أقلام حرة

كيف اصبح حتروش ملكا ولماذا بكى .. حسون الوزير..

لا يوجد فيها كهرباء الكثير من اهالي القرية ليس لديه الإمكانية لدفع أجور الكهرباء. كما أن ماء الإسالة غير متوفر ألا في بيوت معدودة.. واغلب الناس يأخذون الماء من الأنهار والسواقي بشكل مباشر. إضافة الى أشياء كثيرة أخرى..كنا نعيش متع طيبة كنا نصنع لعبنا من ابسط الاشياء.. أن ساعات المتعة كان بسيطة جدا .. كان لا يوجد شيء اسمه سبيستون او نيكولوديا للاطفال  لذا كنا نستمتع  بالقصص والحكايات . كنا نتجمع أحيانا قرب إحدى النساء الكبيرات السن(جداتنا او خلاتنا او عماتنا او جاراتنا) ونتوسلها لكي تحكي لنا حكاية وكنا نلبي الكثير من طلباتها من اجل ذلك... وكانت اغلب النساء الكبيرات السن يحفظن الكثير من القصص والحكايات الجميلة. كان المجتمع بسيطا وكان خيالنا جميل وكنا نصنع عالمنا من استطلاعنا البريء للمحيط لتنمو أفكارنا وتزهر بمعاني الامل للمستقبل..  كانت مدرسة الحياة لنا هي تجمعنا حول ذوينا وحول كبار السن لنتعلم منهم دروس وعبر كنا في صغرنا نظنها للمتعة واللهو فقط لكن عندما سارت بنا الحياة بتقلبات متنوعة وتغربات عديدة أصبحنا ننظر للماضي وحكاياته وكأنه مصابيح تنير ظلمة وعتمة الزمن الدكتاتوري وتزيل شيئا من رواسب الالم والظلم..أن  التعقيد  في مفاهيم الحياة والتواصل : غلف  الحياة والبسها ثوب العتمة والتغرب الشديد باسم العولمة التي سحقت تحت أقدامها الإرث الحضاري والفكري والقيمي للكثير من البلدان والأمم... البساطة تم تجاوزها ونمى نبات غريب ليغطي الأرض وينهي خصوبتها نباتا بلا ثمرا لونه أصفر لونه لون  النار والألم والتصحر والقحط... دعوني أقص عليكم إحدى الحكايات التي سمعتها في صغري ولنتبين فيها حقيقة الألم لصدفة التسلط ولنتأمل فيها لعلنا نجد شيئا مفيدا،  الحكاية (السالفة) تقول:

 

كان يا ما كان في قديم الزمان كان في إحدى المدن كان هناك مشاغبان (حتروش وحسون) من أسوء الناس كانوا يعاقرون الخمر ويلعبون القمار ويتسولون ويسرقون ويتهجمون على الناس وكانا لا يتوانون عن الكذب والغش والتزوير..فضاق اهل المدينة بهم ذرعا  فاتفق  أهل المدينة على طردهم خارج المدينة وذلك بسبب سوئهم واستهتارهم الكبير واليأس من أصلاحهم . فطردوهم  ووعدوهم بالويل أذا رجعوا للبلدة... فخرج حتروش وصديقه حسون  الى خارج البلدة وهم يتحدثان واحدهم يقول للأخر يبدوا أننا أسوء البشر ويبدو أن سبب سوئنا وعدم انصلاح أمرنا هو بسبب اجتماعنا معا  منذ سنيين طويلة وأي اجتماع لنا هو فساد وسوء... لذا اتفقا على أن يفترقا لعل حياتهم تنصلح .. وفعلا افترقا وكل واحد منهم ذهب في طريق... الأول هو (حتروش) بقى يمشي الليل كله  في طريق صادفه الى أن وصل الى بلدة جديدة في ساعات الفجر الأولى  فتعجب حينما وجد أن أهل هذه البلدة كلهم يقفون خارج البلدة وينتظرون قدومه فحالما وصل أليهم رفعوه على أكتافهم وقالوا هذا هو ملكنا وحاكمنا الجديد.. حيث أن أهل هذه المدينة كان العرف السائد عندهم هو عندما يموت ملكهم يقفوا ينتظروا في باب المدينة عن أول شخص قادم للمدينة من الغرباء ليصبح ملكا عليهم...وفعلا أصبح ملكا وعاش حياة رغيدة متهنى بحياته وسعيد لسنوات عديدة...  فقرر أن يقيم وليمة سنوية في مدينته يدعو أليها جميع الفقراء الغرباء والمتسولين وعابري السبيل.. لعله يرى صاحبه وصديق طفولته رفيقه في اللصوصية في مدينته الأصلية... وفعلا في إحدى السنين في يوم الوليمة كان الملك يسير بين الناس لكي يرى الذين يأكلون من وليمته في المدينة  فوجد صاحبه(حسون) يأكل فنظر أليه وسلم عليه وقال له هل تعرفني فنظر أليه حسون وهو في حالة خوف  وقال كلا يا مولاي ...فقال الملك للحرس خذوه للحمام ليستحم واستبدلوا  ثيابه الرثة واجلبوه الى مجلسي... وفعلا أخذوه وادخلوه للحمام ليستحم والبسوه أحلى الثياب وأخذوه للملك ... فدخل على الملك فقال له الملك هل عرفتني الآن فقال له كلا يا مولاي... فقال الملك له أنا  حتروش هل تذكر يوم طردونا أهل مدينتنا ... فضحك صاحبه وقال والله لقد عرفتك لكني كنت خائف من أن أقول هذا.. فقص عليه الحكاية كيف أصبح ملكا... فبارك حسون لصاحبه الملك ذلك .. فقال الملك لحسون ولا يهمك سوف أعينيك وزيرا ومديرا لخزينة البلد  وسابني لك قصرا كبيرا ففرح حسون بذلك وفعلا أصبح وزيرا ومديرا للمالية مع صديقه.... وفي يوما من الأيام الملك كان يمشي في قصره وعندما مر قرب غرفة الخزانة (المالية) سمع بكاء ففتح الباب ودخل فوجد صديقه حسون يبكي بشدة ودموعه منهمرة بغزارة فتعجب الملك وقال له لماذا تبكي  وأنت الشخصية الثانية بعدي في المملكة هل هناك من أزعجك أو كدر خاطرك قل لي لأخذ لك حقك منه؟ فقال له لا يا مولاي لم يزعجني أو يكدر خاطري احد... فقال الملك هل تريد شيء؟ هل أموالك قليلة لكي أعطيك أكثر ؟ فقال لا يا مولاي... فقال الملك هل قصرك صغير ولا يعجبك لكي أعطيك أو ابني لك أفضل منه واكبر منه... فقال لا يا مولاي.... فقال له ما بك أذنا؟ أخشى انك أصبحت تطمع بالملك وتريد أن تصبح أنت الملك؟ فقال لا يا مولاي... فقال له ما بك أذن احكي لي؟ فقال له يا مولاي أن لا بكي على  نفسي ولا ابكي عليك لكني كنت احسب الأموال في خزينة المملكة وتذكرت من نحن وكيف عشنا وقضينا حياتنا وكيف الصدفة جلبتنا لنحكم هذه البلاد ونتحكم بمقدراتها .... فانا ابكي على أهل هذه المدينة التي أنا وأنت نحكمها ونتسيد فيها.. ابكي عليهم وهم لا يعرفون من يحكمهم...

انتهت الحكاية:

 

هل السلطة تمسح ماضي الانسان؟ هل نيل الجاه يمحي الحقائق؟ ... هل الكراسي تمنح العزة لمن لا عزة له؟... هذه هي القصة التي لا اعرف هل أتبسم أم حزن عندما استذكرها.. كنت أقول وأنا صغير أذن توجد ذرة من الإنسانية في قلب هذا  الوزير اللص حسون . فكانت اضحك في زمن الطاغية بمرارة وأقول أين هو من يحمل ربع شرف هذا الوزير. وبعد سقوط هبل بغداد حصل اشياء غريبة جدا لا يمكن ان ندركها ونحللها بسهولة.. تسلق النفاق على أكتاف النضال  وأصبح العراقي لا يرى ألا المتلونين ثعالب المكر الذين دورهم يأتي بعد انتهاء معارك النضال ليسرقوا صيد الأسود . نقول الآن لرجالات الصدفة هل يوجد بينكم من يبكي على الشعب ويشعر بألم الناس المعنوي قبل الم العوز وضنك العيش.. هل هناك من عيناه تدمع بصدق لبؤس الناس حتى وان لم يفعل شيء لهم..هل هناك من يبكي لتسيد رجال الصدفة اللعينة على عراق أكد عراق الحضارة عراق الشرف. وهل ما حصل فعلا صدفة أم أنها سنة الحياة النصر فيها للحرباوات التلون . ان مملكة الصدفة  تبدد أموال العراق كما بددت آمالنا وطموحاتنا لكن القرار الحاسم قادم وهو بحاجة الى ثورة فكرية بحاجة ثوار الفكر ليقودوا المجتمع الى تغيير فكري يمهد للصلاح ... القرار الحاسم قادم الانتخابات على الأبواب لنثقف المجتمع لانتخاب الصلاح الممكن لا نطلب المعجزات لكن  نقول ماذا عن الحد الأدنى!! لا نظنه مستحيلا!!  يا مثقفي العراق أسوء أمية هي أمية المثقف بسد آذانه وعدم احترامه لأراء الناس وقذفه كلماته المنمقة بحلبات تدافع الآراء أمام حكام الغفلة  .. أسوء أمية هي أمية الحضارة... على المثقف أن يثقف المجتمع ويحدث الناس على قدر عقولهم  لما فيه خير العراق...تحية لكل من يعمل بصدق ونزاهة من اجل نهوض العراق ويحترم الآراء والمعتقدات ويحترم معنى الإنسانية.

 

د.علي عبد داود الزكي

 [email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم