أقلام حرة

لمن يصوت الكادح في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

الشرقية وليس في العراق فقط، اما من حيث القدرة والامكانية الاقتصادية والثقافية فهم على درجات مختلفة وفي مستويات عديدة ويعيشون على حد ما يمكن ان نضعه على سلم متفاوتة من المعيشة والنظرة الى الحياة والتعامل معها، ومستوى مشاركتهم في الواجبات العامة مشهود لها في التاريخ وليس عليها غبار يُذكر، بحيث يمكن ان نبين ونعلن عما قدموه من التضحيات بثقة عالية بالنفس ولهم باع طويل في اداء المهمات العامة الضرورية التي تدفع المجتمع الى التقدم، اي انهم العوامل والركيزة الاساسية في مسيرة الحياة بكل معنى الكلمة، وما قدموه سابقا ولحد اليوم شاهد على نضالاتهم اكثر من غيرهم من الطبقات والفئات والشرائح الاخرى الواسعة الانتشار.

و التاريخ يدلنا على ان اية جهة سياسية مهما كانت طبيعتها وتركيبتها واهدافها وشعاراتها ونظراتها للحياة ومافيها ومضمونها وما تملك من الافكار والعقائد وما تنفذ من المناهج والخطط لا يمكن ان تنجح دون دعم من هذه الطبقة الشاسعة الواسعة الغالبة على مكونات الشعب المختلفة. ومهما كانت الجهة وما تتمتع به من رصانتها او ثقتها الكاملة بنفسها ومن تطورها وتنميتها وان كانت منبثقة بفرض ضرورة تاريخية وسياسية ونابعة من رحم المجتمع او تاسست وانشات فوقيا من النخبة، فلابد ان تكسب ودها وتحاول بشتى الوسائل في تنظيماتها لهم وضمان والائاتهم والا سوف تسقط في اول محطة لها مها قمع وتعسف، ومن لم يصقل ولم يُثيت ركائزه بهم لم يدم طويلا على الساحة مهما فعل، وهذه هي الحقيقة في هذه المنطقة بالذات والعالم بشكل عام، سوى كانت الجهات السياسية هذه صادقة معبرة عن امانيهم واهدافهم او تستقوي بهم لاهداف عامة اخرى تشمل الجميع ومن ضمنهم الكادحين .

لو قيمنا الواقع الاجتماعي والتركيبة الطبقية في العراق، نلاحظ ان الطبقات لم تنضج لمستوى يمكن تميزها عن بعضها بشكل واضح وشفاف كي يمكن تقييمها وتحليل ما يخص بها وتفكيرها وتوجهاتها المختلفة وبالاخص السياسية، لمعرفة ما يقدمون عليه ومن يختارون في العملية الانتخابية النيابية العامة، كي نحدد الجهات السياسية التي تستفيد منهم، والاكثر خلطا في الامر هو سيطرة العلاقات الاجتماعية والروابط والافكار المثالية والخيالية على العوامل المادية او الاقتصادية المحددة للطبقة، وبه يمكن ان تكون مستويات معيشية مختلفة ضمن الطبقة الكادحة، من الفقر المدقع الى متوسطة المعيشة والاعتيادية، ولذلك تكون التوجهات والاعتقادات والافكار والايديولوجيا التي يحملونها لم تستند على حالتهم الاقتصادية وواقعهم المعيشي بقدر انتمائاتهم العقيدية والفكرية والدينية، وهذا ما يحتاج الى مراحل وجهد مضني للخروج من هذا الخلط والتخبط والتعقيد الذي  تعيش فيه المجتمعات، وهنا يصعب التاكد من الميول والتوجهات السياسية الحقيقية لهذه الطبقة دون الاعتماد على التركيبة الاجتماعية والمستوى الثقافي، وهذا ايضا ما يصعب التعبئة والتوعية والتوجيه في اي موضوع كان من اجل  اداء دورهم الفعال الحاسم للعملية السياسية.

و في المقابل لم نجد اتجاه او حزب سياسي يستوعب هذه الطبقة او الشرائح ويحمل امالها وامنياتها ويناضل من اجل اهدافها، الا ووقفت هي معه في السراء والضراء بشكل مطلق، وبالاخص في المراحل الحرجة . وهذا ما دعا الى ايجاد وانبثاق جهة تحوي في طياتها وثناياها التركيبية الفكرية على مختلف مشارب الكادحين وتوجهاتهم وما يحملون من الافكار المختلفة او القريبة من بعضها، دون فكر او عقيدة معلبة مستوردة، ويجب ان تتميز هذه الجهة بخصوصية وواقعية وواسعة المعالم والمساحة التي يجب ان تتمتع بها لتتحمل الاختلافات والاراء والمواقف المختلفة والمتناقضة ايضا.

 ومن الجانب الشعبي وعلى الرغم من سيطرة التوجهات والاتجاهات الدينية والمذهبية على عقلية العديد من هذه الطبقة لاختلاف المستوى الثقافي وفقره، الا اننا نحس ما يتبادر الى الاذهان بان البداية تكمن في انتشار الوعي وقد استهلت عملية التغيير في هذا المضمار منذ مدة وتحتاج الى الوقت والمراحل المتنقلة، وعلى الرغم من عدم التعويل عليه في الانتخابات المقبلة بشكل كبير وبنسبة مفرحة بحيث يكون الاختيار حسب الواقع الاجتماعي المعلوم وليس التراصف في الصفوف والانضمام الى القوافل الحقيقية الملائمة للافكار والثقافات التي يحملها الكادح الاصيل اكثر من غيره.

و حسب القراءة والتحليل الاجتماعي السياسي الثقافي العام للمجتمع العراقي في هذا العصر وما هم فيه، لم نتفائل فيما نحن مقبلون عليه بشكل كبير، ولاسباب متعددة ومنها سيطرة الروحانيات والمثاليات وقصر المرحلة الحالية للخروج من الكبت والاتساع من الحرية النسبية، وهذا ما لم يدعنا ان نظن ان ثقل الجهات التي تؤمن بحقوق الكادحين اكثر من غيرها وقد تزداد بين ليلة وضحاها.

و يمكن ان نعلن ان من اهم واجبات ومهامات الاحزاب والاتجاهات العلمانية في المرحلة القادمة هو الاهتمام بالثقافة العامة اكثر من السياسة من اجل التاثير على المسيرة الاجتماعية والثقافية للمكونات وفي مقدمتها الكادحين كي يختاروا  الممثلين في العمليات الانتخابية المقبلة استنادا على ما يهمهم ومستقبلهم بعيدا عن الارتباطات الاجتماعية العقيدية الضيقة. ويجب ان نعلم ان الكادحين ينقسمون بشكل واضح على الاحزاب والاتجاهات التي يمكن ان تكون بعيدة عن تحقيق امالهم وامنياتهم الحقيقية في الوقت الحاضر لاسباب سياسية اجتماعية اقتصادية معلومة وكما ذكرت من قبل، ونحتاج الى التغيير في كافة الجوانب وبالاخص وفي المقدمة نها امكنية تغيير العقليات والزمن كفيل والجهود المضنية ضامنة في ذلك كي تسلك كل طبقة ما تهمها دون تضليل او خداع له من اية جهة كانت، اي الوعي والثقافة والعقليات المنفتحة هي التي تصوب طريق هذه الطبقة، لكي يختاروا بعقلية عصرية تقدمية ملائمة و من اجل ضمان مستقبلهم والتقدم والتنمية فيما يخصهم في كافة المجالات . 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1266 الخميس 24/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم