أقلام حرة

شرق أوسط خال من السلاح النووي والشيعة

هذا الوضع بالتحالفات التي استهدفت الإيرانيين بعد انتصار ثورتهم عام 1979. ولكن تحالفات اليوم تبدو اكثر خطورة وأكبر عدة وعدداً؛ لأن المستهدف لم يعد مجرد نظام سياسي أو مد فكري أو تأير آيديولوجي؛ بل الانسان الشيعي ومقدراته.

هذا التحالف الذي يقوم على ثلاث ركائز أساسية: الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الاسرائيلي والمملكة السعودية، ومعها ركائز ثانوية؛ يستهدف ثلاث ركائز أساسية مقابلة: إيران وشيعة العراق وشيعة لبنان، فضلاً عن ركائز ثانوية؛ ولا سيما شيعة البحرين وشيعة اليمن. والمفارقة هنا هي ان التحالف الامريكي - الاسرائيلي - السعودي لا يواجه تحالفاً مقابلاً؛ لأن هذا التحالف نجح حتى الآن في تنفيذ احدى الخطوات المهمة في مخططاته، والمتمثلة في تفكيك مسارات الشيعة في هذه البلدان، والحؤول دون أي تحالف بين القوى الشيعية في المنطقة، من خلال مساعي التخويف والاستقطاب والاتهامات والشائعات، وبذلك فإن التحالف الأمريكي- الاسرائيلي- السعودي القوي والمتراص، ومعه كثير من حكومات المنطقة والجماعات السياسية، يواجه قوى مفككة ومختلفة في أساليبها وطرقها.

وليس عبثاً ان تزيد هذه التحالفات من حدة شراستها يوماً بعد آخر، فالقوى الشيعية- برغم تفككها- تعمل بدأب على تغيير الثوابت السياسية والطائفية السائدة في المنطقة منذ مئات السنين، ومعها موازين القوى والتجاذبات والاصطفافات. فإيران مثلاً باتت القوة الاقليمية القريبة من حدود العالمية. ورغم تأكيدات مسؤوليها بأنهم لا يتدخلون في الشأن الداخلي للدول الاخرى او في دعم الشيعة وجماعات الممانعة في الدول الاخرى، إلاّ ان مجرد وجود قوة إسلامية شيعية مهابة؛ هو ظهير معنوي كبير للشيعة ولكل قوى الممانعة في المنطقة. ومن هنا ظل المثلث الامريكي ـ الاسرائيلي ـ السعودي يعمل بتركيز على ضرب هذه القوة في الصميم في وضعها السياسي الداخلي، وفي تطورها العلمي والتكنولوجي، وفي نفوذها المعنوي الخارجي، وفي كل منابع القدرة التي تمتلكها. واذا كان التحالف المثلث قد فشل في معظم مساعيه؛ فانه نجح عبر القصف الاعلامي والدعائي المكثف، وبنسبة معينة، في زرع معادلة مختلفة في عقول بعض العرب، تتلخص في ان اسرائيل لم تعد عدوة للعرب ولاخطرا على المنطقة، بل ان العدو الحقيقي هي ايران.

والعراق هو الآخر، الذي تجاوز مرحلة نظام طائفي شوفيني عمره مئات السنين، وتحول الى دولة شراكة بين مكوناته، أصبح في دائرة الاستهداف الرئيسي منذ عام 2003، وتحديداً استهداف المكون الشيعي، الذي أصبح الفاعل الاول في العملية السياسية وفي تحديد مضمون الحكم وشكله، وفي قدرته على إفشال المشروع الامريكي ونخره من داخله؛ ولم يقتصر هذا الاستهداف على المرجعية الدينية والجماعات السياسية والمؤسسات المدنية، بل تعداه الى الانسان الشيعي وحياته ومصادر عيشه. وبات تمزيق الصف الشيعي والتآمر على وجود قواه الأصلية في الحكم، وإضعاف المرجعية الدينية ودعم الشخصيات والكيانات الطائفية، كالقاعدة والبعث وسواهما، وتجفيف منابع الحياة؛ كالقتل الجماعي وتفجير الأسواق وخلق الازمات المعيشية وغيرها، إضافة  الى منع أي علاقة ايجابية مع إيران ومع القوى الشيعية اللبنانية، وتحديداً حزب الله، على اعتبار ان هذه العلاقة تساهم بقوة في دعم الواقع الشيعي العراقي، بات الشغل الشاغل للتحالف الأمريكي- الاسرائيلي- السعودي.

وفي الطرف الأخير للمثلث المستهدَف؛ يبرز شيعة لبنان، بانجازاتهم على مختلف المستويات، ولا سيما تحطيم كبرياء الكيان الاسرائيلي؛ الذي ظل طيلة ستين عاماً القوة التي تذل أنظمة المنطقة وجيوشها، إضافة الى تمكّن شيعة لبنان من تجاوز مئات السنين من حالات القمع والتهميش والتركيع، وصولاً الى تحوّلهم الى شريك حقيقي في إدارة الدولة ونظامها السياسي. هذه الانجازات تسببت في أرق مزمن للمثلث المستهدِف (أمريكا، اسرائيل والسعودية)؛ الأمر الذي حمله على التشديد في ضرب هذه الإنجازات، عبر التآمر السياسي وضخ المال المعادي والأعمال العسكرية والتشويه الإعلامي ومحاربة الانسان الشيعي في سبل عيشه.

المسعى الأهم الذي لا تزال تعمل عليه أمريكا واسرائيل والسعودية بمزيد من القوة، هو تحويل أي لون من العلاقة بين الشيعة العرب وإيران الى معادلة ممنوعة بالمطلق، وصولاً الى تحسيس الشيعي بحالة الرعب والاتهام والخيانة إذا فكّر حتى بعلاقة معنوية بشيعة إيران. والعكس صحيح بالنسبة الى القوى السنية في علاقتها بالحكومة السعودية. وبصرف النظر عن تعقيدات هذا الموضوع، فإن مسعى المثلث المستهدِف نجح الى حد كبير في تحقيق غاياته على هذا الصعيد. فمثلاً تتحالف القوى السنية في العراق بشكل علني مع أجهزة الحكومة السعودية، بل وتفتخر وتستقوي بهذا التحالف والدعم. ولا تتردد الرموز السنية، وعبر الإعلام، في استصراخ الدولة السعودية.. قادة ومشايخ .. مستنجدة بهم لإنقاذ بغداد (عاصمة الرشيد وأبو حنيفة وابن حنبل) وإنقاذ العراق ( الأموي والعباسي ) على حد قولهم صراحة، من الشيعة. ولا أحد يعترض على ذلك؛ فذلك ليس معيباً ولا خيانة وطنية، بل هو تكافل وتكامل وتكاتف طبيعي! على اعتبار ان السعودية هي حامية الحرمين ومحور حركة المسلمين. وهو ما تعمل أمريكا واسرائيل على زرعه وتكريسه ورعاية نموه في شعور المسلمين ولا شعورهم.

وينسحب ذلك على العلاقة بالكيان الاسرائيلي ايضاً. فلم تعد العلاقة بإسرائيل عملاً مستنكراً على الحكومات والجماعات والأفراد في المنطقة العربية؛ بل هو نوع من التعامل مع الأمر الواقع. وهنا يأخذنا الحديث الى القضية الفلسطينية وإنجازات أبنائها في العقدين الأخيرين. هذه القضية احتضرت مرتين؛ الاولى بعد كامب ديفيد عام 1979، والثانية بعد رحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982. ولكن عودتها الى الحياة اولاً وعودة الطابع الإسلامي اليها ثانياً؛ كان بفضل جبهة التغيير والممانعة الجديدة التي أسستها إيران الشيعية، ودعمت من خلالها حماس والجهاد والجبهة السورية. اما المقاومة اللبنانية الشيعية؛ فأصبحت الظهر الأساس للمقاومة الفلسطينية السنية. هذا الواقع الجديد حوّل المثلث الأمريكي- الاسرائيلي- السعودي من فاعل في الموضوع الفلسطيني الى معالج للفعل المقاوم الصادر من جبهة الممانعة.

ان الاستقرار في المنطقة ودعم نمائها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، واحترام حقوق إنسانها وحرياته، يواجَه بالمزيد من العقبات، وفي مقدمها الإصرار على ممارسة استراتيجية التمييز الطائفي بكل ألوانه، وتسطيح مفهوم المقاومة، وتحكيم المعايير المزدوجة في التعاطي مع القضايا. وهي عقبات يمسك بها ويجذّر وجودها في الارض التحالف الأمريكي- الاسرائيلي-السعودي، الذي يعمل على سلب أي حقوق لقوى التغيير والممانعة الشيعية، ولا سيما في العراق وإيران ولبنان، وتجفيف منابع القوة لديها. وما الحديث عن القنبلة النووية الإيرانية إلاّ ذرا للرماد في العيون، أو هو جزء من خطاب منع قوى التغيير والممانعة الشيعية من امتلاك أي وسيلة من وسائل القوة، وبالتالي فهم يعملون على تشكيل شرق أوسط أقوى جديد؛ تكون فيه الشيعة المكوّن الأكثر ضعفاً وتمزّقاً.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1245 الخميس 03/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم