أقلام حرة

لم يخسر الكورد في كوردستان تركيا شيئا

ففتح حضنه الدافيء وبفخر واعتزاز لاعضاء وقيادات حزب المجتمع الديموقراطي بعد انفعال المشكلة التي نتجها قرار المحكمة الدستورية التركية العليا في غلق هذا الحزب، وهم الان بين ظهراني اخوانهم لادامة نضالهم السلمي في سبيل تحقيق اهدافهم العامة وتحقيق اماني المجتمع الكوردستاني في منطقتهم مهما حاول المتعصبين من وضع العراقيل امام مسيرتهم .

من يتطلع على الحياة السياسية في تركيا ويعود شيئا من التاريخ وبالذات الى بدايات السبعينات القرن الماضي وكيفية اداء الصراعات المتشابكة بين الجهات المسيطرة حينئذ ودور السلطة فيها، منذ ظهور الشباب اليساريين والاسلاميين الاصوليين ومنظمة الذئاب الغامقة وكيفية استغلالهم في الوقوف ضد بعضهم من قبل السلطة، ففي المراحل الاولى دعمت الحكومة الحركة الوطنية الفاشية ومنظمة الذئاب ضد اليساريين، وبعد ذلك انقلب الاية ودعمت حكومة الاجويد اليساريين باعتبارهم يميلون الى اليسار، وهكذا من اجل استمرار سلطتهم استغلوا هذه المنظمات .

و شهدت تركيا التشدد والقمع بين الجهات المختلفة، وخلال عقد واحد فقط تغيرت عشر حكومات تركية جراء فشلها في السيطرة على الاوضاع، وانتهت الحال بانقلاب 12 ايلول 1980 واخذت القوة العسكرية والجيش تنفذ الاجراءات والحالة الطارئة في البلاد، وبتدخل الانقلابيين العسكريين وتغييرهم للدستور جعلوا حلول المشاكل صعبة،و استدامت العوائق امام تغيير الدستور الى اليوم وباشكال مختلفة،و هذه اكبر نقطة ضعف للدولة التركية من الجوانب السياسية والدستورية، وعائق كبير امام انضمام تركيا للاتحاد الاوربي بهذه الحال التي نراها.

و هكذا وصلت الحال والوضع السياسي العام الى حافات الانهيار في اكثر الاحيان، لحين وصول حزب العدالة والتنمية الى سدة الحكم وسيطرته شبه الكاملة على مؤسسات الدولة عدا جوانب قليلة وهي التي تعتبر ثغراتها في التعامل مع الاحداث والمستجدات التي تظهر على الساحة الداخلية والدولية، وخطت الدولة ما يمكن اعتبارها خطوات جادة في توحيد المجتمع التركي المشتت، والاقتراب من ضمان حقوق المواطنة شيئا ما وقطع الطريق امام الانقلابات العسكرية وتكرارها بقدرته الذاتية وكشفه للمحاولات العديدة من هذا الجانب خلال مدة حكمه، الى ان وصلت المتغيرات الى مرحلة تم فيها طرح خطة وبرامج الانفتاح من اجل السلام والوئام بين مكونات الشعب التركي، ولم يقف المعارضون ساكتا او مكتوفي الايدي في اعتراضاتهم وردودهم السلبية وعملوا على اجهاضها، واخيرا استغلوا ثغرة المحكمة الدستورية العليا في شل خطة هذا الحزب، بعد ان تاكدوا انهم لم يتمكنوا من مقارعة الحزب الحاكم ومواجهته فاستغلوا الشريك الرئيسي السلمي في الخطة واصدروا قرارا لغلق حزب المجتع الديموقراطي من باب المحكمة الدستورية وبحجج واهية وبدعم الجيش واصحاب النفوذ، وهذا ما يدع الحزب الحاكم قبل غيره ان يفكر مليا ويعيد النظر في كيفية تنفيذ خطته واتمام الجراءات المطلوبة لاحلال السلام وتحقيق نجاح الخطة وازالة العوائق المتبقية امامها، والتي لا تتم الا بتغيير بنود الدستور المعرقلة وقطع الطريق امام تدخل العنصريين والمتعصبين في سبيلهم وامام نجاح عملهم وتحقيق الاهداف السامية التي يحملونها.

و هنا كان من الواجب على الجميع اتخاذ الخطوات الصحيحة لصد الموآمرات والاجندات المصلحية الداخلية واولاها اتخاذ قرار عدم الانسحاب من البرلمان التركي من قبل اعضاء حزب المجتمع الديموقراطي وكما فعلوا اخيرا وتحملوا المسؤولية المنتظرة بالتواضع بعيدا عن المصالح الشخصية واصروا على ادامة سياسة السلم وفرضها على الاخر . وجاء دور الحزب الحاكم والمنظمات المدنية والانسانية التركية والعالمية في تقدير موقف السياسيين الكورد في خطواته العقلانية، وعلى حزب العدالة والتنمية بالذات وضع النقط على الاحرف في خطته وفي سياسته لتطبيق مراحل الانفتاح والتعايش السلمي والعمل على الوقوف ضد توجهات المحافظين المتشددين والمتعصبين وما ينوون في وضع العصا في عجلة السلام والامن والديموقراطية الحقيقية التي تفيد الجميع .

و من جهة اخرى على الحزب الحاكم ايضا عدم البحث في الحصول على الانجازات الحزبية وازدياد حجمه واستغلال هذه الفرصة ومن باب غلق حزب المجتمع الديموقراطي محاولا امتداد نفوذه على حساب هذا الحزب الذي اثبت انه الممثل الحقيقي للشعب الكوردستاني، وسينضم جميعهم دون استثناء الى حزب السلام والديموقراطية، لا بل سيلتف غير المنتين ايضا حول هذ الحزب لنجاح خطة السلام، لا بل على الحزب الحاكم الاستمرار في دعوته لتطبيق خططه لضمان استقرار البلاد وبسط السلم والامان على الساحة والاقتراب من باب الاتحاد الاوربي الذي يفيد استراتيجيته. وعلى الاحزاب والمنظمات المدنية والانسانية في اوربا والعالم والمحبين لخير الانسانية بيان دعمهم للديموقراطية والحرية المنشودة التي تثبت اسس المجتع المدني وتجسد السلام والاستقرار الاقليمي والعالمي ايضا.

لابد ان نذكر ان قرار غلق حزب المجتمع الديموقراطي انعكس ايجابا على شعبية هذا الحزب واجتمع المجتمع الكوردستاني حوله واحتضنوه وقدموا الدماء من اجله وانه سيديم نشاطه السياسي ضمن حزب السلام والديموقراطية، ولم يبق لقرار المحكمة التركية الا التاثير على سمعة الدولة التركية في المحافل الدولية بالسلب طبعا، لا بل ازداد هذا القرار من وحدة وتراصف الشعب الكوردستاني، وبه يمكننا القول ان السحر قد انقلب على الساحر، وحظر العمل السياسي على عدد من السياسيين لن يؤثر كثيرا على مجتمع ملاييني  العدد ويحوي على العدد الغفير من العقول الكبيرة . اذن ربح الكورد في كوردستان تركيا القضية وسيديمون نضالهم ويحققون اهدافهم وامنياتهم مهما طال الزمن .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم