامره إلى طائراته في الثانية والنصف ظهر السادس من أكتوبر بمحاولة منع المصريين من عبور القناة بأي ثمن، ولكن هذه الطائرات في الثانية والنصف ظهر السادس من أكتوبر بمحاولة منع المصريين من عبور القناة بأي ثمن، ولكن هذه الطائرات التي كانت محملة بالصواريخ استعداد للقيام بضربة إجهاض ضد التحضيرات الهجومية في مصر وسوريا اعتمادا على أن الحرب ستنشب في السادسة مساء اضطرت إلى إلقاء ذخيرتها في البحر لكي يمكنها القيام بالمهمة الاعتراضية الجديدة، وكانت المهمة صعبة، فقد تداخل الجنود المصريون بين المواقع الإسرائيلية وأصبح من الصعب التمييز بين الفريقين، ورغم تجنب الطائرات الإسرائيلية خلال 200 طلعة التعامل مع حائط الصواريخ وحصر غاراتها على فرق العبور الخمس شرق القناة فقط أسقطت الدفاعات المصرية ست طائرات منها خلال ساعة واحدة ولم تستطع الغارات الجوية الإسرائيلية تدمير أي معبر من المعابر رغم تركيزه الشديد على ذلك حيث استخدم سلاح الدفاع الجوي المصري إلى جانب حائط الصواريخ سام 2، سام 3، سام 6 على الضفة الغربية للقناة صواريخ الكتف سام 7 " ستريلا " والمدافع المضادة من عيار 23مم ثنائية المواسير ورباعية المواسير " شيلكا " مما أرغم الطائرات الإسرائيلية على الانسحاب شرقاً بعدما منيت بخسائر فادحة وفشلت في منع العبور أو تدمير الجسور، وفي الخامسة مساء نفس اليوم أصدر " بيليد " أمره إلى طيارية بتحاشي الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن 15 كم شرقاً والتقطت أجهزة التنصت المصرية الأمر. وتمت إقامة المعابر وعبور الدبابات المصرية إلى الشرق في الساعات الخمس التالية حيث تم عبورها في العاشرة مساء.

لقد أردت بهذا الطواف السريع بأحداث اليوم الأول للحرب من خلال رؤية العدو الإسرائيلي وبياناته العسكرية ومؤتمراته الصحفية واعترافه بأوجه القصور والتقصير الناتجة عن غروره واعتماده على تجارب الحروب السابقة وإغفاله للقدرة اللمصرية والذكاء العسكري استراتيجياً وتكتيكياً للعقل المصري فاستهان بهذه القدرات فلقى أكبر هزيمة عرفها منذ إنشاء دولته، وعلينا ألا نسقط في فخ الاستهانة بالعدو أو الرفع غير المنطقي لقوته وقدراته، وأن نتعامل في كل معاركنا السياسية والعسكرية بموضوعية وجدية واستعداد لكي نحقق لمصر النصر الكامل ونستعيد أمجادها الخالدة كما فعلنا في أكتوبر 1973م رمضان 1393هـ.

 

هيام محي الدين

في المثقف اليوم