أقلام حرة

قصة البغدادية والشرقية

fakhry mashkorالقصة المأساوية التي حصلت معي هي التالية:

كنت في بيتي اعيش عيشة هادئة مستقرة قبل ان تقتحم البيت بعد منتصف الليل عصابة سرقة فتحت نيران اسلحتها لقتلنا جميعا. ولما لم أكن مسلّحاً، وكان الهجوم مباغتاً لي اثناء النوم فقد اضطررت لإيقاظ الكبار من افراد اسرتي، وحمل الصغار منهم وهربنا من الباب الخلفي للنجاة بحياتنا متسترين بالظلام.

في الشارع لاحت لي سيارة اشرت لها بلهفة وإلحاح فتوقفت. كانت السيارة باصاً يجلس فيه الى جانب السائق شخصان (تبيّن لاحقاً انهما شريكان للسائق).

قلت للسائق : انقذنا، تحرك بسرعة....لصوص مسلحون هجموا علينا، وهم يريدون قتلنا لإخفاء جريمتهم. خذنا الى مكان آمن... أو خذنا الى مركز شرطة أولاً.

استجاب السائق فوراً فصعدت مع الناجين من اسرتي وتحرّك بسرعة مبتعداً عن منطقة الخطر.

حمدنا الله على نجاتنا من القتل، وشكرنا السائق على فعل الخير وبقينا نردد كلمات الشكر له قبل ان يستوقفه اثنان قالا له انهما ايضا من محلتنا وتعرضا الى السرقة من نفس العصابة فوافق على ركوبهما ايضا، فجلسا في آخر الباص بينما كنا نحن خلف السائق مباشرةً.

كانت السيارة تسير دون ان نعلم اين تتجه، فقد كان ظلام الليل يحجب الرؤية والامتنان من السائق يمنعنا من التفكير بطول الطريق والجهة التي يسير بنا اليها. لذلك لم يساورنا الشك في نية السائق وصاحبيه اللذين كانا يتحدثان معه بصوت خافت اثناء قيادة السيارة ونحن لا نعلم ما يدور بينهم.

لكن طلوع اول ضوء للفجر كشف لنا اننا نسير على جادة ترابية في صحراء قاحلة، ولما سألناهم الى اين هم ذاهبون بنا قالوا: ان وراء هذه الصحراء القاحلة بساتين وانهاراً وظلالاً وثمارا، وأننا سنصلها عن قريب، وان الطريق اليها يمر بالضرورة من هذه الصحراء. وكدنا نصدّق ما قالوه لولا ان زوجي همست في اذني قائلةً انها فقدت سوارها الذهبي.

وقبل ان تظهر عليّ معالم الدهشة سألني ابني الكبير الذي يجلس جبني: بابا، هل أنت اخذت حافظة نقودي من جيبي؟

ادركنا على الفور اننا وقعنا في شرك عصابة اخرى سلبتنا بقايا ما نملكه مما استنقذناه من العصابة المسلحة.

اعترضنا على السائق فسحب على الفور مسدسا وقال: اياكم ان تتحركوا.

اصبحنا في موقف حرج. ماذا نفعل؟ مقود السيارة بيدهم، والسلاح بيدهم، وبقية اموالنا وذهبنا بيدهم، ونحن عُزّل وفي صحراء قاحلة.

قررنا ان نتصرف بعقل. تفاهمت مع ابني الاكبر بالعيون لا باللسان. اظهرنا الاستسلام للأمر الواقع وتظاهرنا بالنوم من شدة التعب فاطمأن اللصوص الثلاثة وواصلت السيارة سيرها.

بعد لحظات قفز ابني باتجاه السائق وبحركة سريعة انتزع منه المسدس فرفع اللصوص الثلاثة ايديهم معلنين استسلامهم.

التفت ابني قائلا:

بابا، ماذا نفعل الان؟

صاح احد الاثنين الجالسين في الخلف: اقتل السائق.. اقتل السائق بسرعة.

وصاح الآخر: اطلق النار ايضا على مخزن وقود السيارة واحرقها...انها سيارة اللصوص وهي اداة الجريمة.

من نوعية التوجيهات التي اصدرها الاثنان الجالسان شككت بهما، يريدان احراق السيارة ونحن في صحراء يموت فيها عطشا من ينقطع به الطريق، ويريدان قتل السائق - دون شريكيه- لتختفي اسرار الجريمة ويسدل الستار على باقي المجرمين من مشاركين ومساعدين.

حدّقت النظر بهما فعرفت انهما كانا من ضمن الملثمين الذين كانوا مع العصابة المسلحة التي اقتحمت بيتنا.

اعاد ابني السؤال: بابا ماذا نفعل؟

قلت له: واصل حمل المسدس باتجاه اللصوص وإياك والغفلة، وانتما ايها اللصوص ابقوا في مكانكم ومن يتحرك منكم نقتله. وانت ايها السائق لا تترك مكانك خلف عجلة القيادة.

صاح الاثنان من الخلف: اقتل السائق.. اقتل السائق هذا لص، هذا مجرم..اقتله...انه يستحق القتل.

وصاح الآخر: احرق السيارة انها سيارة اللصوص وهي اداة جريمة وليست وسيلة نقل.

قررت ان افضح نوايا الاثنين الذين يجلسان في الخلف.

قلت لهما: واذا قتلنا السائق فمن يعود بنا الى المدينة من سيقود السيارة؟

قالا: انت... انت تقودها...نحن نثق بك

قلت لهم: استطيع ان اقود سيارة صغيرة، ولا استطيع قيادة باص

قالا بصوت واحد: أنا....أنا.....أنا أقود الباص.

هنا انكشف الهدف من الدعوة الى قتل السائق بسرعة....انهم يريدون الجلوس محله ليقودونا الى جهة اخرى اتفقوا عليها مع العصابة التي هاجمت بيتنا، او يريدون احراق السيارة وهم متفقون مع اخرين تصل سيارتهم لانقاذنا! كما انقذنا اللصوص الثلاثة!

قلت لابني: لا تقتل السائق ولا تقتل شريكيه الذكيين اللذين اختارا صاحبهما الغبي المتستر بمسبحة ولحية وخاتم عقيق ليضعاه خلف المقود لكي يحمّلانه وحده مسؤولية اختطافنا وسرقتنا، بينما يسرقان المال والذهب وهو منشغل بالقيادة مسرور بموقعه في المقدمة ليقولا بعد ذلك ان الذي سرق هو انسان متدين، وأن المال المسروق عنده وحده، اما الاثنين اللذين لا يدّعيان الدين فهما من السرقة براء، ثم يدعون الى قتله بسرعة لكي لا يعترف عليهما.

اجبرنا السائق على قيادة الباص الى المدينة وبالتحديد الى مركز الشرطة التي لابد ان تحقق في العلاقة بين اللصوص الثلاثة وتكشف كل سرقاتهم، وتجبرهم على كشف شركائهم المخفيين وعملائهم الهاربين، وبذلك نضمن نجاتنا من الصحراء والقبض على المجرمين لينالوا جزاءهم العادل.

ادرك الاثنان الجالسان في الخلف اننا عرفنا خطتهما، فاخرج احدهما مكرفونا اسمه البغدادية واخرج الاخر مكرفونا اسمه الشرقية وبدءا بالصراخ: اقتلوا السائق، احرقوا السيارة، اقتلوا السائق، احرقوا السيارة...السائق لص سرقكم باسم الدين.

ردَّ عليهم ابني الصغير: السائق الشيعي سرقنا باسم الدين، فماذا عن السارق السني والسارق الكردي؟

اجابا: ان الدين هو السبب....نريد سائقا لا دين له. رجل الدين لص يسرق الشعب باسم الدين

مددت يدي الى المذياع ففتحته فانطلق صوت رجل الدين يدعو الشعب الى الثورة على الفساد وفضح اللصوص والقبض عليهم ومحاسبتهم ويحذّر من الفوضى واسقاط المؤسسات والهرج والمرج.

806-arifعرفت لماذا تريد البغدادية والشرقية إبعاد رجل الدين عن المشهد الجماهيري...هذه الابواق تريد تنسيقيات على غرار تنسقيات "الثورة السورية"، وتريد ان تمارس دور الجزيرة والعربية لكي تبيع العراق الى "اصدقاء الشعب العراقي!" كما باعت قطر والسعودية الشعب السوري لـ"اصدقاء الشعب السوري!" وتريد استبدال صوت السيستاني الذي يقول :" السنة ليسوا اخوتنا بل هم انفسنا" بصوت العرعور والقرضاوي والعريفي وباقي العراعير والمقاريظ والـ"معاريف".

عرفت لماذا تريد الابواق البعثية التي تحاول ركوب موجة المظاهرات أن تقول للناس: ايها المتظاهرون: حلّوا الحكومة...حلّوا البرلمان..حلّوا القضاء....اقتلوا ...دمّروا...هاجموا المؤسسات.... اضربوا ...اقذفوا بالحجارة....اسقطوا الدولة واشيعوا الفوضى، فالحل هو الفوضى والفوضى وحدها هي التي تعيد لكم حقوقكم وتعمّر بلدكم.

المرحلة القادمة في مشروع الشرقية والبغدادية هو: "التنسيقيات!" التي تستلم اجهزة الاتصالات المتطورة من الخارج، تليها مرحلة ضرورة تسليح المتظاهرين للدفاع عن انفسهم بعد ان عجزت المطالبات السلمية !!

وستكون مشافي اسرائيل وتركيا حاضرة لاستقبال جرحاهم.

شكرا للبغدادية والشرقية...شكرا لمخابرات صدام....شكرا لفدائيي صدام...شكراً للحرس الجمهوري .... شكرا لحزب البعث العربي الاشتراكي... شكرا للجالسين في اربيل وعمان ودبي والرياض والدوحة واسطنبول ...شكرا لقطر والسعودية...

شكرا لكم على هذه الوصفة المجرّبة في كل دول الربيع العربي

 

فخري مشكور

 

في المثقف اليوم