أقلام حرة

نيران تحت رماد بارد

تتحرك صخرة الحزن قليلا"

 تتدحرج ...........

 ثم تخضّر بقلبي وبأوصالي شرايين جديدة

 

استعادت ذاكرتي تلقائيا" هذه الأبيات الشعرية التي اجهل لحد الآن مبدعها، لان أصابع مخملية  مجهولة خطتها على حاشية قصيدة نشرتها على حائط مذبح الآمال في كليتنا في ثمانينيات القرن المنصرم ووقعّت كاتبتها تحت تلك الكلمات بغصن البان فكانت فاتحة خير على لوح قصيدتي التي اعتذرت من خلالها لفاتنة الصيدلة بعد أن  تغزلت بتلك الفاتنة  بمرثية لنفسي. امتلأت اللوحة - بعد كلمات غصن البان تلك - بشتى أنواع القبلات والحمائم والقلوب الملونة  التي طرزت كل حاشية من حواشي القصيدة.  ولمذبح الآمال قصة طريفة ومؤلمة ربما يرحمني مزاجي الذي أبى إن يصالح نفسه بعد أن ذاق ما ذاق من حنظل سقي به بعد انتظار طويل لرشفة شهد ، أقول علّ ضميري  يرحمني فأعود إلى الكتابة عن مذبح الآمال وعن  أجنحة الفراشات ورسل الحب وقلوب العشاق المصلوبة بسهم يجعلها عنوة "  أسيرة جذوع تلك الأشجار التي لو نطقت لغنّت بكركراتنا ولفضحت كل إسرارنا التي حاولنا إن نخفيها تحت أوراق التوت وظل شجرة آدم التي عانت ما عانت من استغاثاتنا بجسر القرنة ان يذكرنا لو مرت محبوبة  القلب التي ما كان يطيب لها إلاّ أن تمشي حافية القدمين  على ذلك الجسر، فما كان يطيق صبرا" حين تلامسه قدماها الصغيرتان فيهتز طربا" وتهتز قلوبنا  معه خوفا" على تلك الأميرة التي كم تمنيت آنذاك  ان تقراني من صفحتي الأخيرة  وتمحو كل خرائط أيامي التي مضت ....... تلك الانثى التي لم يخلق الله مثلها في العباد .... تلك الحورية التي كانت القشة التي قصمت سنام  عمري بسبب  بضع كلمات قيلت لها في غير محلها و زمانها،  حين رجوتها - بكبرياء شابه غرور- ان تتمسك بي كي لا تأتي واحدة أخرى وتمحوها.. كما محت هي كل اللائي جئن قبلها...... حينها ضيّعتها وضيعت نفسي بعدها .... (وبكيت مثل النساء (حبا") مضاعا"..... لم احافظ عليه مثل الرجال) .... ضيّعتها وأضعت تلك الحقيقة الكبرى في حياة كل منا والتي تدعى الحب الأول،  ذلك الحب الذي لم تستطع ان تزحزحه كل النساء التي أحببنني  بعدها... نعم أحببنني، لان قلبي أغلق أبوابه وأعلن العصيان على الحب بعد ان (جربت في دنياي كل (النساء ) وذقت طعم الحلو والحنظل فلم أجد في (حب) كل (الدهور) ألذ من طعم الهوى الأول)، هوى تلك المهفهفة التي بعد ان وضع القدر إسفينه بيننا،  شرّقت  بها الظنون وغرّبت بي المنافي، فلم يعد بإمكاني حين يدلهم الأمل وتخبو ذبالة الصبر سوى اللجوء الى  شهيق روحي الذي اسميه اعتباطا" قصائدي، وتتقافز الى مخيلتي تلك الصور التي لازالت كما هي لم تشوبها رائحة المنافي ولم تغير روعتها هذيانات ذاكرتي الحبلى بما يشيب له رأس رضيع.  تلك الصور كانت تحرك (صخرة الحزن قليلا") لكن تلك الصخرة تأبى ان تتدحرج وتصرعلى تجثو بكل اشتهاء على ما تبقى من قحفة راسي التي امتلأت ضجيجا ، حينها (وحتى لا ينفجر الرأس ويسكت القلب .. نلجأ للاغاني .. لرسائل عشق قديمة ..وأخرى جديدة) ...

آه ثم آه..... وليس سوى نشيج متصل من الآهات يوقظها  لجوئنا الطوعي للاغاني... فتهيج المشاعر وتسكب العبرات (يا لعبرتي في حلقك الشجي ويا لحزنك وهو يلبسني مدلهمات الفصول) فيغيّبني  في غياهب جب الذكريات.....يتصبب قلبي ألما" وحسرة ونشيجا" ولا يوقف نزيف تلك الأنثيالات الدهماء سوى  ذبذبات عذبة تسللت إلى شغاف القلب ..... أصخت السمع لذلك الدفء الذي امتزج بهمسات نتف الثلج التي عانقت شباكي الحزين وهي تردد: وينك........ حبيبي وينك؟!.....

أزاحت تلك الكلمات الرماد، فبانت من تحتها نيران الحب الأول التي لم تخبو بعد .....غلى مرجل الشوق في دواخلي فرددّت تلك الكلمات ثانية وثالثة ورابعة ووو .... حتى انقطع نشيجي،  فطفقت من الم اللوعة مناديا" نجومها  التي أشرقت في سماء غير سمائي وتنكرت لي إنا الذي أبدعتها  أناملي، فتركتني تتآكلني آفة الحرمان ولا املك غير ذلك النداء الذي ملّني وما مللته :

 (كلبي عليك حبيبي ذايب .... بس بالاسم صرنه حبايب ....

 يا عمري بس فهمني ذنبي ....

الناس كلها الليلة جنبي......

وانته الوحيد العنّي غايب ......

ويــــــــنك!!!!!!!!!!)

أين أنت الآن يا كل حنيني واصطباري ....

أين أنت الآن ياسر  اشتهائي للديار......

أين أنت ... يا من لك وحدك غنيّت (بس تعالوا) ..... بحّ صوتي واشتكى الليل وجيراني وأهلي ولكنك لم تأتي فـ (ردّيت وجدامي تخر حيرة وندم) .....  حينها أصبح نشيد حبي الصباحي (عمر وأتعدّه الثلاثين) ...... لا، أظنه قد تعدى الأربعين ، لان الثلاثين التي مرت من عمري لم تكن  سوى رصاصة الوجع  التي فتقت جروح تناسلت فيما بينها وولّدت آلاف من الجراحات،   ففي  الثلاثين -لا حبٌ ولا وطنٌ- .....  (ليت الثلاثين ما كانت ولم أكن).......

انتظرت طويلا" عل النسيم يرأف لحالي ويكحل جفوني بمرأى طيفها  ولو بطرفة عين ... ولكن لا خبر جاء  ولا طيف وصل ... ولا شيء يعود سوى الجديد من – أحزانها – وحبي.

 

ساوثهامبتون - المملكة المتحدة

ليلة شتائية طّرزت سماءها نتف ثلوج الميلاد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1261 السبت 19/12/2009)

 

 

صقر الحيدري

[email protected]

في المثقف اليوم