أقلام حرة

تكمن المشكلة في استقلالية العمل او عدمه

في اكثر الاحيان بين اغلبيتهم من حيث البناء الفكري والتركيبي والخطاب والمواقف والاراء الصادرة من قناعاتهم حول المواضيع الاستراتيجية وحتى اليومية في العراق. ويمكن ان يوصف الوضع الحالي بالتخبط والفوضى في التنظيم السياسي العام او العملية السياسية في البلد باكملها، وربما تكون الحالة خلاقة كما يدعي البعض ويعتقد بان يستقر الوضع العام على ما تترسب من الحال وفق التصنيفات المعلومة في تعريف الجهات وما يحملون. اي يمكننا ان نصنفهم من اليسار الى اليمين وما بينهما من الوسط  والليبرالي وما يدور حولهم، هذه ما نتلمسها وكيفما وقعت وطالت ليس بمشكلة، لا بل التعددية هي الحالة الطبيعية ويستند التقدم المنشود على وجود شرط التنافس والصراع السلمي العلمي المستقيم بينهم، والمطلوب التوضيح لما نريده من الاستقلالية  لهم حسب ما يدعون وما يتصفون انفسهم به وما يمتلكون في حقيقة تركيبتهم وجوهرهم، والمحدد والمقياس الصحيح هو قناعة الشعب بهم وبالذي يعتقدون انه الحقيقة وما يقدمون عليه ويعملون به ويثبتون للجميع مدى فرض انفسهم على الارض ويقتنع المجتمع بضرورة وجودهم، ويجب ان يكونوا قدوة خلاقة في دفع المجتمع نحو الامام وان يكونوا في طليعة المضحين في مسيرة التطور والتنمية المتعددة الجوانب لابناء الشعب ان كانوا صادقين غير تابعين ومستقلينبمعنى الكلمة.

العامل الرئيسي الهام والركيزة الاساسية والجذرية في نجاح اية جهة هو استقلاليتها بكل معنى الكلمة من حيث ظروف انبثاقها وكيفية تاسيسها وما تحملها من مقومات العمل والنجاح والحيوية والقدرة على اصدار القرارات وبيان المواقف تجاه القضيا الاستراتيجية وما تفرزها الساحة يوميا، نظرا لتسارع الاحداث المتكررة وسرعة الانتقال للمراحل وظهور المتغيرات في كافة المجالات وجوانب الوضع السياسي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي العام في العراق. هنا لا اريد اقحام كافة المقاهيم في الموضوع بقدر توضيح ما اقصده وما اعنيه بالاستقلالية بحد ذاتها في كافة الاوقات ولجميع الجهات وما تتطلبها المراحل المختلفة من الاعتماد على الذات والاصالة في العمل وسلك الطرق المختلفة لتحقيق الاهداف العامة وما يتطلع اليه الشعب العراقي اعتمادا على النفس .

 لو دققنا اكثر في تركيبة الجهات فاننا نلاحظ ان سيطرة اليمين لازالت طاغية على الوضع السياسي العام ولاسبابها المعلومة من حيث الوضع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي القائم، ولاي فرد مهما كان موقعه او صفته في المجتمع له الحق في ان يشكك في ادعائاتهم وصفاتهم وما يفرضه الواجب الصحيح على شكل عملهم وتعاملهم وعلاقاتهم وصراعاتهم ونظرتهم الى الحياة والمجتمع ،و هم الاكثر حجما وثقلا، ولذلك الدخول في عملية كشف الاستقلالية هؤلاء سيجرنا الى المتاهات غير المنتهية، ويحتاج العمل في هذا الجانب الى جهد مضني كبير ولابد ان يبدا وبمتابعتهم وبتلمس ما يقدمون عليه على الارض الواقع، ولحد الان لم يتاكد اي مواطن من صحة ادعائات العديد منهم استنادا على ما يصرحون به حول الشؤون العامة بمختلف جوانبها.

اما الوسطيين او الليبراليين، فهم من التيارات الجديدة على الساحة ولا يمكن التعويل على ما يطرحون في الجوانب الفكرية وهم في بداية الطريق ويحتاجون الى تثبيت الذات ويعتمدون على المثاليات في خطاباتهم، لانهم يعتمدون على ما يسير عليه اقرانهم في الدول الاخرى ودول المنشا، هذا ان لم يكونوا اصلا مقلدين لهم او انبثقوا من اجل تكرار تجاربهم وما يحدث في ارضيتهم الاصلية ويريدون تطبيق الافكار والاطروحات بمناهج اكثريتها معلبة ومستوردة دون النظر الى الواقع الذاتي وما يتطلبه وما فيه من الخصوصية في الصفات والسمات، وكما فعل اليساريون من قبل. وكذلك لقصر مدة ظهورهم وتاسيسهم وعملهم لا يمكن الحكم عليهم وعلى استقلاليتهم بشكل نهائي وخصوصا لازالت المرحلة التي نمر بها متنقلة والدول التي تؤمن بالمباديء الاساسية التي يحملونها متواصلة في علاقاتها ولها اليد الطولى في المسيرة السياسية لبلدان المنطقة .

اما اليسار، والذي له جذور ومرً بتاريخ طويل حامل للاحداث وفي طريق مليء بالتعرجات والاخفاقات من جهة اخرى، والنجاحات من حيث التحزب ومظاهره واشكاله وكسب الجماهيرية ونشر الفكر والايديولوجيا من جهة اخرى، الا ان التقليد والاستيرادات وما فرض من قبل المنشا او الام اثر بشكل سلبي على الاستقلالية التي تعنينا نحن في هذا الموضوع وحتى في الكثير من الاحيان فرضت التبعية دون ارادة الذات ولاسباب سياسية .

هناك من التعاريف العديدة المختلفة لليسار وبيان هويته وفلسفته، الا انه يمكن ان نستدل عليه، على ما يمكن ان نعتبره التنظيم الذي يمكن ان يتوائم مع كافة المواقع والمجتمعات ويتحمل الفكر والعقيدة والفلسفة التي تتحمل التاويل والتفسير المتعدد والذي يمكن ملائمته وتكييفه مع ما يمكن ان تكون فيه مجتمعات العالم . وما يحمله اليسار من السمات وهو الجهة التي تعمل على كسر التحفظات والغوص في حالات سياسية  متعددة وهو الذي يستند دوما على الغيير والتقدم والحركة المستمرة ولم يلتزم بالعادات والتقاليد القديمة المعيقة للتطور والتنمية، وهو الذي ينتقد باستمرار السلطة والنظام الموجود من اجل توسيع مساحة الحرية  في التعبير والنشر والانتخابات والعلاقات والعمل الديموقراطي ويعمل على دفع الشعب نحو العلمانية، ومن جانب اخر هو الرائد والقدوة في الدفاع عن حقوق المراة والمساواة وتوفير الحياة الحرة الكريمة للفرد مهما كان تركيبته وافكاره وبالاخص الكادحين والفقراء المعدومين، فلا يمكن ان يستند على ما يامره الاخر في النضال من اجل تحقيق هذه الاهداف، ولابد ان يكون مستقلا في هذه المرحلة وغير ما كان يلتزم به من قبل وللظروف المعلومة من وجود المعسكرين، ولابد ان يكون مستقلا في قراراته لتنفيذ مهمامه حرا، وهذا لا يعني الالتزام المطلق بالفلسفة اليسارية وان لم يتلائم مع المستوى الثقافي او الوعي العام في كل زمان ومكان. ويمكن تطبيق الافكار والنظرات اجتماعيا بوجود الاستقلالية للقائمين على العمل في التغيير والتحرر من النمط المثالي المعين. واستنادا على ما سبق من الاتجاهات المتنوعة ومدى التاكدفي استقلاليتهم ونسبتها، فان الفرد غير المنتمي لاي كيان كان والذي يفرض عليه العديد من المباديء المؤطرة والمحددة لتحركه من العقيدة والمباديء والايديولوجيا بشكل عام، سيكون اكثر استقلالية في عمله سوى كان يساريا او يمينيا او من الوسط الواسع المتعدد الاتجاه.

اذن ليست المشكلة في تفسير مفهوم الاستقلالية، وانما عدم الامكان في ربطها باتجاه يساري او يميني ووسطي، وبينما الشكوك تحوم دائما حول الاكثرية لانهم هم المعرضون لفقدان استقلاليتهم وما يحتاجون الى الساومة في السياسة، وهم الان في بداياتهم في العراق ولم يثبتوا مصداقيتهم في هذا الجانب على ارض الواقع .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1267 الجمعة 25/12/2009)

 

في المثقف اليوم