أقلام حرة

الديموقراطية التركية امام مفترق الطرق

المختلفة والمستندة على الديموقراطية الخاصة بهم دون غيرهم والفلسفة المعتمدة في ادارة الحكم والنظام المتعدد الاوجه والنظرة للقضايا الداخلية والخارجية، لا يستغرب فيما اقدمت عليه هذه الجمهورية العلمانية الاسلامية الديموقراطية القومية في غلق حزب ديموقراطي اختاره الشعب وله نواب منتخبين في البرلمان التركي، وبحكم محكمة سياسية عليا، قبل ان تكون قانونية ومستندة على بنود الدستور المختلف عليها من قبل جميع الفئات مستغلة اياها في قراراتها الجائرة، وهذا الفعل ليس بسابقةكما نعلم وليس باول حزب يُغلق، وليست المواقف المتخذة من قبل القضاء ببداية او سابقة لمواقف سياسية التي تعبر عنها بقضاء ومحكمة والتي تضع علامات استفهام كبرى على استقلاليتها، وخصوصا ان كان الامر يتعلق بحل حزب سياسي هو السابع عشر من نوعه في هذا القرار والامر القضائي النادر الصادر في العالم، وتعيش العالم في عصر الديموقراطية والحرية والانفتاح على البعض وضمان حقوق الانسان.

هنا يتدخل الصراع السياسي في امر القضاء ومن الباب الخلفي والذي اثر دوما على الوضع العام في تركيا من قبل كما هو اليوم، حيث يتبنى الحزب الحاكم وهو واضح المعالم والاهداف والمضمون للجميع، الانفتاح والتعايش السلمي ويتبع خطة في مبادرة صعبة جدا في خضم ما تعيشها تركيا في مرحلتها المتنقلة والتزام البرلمان التركي بالحوار والتشاور حولها، وهذا ما لاقى الصعوبات والعقبات المختلفة منذ اول الامر من قبل الجهات العديدة سوى كانت حزبية ام مؤسسات الدولة العسكرية المعروفة التاريخ والصفات من حيث انهائها وفضها للمشاكل والقضايا الساخنة السابقة بتدخلها المباشر عن طريق الانقلابات المتكررة والعمليات السرية.

 الا ان اليوم في ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية باغلبية ساحقة على مرتكزات الدولة والظروف العالمية المغايرة وضغوطات الدول الكبرى وانكشاف المؤسسة العسكرية في محاولاتها للتخطيط عما كانت تنوي عملها من عاداتها السابقة وتعرت خطتها واتخذت اجرائات حاسمة ضدها من قبل السلطة المدنية، فقد اقفلت الابواب امام تحركاتها واحكمت في اغلاقها . فلم يجد المتعصبين والمصلحيين غير فجوة المحكمة الكبرى في النظام التركي لاستغلالها في خطوتهم المنتظرة وفي ظل تعثر التعديلات المرتقبة التي من الواجب اجرائها في الدستور التركي كي توائم العصر والمستجدات والحياة الديموقراطية الحقيقية، وكان بالامكان اتباع طرق سلمية اخرى من قبل الدولة في حل المشاكل وما يمكن ان يؤخذ عليه في سلوك الاحزاب، ولكن القضاء وما فرض عليه لم يابه بما يجري على الساحة التركية في قراره النهائي، لا بل يمكن ان يكون تصرفه وما فعله ان يحسب على من كان يشجعه وبدافع قوي ممن يريدون وأد هذه الخطة والبرامج المتبعة من بداياتها لكي لا تشهد النور خوفا من الاهداف العنصرية التي مضى عليها الزمن ولم تعد صالحة للاستعمال والعمل، وبعدما حاولت المحكمة سد الطريق امام الحزب الحاكم واجباره للتراجع عما يقدم عليه الا ان العواقب الوخيمة التي تاكدت من حصولها لو اقدمت على اي قرار اجبرتها على العودة عن نواياها واوقفتها من اتخاذ القرارات القاطعة ضده، ولذلك احكمت بما تحفظ ماء وجهها دون ان تمس بشكل مباشر بمكانة الحزب الحاكم ولم تضر بما سائر عليه الحزب الحاكم، ولذلك اتجهت الى طريق اخر كما نشاهد اليوم.

 اما اليوم، فان الحزب الشعب الديموقراطي ليس كالحزب الحاكم من حيث الثقل والمكانة ومناطق الارتكاز والعلاقات، وان كان له الدور القوي في حل النزاعات وهو في طور متقدم وله وجهات نظر تخدم الخطة المتبعة في الانفتاح الا ان الجهة المعارضة استغلته في ايقاف ما اقدم عليه الحزب الحاكم في تركيا ولو كان مؤقتا، ولذلك يمكن ان يُقرا هذا القرار بشكل واضح ومعلوم على ان الدافع ورائه هو اجهاض الخطة المطروحة قبل واكثر من ادانة الحزب الشعب الديموقراطي بذاته، ولكن المقصود اصلا ايضا هو القاء ضربة قاضمة الى الحزب الحاكم بشكل غير مباشر، وفي المقابل هذا ما يمكن ان يفيده ايضا في الانتخابات المقبلة من حيث حجم اصواته ومريديه ايضا .

ان ردود الافعال القوية التي اقدمت عليها الشعب الكوردي في تركيا لهو دليل واضح على مدى شعبية الحزب الشعب الديموقراطي وانبثاقه من ارادة الشعب. وهذا ما يمكن ان ينعكس بشكل سلبي على السلطة التركية وعلى مصداقية المحكمة العليا ايضا والنظام التركي بشكل عام عدا ما تضرر منه خارجيا وما شاهدناها من المواقف الواضحة القوية من جميع الجهات، وما تلقاها من ردود الافعال العالمية وما برزت من الشكوك في نوايا تركيا بكافة مؤسساتها في ترسيخ الديموقراطية الحقيقية، وتنفيذ الشروط المطلوبة من الاتحاد الاوربي ومدى ابعادها عن الانضمام اليه .

ان ما يهم الشعب الكوردي في تركيا هو مقدار مصداقية السلطة في اتخاذ الخطوات اللازمة التي تتحدث عنها من حيث الانفتاح والديموقراطية وضمان حقوق الانسان والمواطنة الحقيقية والحقوق العامة، وموقفها تجاه هذه القضية، وهذا ما سيعلن ويكشف عما تضمنه من النيات ومدى اصرارها على الاراء والخطابات التي تعلنها،و توجهاتها في الخطة بكاملها ستظهر من مواقفها الضرورية وتعاملها كحزب حاكم وسلطة في الوقت الذي تدعي التعايش السلمي وضمان حقوق الاخر.

ان هذه الايام ستظهرو تكشف للعالم مدى جدية تركيا في الالتزام بالمباديء الاساسية للعصر الجديد والاقتراب مما يتمتع به اوربا والعالم المتقدم من الجوانب كافة كي تفرض ما تؤمن به من السلم والامان على الجميع، على العكس من ذلك ستبتعد خطوات وتتراجع في نظر العالم وستضر بنفسها قبل الاخرين، والجماهير التي تؤيد حزب الشعب الديموقراطي ستنضم الى اي حزب اخر يؤسسه المعنيين ويقف داعما له وان كان باسم اخر، لا بل ستزداد شعبيته ويستفيد ويتكامل ويقوى ثقله ويتقدم خطوات شعبيا وانتمائا وستزداد عاطفة الجميع معه وسيسجل موقفا تاريخيا حاسما لتحقيق اهداف الشعب الداعمة له،و لم يبق في هذا القرار غير النقاط السلبية المسجلة على النظام الحكم القضائي والدولة بكاملها وما يفق وراء الخطوات الخاطئة المتكررة وسيبقى الشك على سلوك الدولة التركية بجميع مؤسساتها باقية ولن تزول لحين اتخاذ الخطوات الصحيحة بهذا الاتجاه . وشاهدنا ما ابدوه المتعاطفون مع هذا الحزب حتى خارج حدود الدولة التركية لهو دليل على نجاح هذا الحزب في كسب ود الجميع بمواقفه المعتدلة، وهذا دليل على خطا السياسة القضائية التركية المتداخلة مع السياسة العامة للدولة بعيدا عن الحيادية المطلوبة للقضاء، وهذا ما يسجل نقطة ضعف عليه امام العالم وما يرنوه المجتمع الدولي من ارساء العدالة والمساواة والاستقلالية .

لذلك، على الدولة التركية والقائمين على سياساتها العامة ان يختاروا بين الانعزال والبقاء على حالهم كما هم عليه لحد اليوم او دامة ما اقدموا عليه من ترسيخ الديموقراطية الحقيقية وضمان حقوق الجميع او العودة الى المربع الاول والاسترضاء بحكم العسكر واوامره ومتطلباته والوقوف مكتوف اليدين دون حراك امامه، وهذا ما يضر بالدولة التركية بذاتها قبل غيرها، وتبقى بذاتها مترنحة وتسير نحو الفوضى وتكون تحت رحمة القضاء والقدر بعيدا عن المستجدات العالمية وحسناتها.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1260 الجمعة 18/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم