أقلام حرة

الجهات السياسية بين الواقع والتغيير المطلوب

متسما بالصفات التي يتمتع بها ذلك المجتمع وتلك الارضية بكل اشكالها وابعادها المختلفة. ويجب ان تكون له الاهداف والشعارات العديدة النابعة من مصالح المجتمع والمنتمين اليه وهو يناضل ويصارع من اجل الوصول اليها وبطرق واساليب مختلفة ويحمل استراتيجيات موائمة لها وتكتيكات متوافقة مع ظروف المرحلة ومواصفاتها وتتغير بتغييرها، وبنجاحه يزداد ثقله ومكانته وتجتمع العديد من افراد الشعب حوله ويدافعون عنه في السراء  الضراء. وكلما كان ناجحا في خطواته وعمله وهو يداب في تحقيق ما ينتظره الشعب وما هو لصالح تقدمه وتمنياته واماله، تزداد قوته وحجمه، ويفرض نفسه اكثر على الساحة عندما يؤدي واجباته من اجل المصالح العامة دون افرازات سلبية . اي يجب ان يكون واقعيا مرتبطا بما يتصف به الشعب والارضية التي نشا فيها ويعمل من اجل تطويرها . وهذا بحد ذاته من الصفات والخصائص الجيدة لاية جهة سياسية ، ولكن هذا لوحده لا يكفي لجهة اصيلة نابعة من رحم شعب وآلامه ويريد التقدم والتطور به ، اي بقدر ما يكون معهم في العمل والصفات ويختلط بهم ويكون قدوة في تحقيق امالهم تزداد ثقتهم به ، وهذا ما يفرض عليه ان يكون في الطليعة دائما في العوامل الفعالة لايجاد التغيير المستمر المطلوب في بنية المجتمع وما يتعلق به من كافة الجوانب، على الرغم من ان يكون واقعيا بعيدا عن الخيال والطوباوية فيجب ا ن يتوجه الى اجراء الاصلاح الدائم، وعليه ان ينعكف على التقليل من الصفات غير الواقعية وازالة السلبيات العديدة التي تسيطر على كيانه والمجتمع بشكل عام ايضا. ويجب ان يبدا العمل من الذات ويُستهل ذلك من المنتمين ليكونوا مثالا يحتذى به ويؤثرون على افراد المجتمع عمليا على ارض الواقع بافعالهم، وهذا ما يدعنا ان نقول ان واجبات الاحزاب والجهات السياسية الكبرى صعبة الاداء وشعاراتها صعبة التحقيق، نسبة الى الاخرين فيما تخص المجتمع بشكل عام ، وهذا ما يفرض الاصلاح والتغيير الضروري في الذات قبل الانتقال تدريجيا الى المحيط والتوسع في المهمات.

 عند القاء نظرة عابرة على ما تتمتع بها الاحزاب العراقية من الصفات والخصائص وكيفية تاسيسها وما يميزها والوضع الذي يعيش فيه المجتمع بشكل عام، والخلل الظاهر في العملية السياسية والتحزب بشكل خاص ، والذي اصبح العمل فيه موردا ماليا ومعيشيا للمنتمين بعيدا عن المباديء والقيم والاعتقادات، فان العملية تكون في غاية الصعوبة، ويجب ان تبدا العمل من اعادة العمل الحزبي الى نصابه الصحيح قبل اي شيء اخر، والا لن يكون الحزب مثالا او قدوة او في طليعة المكونات المكافحة للتغيير والاصلاح العام المتعددة الاوجه.

بعدما اختلطت العديد من الامورخلال هذه المرحلة من تاريخنا والتي لها اسبابها الذاتية والموضوعية المختلفة والمتنوعة، وفي مقدمتها والتي لابد من ذكرها على انها من الاسباب الرئيسية وهي تاثيرات الدكتاتورية البغيضة طيل عقود من حكمها الجائر ولتي كانت لها الباع الاكبر في تشويه السياسة والعمل الحزبي الطبيعي بافعالها وما اقدمت عليها من ابعاد  ماهو الجوهر الحقيقي الصحيح للعمل الحزبي عن مساره المستقيم من اجل المصالح الذاتية، وابعدت كل ما يمت بالمباديء والايمان بالفكر والقيم والعقيدة الصحيحة بصلة واختزلتها في المصالح الذاتية فقط ، وهذا ما شوه وجه التحزب النافع ليكون العائق امام التقدم في المجتمع ومعرقل للمسيرة السليمة نسبيا للعملية السياسية طيل المراحل التي مرت بها الاحزاب العريقة والتي اختفى اثر العديد منهم جراء افعال الدكتاتورية .

