أقلام حرة

حينما تجب الصلاة بالبطاقة الممغنطة

خروجا على الخط العلماني للدولة. ولبس الحجاب لا يتماشى مع قيم الفرنسيين، لكن معركة الوزير التونسي لا تستند إلى أي مبرر قانوني أو أخلاقي أو سياسي، فالبلد مسلم الهوية، وفيه حركات إسلامية متطرفة، وهناك الكثير من (التوانسة) الذين انضموا للحركات الإرهابية وجاء بعضهم إلى العراق وفجر نفسه وسط جموع الأبرياء المسلمين في مدن الوسط والجنوب، ومسئوليه وسياسيه يحضرون المؤتمرات الإسلامية بصفتهم مسلمون. وإذا كان الفرنسيون قد تعاملوا مع المحجبات بشيء من الموضوعية والالتزام والاحترام الشخصي ونفذوا قانونهم بدون تطاول أو تهديد، فإن الشرطة التونسية في البلد الإسلامي تستدعي المحجبات وتأمرهن بنزع الحجاب وتستدعي أولياء أمورهن وتأخذ منهم تعهدا خطيا يلزمهم بإجبار بناتهم ونسائهم على نزع الحجاب ومن ترفض يتم استدعائها لمركز الشرطة ثانية وتخير بين الاغتصاب ونزع الحجاب بخطوة فيها الكثير من الامتهان والإذلال والتحقير ومصادرة حق الحرية الشخصية واحترام العقائد والمعتقدات الدينية.

 وقد قوبلت هذه الخطوة الشاذة في العالم الغربي بالرضا والسكوت فلم تصدر أي صيحة احتجاج أو إدانة ولو لطريقة تنفيذ القرار المجحفة كما هو ديدنهم في الحالات التي يتوقعون أن فيها خروجا على مباديء حقوق الإنسان والحرية الشخصية.

 ولذلك تمادى السيد الوزير ليدخل هذه المرة  حربا جديدة ضد الصلاة عمود الدين الإسلامي  التي (إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها) حيث أصدر قانونا يلزم المصلين الذين يرغبون بأداء صلاتهم في المساجد بالحصول على بطاقة أمنية ممغنطة تجيز لهم دخول المساجد. وقد عقد الوزير مؤتمرا صحفيا أعلن فيه قرار ترشيد الصلاة بموجب بطاقة ممغنطة تحوي اسم المسجد الذي يؤدي فيه المصلي صلاته والذي من شروطه أنه يجب أن يكون قريبا من مكان سكنه أو مقر عمله تحديدا. إضافة إلى اسمه وصورته ومحل سكناه وعنوانه الوظيفي واسم دائرته التي يعمل فيها. هذا بالنسبة للصلاة اليومية أما صلاة الجمعة فيحق للمصلي اختيار مسجد محدد يؤدي به الصلاة بموجب بطاقة أخرى خاصة بصلاة الجمعة فقط لا يهم قربه أو بعده عن مسكنه.

 وألزم الوزير أئمة المساجد بالتدقيق في البطاقات بأنفسهم قبل إقامة الصلاة ومن لا يملك بطاقة أو ليس من المشتركين في مسجده فعليه طرده فورا وإذا خالف ولم يطع أوامر الإمام تتدخل قوات الأمن لاعتقاله بسبب مخالفته للقانون، أما في حال رغبة المصلي بترك الصلاة ـ وهو ما بدأ يحدث فعلا وبشكل كبير كردة فعل على هذا الإجراء التعسفي ـ فعليه إعادة البطاقة إلى جهة الإصدار.

وقد توسعت ساحة هذه الحرب غير العادلة لتشمل الزوار والسياح على كثرتهم ، حيث بات من الضروري عليهم الحصول على بطاقة صلاة في المنافذ الحدودية تسمح لهم بدخول المساجد للصلاة وعليهم إعادتها إلى الشرطة قبل مغادرتهم البلاد.

أما دور قوات الأمن بالمراقبة والمتابعة والرصد والتحقق من عدد مرات وفود بعض الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة إلى المساجد فيتم عن طريق أجهزة مغناطيسية تخضع لسلطتهم سيتم نصبها في كل مساجد تونس، وسواء كان المصلي مواطنا تونسيا أو زائرا عليه أولا إدخال البطاقة الخاصة به في الجهاز المغناطيسي عند الدخول وعند الخروج أيضا لتحديد دخوله وخروجه من المسجد ومدة مكثه فيه.

ولما كانت تونس من البلدان السياحية التي يؤمها الزوار من كافة دول العالم ومن الدول الغربية والدول الخليجية بشكل خاص لما تتمتع به من جمال طبيعي ووفرة في دور الدعارة والنوادي الليلية وأماكن اللهو البريء وغير البريء، هل فكر السيد الوزير بعمل بطاقة لدخول هؤلاء إلى هذه الأماكن، أم أن هذا الصنف من الناس مأمون الجانب وتقييده بمثل هذه البطاقة السخيفة يحدث عنه ردة فعل يرفض معها القدوم مجددا إلى بلد يقيد حريته ويحدد تحركاته الليلية والنهارية، فتخسر البلاد مبالغ طائلة هي بحاجة ماسة لها، بينما توفر عملية منع المصلين من التكاثر (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) سمعة حسنة  لتونس قد تؤهلها مستقبلا للدخول إلى الاتحاد الأوربي من أوسع أبوابه حيث تضيف إلى رصيده نقاط فائدة عند التزكية ليحسب من ضمن الدول المتقدمة التي ترفل بعز العولمة.

 ولذا أعتقد أن الدول التي تبحث عن تبييض وجهها سعيا وراء الدخول إلى الاتحاد الأوربي سوف تسارع لتطبيق فكرة الوزير التونسي وسوف تجني الفوائد بأسرع مما تعتقد. فينال صاحب براءة الاختراع مديحا وثناء وينال معه وزر سنته ووزر من عمل بها  (ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)

ومن جانب آخر أذكر أن كل من تحرش بالدين أو حاول تقييده أو الحد من حركته فشل وفشلت مساعيه على مر التاريخ، وأتوقع لهذا الحراك الجديد أن يفشل أيضا مثل كل سابقاته

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1242 الاثنين 30/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم