أقلام حرة

إمبراطورية الصفيح العصرية

عرفوا كيف يرسمون الابتسامة على وجوه الدُّمى، مثلما عرفوا طباعة الدموع على خدود المشرَّدين، التي غيرتها شمس النفايات القاسية، كما جمَّلوا الدُّمى وزينوها لِتنشغِل قلوب الناظرين المتحجرة، عن تلك الأجساد العارية التي أكل الجوع عظامها، وصمدت أمامَ صقيع الشتاء ولهيب الصيف وظُلم السُرّاق لها، في إمبراطورية الصفيح العصرية.

إمبراطورية، قامت على جماجم الأحرار؛ لِيحيا فوقها الأشرار، كم من فقيرٍ فيها عاش؛ وتناوش لحمهُ الأوباش، تُسقى الورود بدموع الأيتام؛ وتَنسج أحلامها بخيوط الظلام، تُغتصب أرضها وسط النهار؛ ولا تُلحَق بأهلها أيُّ عار.

إمبراطورية، فيها من الآلهة من يمتهن زيف الكلام وتسويف الحقيقة، حتى تزهق أرواح العبيد الرخيصة، قرابين لِمجدهم، وتَعمد هذه الآلهة على إذلالهم وإخراسهم، فيما تأخذ المتأسلمين منهم، العزَّةَ من أجلِ أسلمة آثامهم.

إمبراطورية، تُفتَحُ فيها أفواه الطمع فجراً، لِتلتَهم قوت الفقراء المحرومين، من لذَّة العدالة والمساواة، بينما يقف الحمقى على أعتاب الباطل، يلعقون فُتات الحرام من صحون الخديعة والمكر.

إمبراطورية، يتسلَّقُ فيها الوصوليون أكتاف بعضهم، من أجل اعتلاء قمَّة الأجرام، بيدَ أنّ الناس أخذوا بأكلِ بعضهم، من أجلِ إيجاد فُرصة التنفس في مناجم الحياة الخانقة.

إمبراطورية، يَعتَرِشُ فيها الكذب على دماءِ الصادقين، ودماء من تسنَّم المناصب فيها نَتِنة، لا يُطيقُها الموت، وتهرب الشياطين من خزيها، ويندمُ التأريخ لِذكرها، قابعةٌ في وحل فشلها المُستمر.

إمبراطورية، تَنفجر في ميزانياتها أرقام غير مألوفة، وتتَحسَّرُ في بيوتها أجوافٌ غير مطروقة، يَتربصُ الجوع بالمساكين لِغرضِ إذلالهم، ويَهتك المرض بهم من أجل إضعافهم، يطلبون المنية ولا يُعطون، ويتمنونها ولا يجدون.

يَطَّلع الموت عليهم، فَيُملئ منهم رُعباً، ويولّي منهم خجلاً، خوفاً من مسكَنتهم، وعندما يُجبرُ على المجيء، يكون رءوفً بهم وعطوف عليهم، ويأخذهم برقةِ غير معهودة !.

لا يُنازعون عندَهُ ولا يتألمون، ولا يمرُّ بهم على سكرات الموت المؤلمة، فيُشظَّي أجسادهم رحمةً بهم حتى لا يُكلِّفهم مراسيم الدفن، مع علمهُ بعدم امتلاكهم شبراً واحداً في أرض الوطن المبعثر.

إمبراطورية، تَطفوا على كنزِ الدنيا، وعِيالها يفترشون الشوك ويَقطنون بيوت الصفيح، أصدق ما سمَعوا فيها أنوائها الجوية، وأكذب ما رَأوا منها، حملاتها الإنتخابية.

 

تحسين الفردوسي

    

في المثقف اليوم