و بعد سقوط الدكتاتورية بالشكل المعلوم وما خلفت من السلبيات بدلا من اصلاح الامور واعادة النظر في اداء الواجبات الحقيقية والحزبية اللازمة ومسايرة التقدم العالمي من كافة الجهات تم خلط الحابل بالنابل وازداد الطين البلة في هذا الاتجاه بالذات، على الرغم من الحرية الضامنة للعمل الساسي على عكس ما كانت عليه ايام الدكتاتورية، واستقرت الحال على الصراع الحزبي المديد على تقوية اي طرف لذاته، والعمل على ازدياد حجمه وتوسيع مساحة منتميه باية وسيلة كانت على حساب مصالح الشعب العامة وباغراءات مادية معنوية . وبه انتمى الشعب قاطبة الى الاحزاب المختلفة من دون اي دافع فكري عقيدي حقيقي استنادا على المصالح والمعيشة وما يتوفر من الاحزاب من لقمة العيش وبه طمس الفعل الحزبي الحقيقي في بحر التشويهات وا لسلبيات التي طفت الى السطح جراء التغيير المفاجي والخروج من الكبت بدفعة واحدة، والانتساب الى الاحزاب اصبح مستندا على المحسوبية والمنسوبية الدينية والعرقية والمذهبية  والقبلية والعشائرية المعلومة للجميع، وانتقل الشعب بكامله وبكل مافيه من الصفات والسمات والمميزات الى الاحزاب وضمن اطر معينة دون اي تغيير او تعليم قبل الانتماءو هذا ما يمكن ا نسميه تسييس الشعب بجميع فئاته الى جانب عسكرته جراء ما جرى، ومن ثم بدات الانسحابات السريعة وكان ما حدث يمكن ان نسميه الهدوء النسبي بعد الفوران الحاصل اثناء التغيير دون تخطيط او برامج واضحة ، ومن ثم بدا الاستقرار السياسي التدريجي وانعكست ما يتميز به الواقع من الصفات المختلفة على الاحزاب التي كونت نفسها بعد العملية وكانت لها اساس ما قبل السقوط خارجا كانت او داخل العراق سريا . وهذا ما يحتاج الى فترات طويلة اخرى لنحس بوجود احزاب يمكن ا نسميها باحزاب حقيقية اصيلة معلومة المعالم والشكل والجوهر من الاهداف والشعارات ويحوي على المنتمين الحزبيين المؤمنين بما يحمله اي حزب والمؤمنين بالاهداف والمعتنقين بافكاره والعاملين من اجل المصالح العامة للشعب المتوائمة مع العصر الجديد بشكل عام.

عندما تكون الاحزاب بهذه المواصفات والخصائص وهي التي تحتاج الى اصلاحات وتغييرات جذرية حتما سوى كانت في الشكل ام في التركيب والعمل ، فكيف بها ان تتمكن من انجاح عملية لااصلاح والتغيير في المجتمع بما تمتلك .

اذن العملية معقدة وشائكة بشكل كبير، ولكن سهلة التفكيك والحل ان كانت الدواقع سليمة وان وجدت النيات والمقومات الصحيحة المطلوبة لها. الوضع الاقتصادي الملائم كعامل حاسم سيزيد من فرص الحلول الصحيحة بتنميته وتطوره، الوضع الثقافي العام في مستوى لا يمكن التعويل عليه لطول المرحلة المظلمة السابقة التي مر بها العراق وتاخره عن الركب العالمي من كافة الاختصاصات العلمية والادبية والانسانية بالذات، الوضع الاجتماعي وما فيه من العادات والتقاليد والترابط يمكن قرائته بشكل صحيح الان في ظل الحرية النسبية ويمكن توجيه المجتمع وسد الثغرات الموجودة فيه بالجهود الذاتية وبسهولة ان كانت الارادات قوية .

في ظل هذه الاوضاع العامة وبمرور الزمن والانتقال من المرحلة الحالية، ستظهر في الافق ملامح الوسط الذي يمكن اجراء الاصلاح والتغيير العام فيه بسلاسة، لاسيما من الجانب الحزبي والعملية الحزبية والسياسية وظروف الحكم وفصل السلطات وارتباط افراد المجتمع بالوطن والحكومة او المعارضة والحزب وفق الاعتقادات والمباديء الصحيحة، ومن ثم اجراء الاصلاح الدائم والتغيير المستمر والوصول الى شاطيء الامان بعض الشيء.

 من البديهي، ان يحتاج اي موقع في اي مجتمع وحتى اية عائلة او فرد كان الى الاصلاح والتغيير والتلائم مع التجديد، فكيف بحزب او مجتمع يعيش في حال غير مستقرة وضمن التغييرات العالمية الكبرى التي يلامسها في كل لحظة. وهذا ما يدلنا الى ان الاحزاب الحقيقية النابعة من تطلعات وامال الشعب ستعيد من تنظيم ذاتها بحيث تعمل على تحسين موقعها ووضعها واعادة النظر في مسيرتها واعمالها وتعمل على ان تكون قدوة للاخرين من المجتمع والمكونات والفئات التي تمثلهم لكي تنجح في مهامها  . ومن ثم تبدا الخطوة الاولى في عملية الاصلاح المطلوبة للمجتمع بشكل عام لنجاح التغيير المؤمل في كافة المجالات، وهذا ما يحتاج الى ضمان وتوفير العوامل الضرورية العديدة الاخرى موازية مع التغيير والاصلاح في الاحزاب وسلوكهم العام وعملهم الحزبي داخل المجتمع.

نستخلص مما سبق الى ان الاحزاب على الرغم من واجب ان تكون نابعة من المجتمع والواقع الموجود ،لابد لها ان تكون قدوة في ازالة السلبيات من الواقع  الموجود، بقدوتها ومبادراتها، وعليها ان تقدم التضحيات في اقرار صحة توجهاتها وان تكون دائما في الطليعة في اداء الواجبات التي تؤمن بها وهي تكون من اجل مصلحة الشعب قبل نفسها ، وهي التي تنجح في النهاية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1246 الجمعة 04/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم