أقلام حرة

أمجاهدون وثوار أم مجرمون وأشرار؟

jafar almuhajirالصراع بين الحق والباطل أزلي لايتوقف في أي عصر من العصور ومن خلال هذا الصراع المستمر يُشهر دعاة الباطل والعدوان كل أسلحتهم اللاأخلاقية لحجب الحقيقة عن عيون وعقول الناس. ومن أهم هذه الأسلحة التي يحاربون بها من أجل تثبيت باطلهم هو المال والإعلام إضافة إلى الشراسة والعدوانية التي تلازمهم دائما لشراء ضمائر أكبر مجموعة من البشر حتى ينضموا إلى معسكرهم. واليوم يرى العالم كيف إن دعاة هذا الباطل وعلى رأسهم حكام آل سعود وآل ثاني وأردوغان العثماني وأبواقهم قد أشهروا كل أسلحتهم، وغرقوا في عدوانيتهم وتزييفهم للحقائق حتى الثمالة، وأخذوا يطلقون كلمة (ثوار)على شراذم إجرامية دموية خدعوها بأموالهم ودعايتهم ودعوات وعاظهم فتقاطرت من بلدان كثيرة لتمعن فتكا وتدميرا وحرقا في وطن كان المثل يضرب في استقراره.    

ولو دققنا في المعنى الإنساني لكلمة (ثائر) وجمعها (ثوار) و(ثائرون) لوجدناها كلمة نبيلة ترمز إلى الشخص الذي يثور ضد الظلم والاستبداد. ويهدف من ثورته إقامة العدل ونبذ الفساد والطغيان، وإسعاد بني قومه ، والحفاظ على كرامة الإنسان من خلال الإيثار والتضحية بالنفس في سبيل الآخرين وهي الصفات التي يتميز بها الثائر الذي يسعى لأن يعيش كل إنسان في وطنه آمنا مطمئنا سعيدا دون خوف وتهديد وبطش . والتأريخ حافل بالثوار الذين انحازوا إلى جانب شعوبهم وضحوا من أجلها،فباركتهم تلك الشعوب وتفاخرت بهم ، ومجدت مآثرهم ونقلتها للأجيال جيلا بعد جيل من خلال الكتب المدرسية والمناسبات الإحتفالية بذكرى مولدهم ، وقد أشاد بكفاحهم الشعراء والأدباء والمؤرخون ، وتغنوا ببطولاتهم وتضحياتهم ليكونوا قدوة لأجيالهم. وأسماء هؤلاء الثوار كثيرة وتعرفها شعوبهم الحرة التي نفضت عن نفسها غبار الذل والعبودية عن طريق أولئك الثوار الذين دافعوا حتى الرمق الأخير عن حقوق شعوبهم المشروعة.

ومن هوان الدنيا ومهازل القدرأن تحاول الكثير من وسائل الإعلام التابعة لحكام غرقوا في ظلمهم وفسادهم وطائفيتهم ولا توجد دساتير تحاسبهم تشويه معنى هذه الكلمة الطاهرة وإلصاقها بقطعان بشرية ضالة لاتعرف في قواميسها غير الانتقام والذبح والحرق والدمار جلبتها أموال ودعاية هؤلاء الحكام   لينفذوا أجنداتهم وأجندات أسيادهم الساعين لإشعال حرب طائفية لاتبقي ولا تذر في المنطقة.وحين يطلقون كلمة (الثوار) على هذه القطعان المتوحشة فإنهم يتجنون عليها وعلى كل خلق إنساني قويم. ويسقطون في حضيض الدجل والسقوط. ولا يمكن لعاقل في هذا الكون أن يصدق إن نظاما ملكيا متعفنا مستبدا يحكم بلغة القرون الوسطى يتبنى (معارضة معتدلة ) في بلد آخر لتأسيس نظام ديمقراطي فيه.    

وحين يرتكب وحوش العصر المجرمون جرائمهم في أرض إسلامية كانت آمنة مطمئنة بعد أن كان الناس يذهبون إلى أعمالهم ويعودون منها بكل حرية وأمان وتتحول هذه الأرض إلى رصاص ودم ودمار باسم نشر (الديمقراطية) تارة وباسم (الجهاد) تارة أخرى فمن واجب العالم المتحضر أن يكسر جدار ألصمت ويقف بكل قوة بوجه هذا المد الظلامي الأسود ووسائل دعايته ، ومن واجب علماء الدين الحقيقيين أن يعقدوا مؤتمرا عالميا ليرفعوا أصواتهم ضد هذا الزيف الذي تجاوز كل الحدود وانتشر على أثره خطر هذه القطعان الإرهابية كانتشار النار في الهشيم وأخذ ينتقل إلى بلدان أخرى نتيجة المال والسلاح الذي   يغدق عليها من هذه الأنظمة الدكتاتورية التي تملك الثروات   البترولية الهائلة بدلا من تسخيرها في عمليات التنمية والبناء ومكافحة الفقر وهذه الجرائم بحق الشعوب ليست بعيدة عن العقول السليمة الغير ملوثة بعمى الألوان الذي تسببه الطائفية المقيتة التي تغلي في نفوس هؤلاء الحكام.

إن ما يجري على الأرض السورية الدامية منذ أكثر من أربع سنوات من قبل هذه الشراذم ألدموية والضباع الضارية التي تقاطرت على هذا البلد من 80 دولة باسم الجهاد الذي تنادى له وعاظ السلاطين والفضائيات الطائفية الضالة التابعة لأشد الحكام طائفية وهضما لحقوق شعوبها هو ظلم فادح لم تشهده البشرية طيلة تأريخها بعد أن استهدف المجرمون الحجر والبشر في هذه الدولة التي كان شعبها يعيش أمانا وسلاما قل نظيره في دولة من دول الشرق الأوسط ، وحققت الاكتفاء الذاتي لشعبها وأخذت تصدر المنتجات الصناعية والمحاصيل الزراعية للدول المجاورة رغم بعض الجوانب السلبية في نظام الحكم أسوة بالأنظمة العربية جميعها التي لم تمنح لشعوبها يوما أدنى درجات الحرية. ولا يمكن أبدا محاربة الظلم بظلم آخر أشد قسوة وإيلاما على الشعوب بعد أن أجهز أعوانه المجرمين على الأخضر واليابس ، وهجروا الملايين من وطنهم، واستباحوا كل المحرمات في الأرض السورية .

وخدمة للحقيقة أقول لقد عشت في القطر العربي السوري خمس سنوات بأيامها ولياليها وتنقلت خلالها داخل هذا البلد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وكانت المساجد والكنائس عامرة بأهلها تفصل بينها أمتار قليلة ويدخلها الناس زرافات ووحدانا دون أي خوف أو وجل من أحد . ولم يكن هناك أي اضطهاد لطائفة دينية أو عرقية كما تدعي وسائل إعلام آل سعود وآل ثاني وأردوغان العثماني سوى ( أخوان المسلمين ) الذين أشهروا السلاح بوجه النظام فقابلهم بالمثل.

واليوم تُشن حربا طائفية نكراء على هذا البلد منذ أكثر من أربع سنوات، بحجة إنقاذ أهل السنة من الحكم العلوي أو النصيري كما يسمونه في سوريا، وأغرى وعاظهم قطعان الجريمة ليتقاطروا إليها بالآلاف حاملين معهم كل أوضارهم ونتانتهم وحقدهم، وأطلقت عليهم إمبراطورياتهم الإعلامية إسم (الثوار ) و(المجاهدين ) كذبا وحقيقتهم على الأرض تقول إنهم أبشع وأحط من آكلي لحوم البشر.وأعداء لكل فضيلة وقيمة إنسانية.

وإني لأعجب من مملكة يدعي ملكها إنه يقود العالم الإسلامي ويأمر وسائل إعلامه أن تكذب على الله ، ويتنابز وعاظه بالألقاب دون خوف من الله . حيث قال الله في آيات بينات:

بسم الله الرحمن الرحيم:

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.) الصف7

وقال سبحانه في آية أخرى:

بسم الله الرحمن الرحيم:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.) الحجرات. 13

وفي نفس السورة يقول الله سبحانه:

بسم الله الرحمن الرحيم:

( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .) فأين حكام آل سعود وعاظهم وأبواقهم من هذه الآيات وهم يدعون إنهم ينهجون الإسلام دينا ومعتقدا.؟

لقد اشتدت هجمة هذه الفضائيات الطائفية، وفتحت مصاريع أبوابها لتجار الفتاوى الضلالية ليعودوا إلى دعوة( الجهاد ) مرة أخرى ولكن هذه المرة ضد روسيا ( القيصرية ) وضد كنيستها الأرثودوكسية التي بدأت حربها ( الصليبية ) ضد المسلمين.) كما يدعون على أثر الضربات الروسية القاصمة لأوباشهم ولمواقعهم وكهوفهم. فأخذوا يطلقون أباطيلهم التي ماأنزل الله بها من سلطان وعلى سبيل المثال فقد إدعى أحد هؤلاء في محطة الكذب والضخ الطائفي المستمر وهي محطة الجزيرة وجعل من نفسه ناطقا باسم الشعب السوري قائلا:

(إن المتعطشين إلى الجنة بالملايين في هذا العالم وهم يتأهبون للجهاد ضد هذه الحرب الصليبية الروسية على الشعب السوري.) وقد قال شبيه له في هذه المحطة الطائفية قبل ذلك:

(إن الجهاد في سوريا يعادل معركة بدر الكبرى ضد كفار قريش.) ولو كان نبي الإسلام حيا لآشتكى إلى ربه من هذه الضلالات الجاهلية العمياء التي يدعو إليها هؤلاء. أما العدو الصهيوني الذي يقتل الفسطينيين ويدنس المسجد الأقصى فأمره مختلف بالنسبة لهم .

لقد أخذ وعاظ الدولار والريال يوزعون مفاتيح الجنة لقطعان المجرمين الذين يسفكون أنهارا من الدماء في سوريا بعد أن قصمت الضربات الروسية الجوية ظهورهم وفيهم أربعة آلاف إرهابي مجرم من دول الإتحاد السوفيتي السابق يحاربون ضد الجيش السوري. كل ذلك يحدث لأن الضربات الجوية الروسية أخذت تجهز على مواقع هؤلاء الإرهابيين وتوقع بهم وبقياداتهم خسائر فادحة جعلتهم يطلقون صرخات الإغاثة لأسيادهم لكي ينقذوهم .  

 

وقد تحولت دعوات هؤلاء الوعاظ وفتاواهم الضالة إلى رسائل رعب وتخويف من الإسلام الذي هو أبعد مايكون عن أهدافهم الخسيسة الوضيعة بعد أن أصبح الملايين من المسلمين الذين يعيشون في دول الغرب متهمون حتى تثبت براءتهم نتيجة هذه الجرائم الهمجية التي يقوم بها هؤلاء الأشرارالذين يطلقون عليهم إسم (الثوار) ظلما وعدوانا.

فيا حكام آل سعود وأذنابهم لقد قتلتم شعب اليمن ودمرتم بنيته التحتية بعاصفة حزمكم المخزية وتهددون اليوم الشعب السوري بعاصفة حزم أخرى بعد أن أخذت حصون عملائكم تسقط الواحدة بعد الأخرى ولا أدري من الذي خولكم بالهجوم على هذا البلد أو ذاك ؟ وهل يوجد رئيس في العالم يشعر بأدنى المسؤولية نحو شعبه   يتنازل عن السلطة وسرطان الإرهاب ينتشر في أرض وطنه.؟  

إن فتاوى (الجهاد) التي أطلقها وعاظ السلاطين في مملكة آل سعود هي تشويه تام للجهاد الحقيقي الذي أمر به الإسلام ووضح شروطه وموجباته. وما هي إلا دعوات للقتل والدمار وتأييد للحاكم الفرد المستبد وتمثل في حقيقتها خيانة كبرى للدين الإسلامي والإنسانية جمعاء.لأنها رسائل حقد طائفي أعمى تقدم خدمة كبيرة لأعداء الإسلام من الصهاينة والأمريكان. وكنت أتمنى ويتمنى معي كل مسلم أن يمتلك هؤلاء الوعاظ أدنى شجاعة الدعاة الحقيقيين يتجرأ أحدهم ويرفع صوته يوما ضد حاكمه الباغي الذي يريد أن يقود الأمة العربية والإسلامية إلى متاهات طائفية لايعلم مدى خطورتها إلا الله؟ وقد قال رسول الله ص:

( أفضل أنواع الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )  

إن وعاظ السلاطين هم الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان الأمة الإسلامية من الداخل، لأنهم يسخرون أوباش الأمة وجهالها لكي يتقاطروا إلى البلد المعين المراد تدميره ، وقتل أبنائه باسم ( الجهاد) على أرضة.ولا يوجد شعب في العالم أن يكون رهينة لأبشع الحكام وأشدهم ظلما ليحققوا له الديمقراطية المزعومة.

فإلى أين تسيرون بالأمة أيها الوعاظ الظالمون المتفيقهون.؟ وأين أنتم أيها الشياطين من كلمة الحق ودعوة الإخلاص للدين ، وقد عشتم طوال أعماركم على موائد السلاطين والملوك، وأتخمتم بطونكم بالمال الحرام ؟

وأخيرا لماذا تغمضون عيونكم وتسدون آذانكم عن ممارسات الكيان الصهيوني وحماته وتصدرون فتاواكم الوضيعة بـ ( الجهاد ) المستمر في أرض عربية ليطلق شذاذ الآفاق شهواتهم في القتل الأعمى والدمار ثم تطلقون عليهم إسم (الثوار) جزاء بما ارتكبوا وما يرتكبون من آثام وجرائم يندى لها جبين الإنسانية خجلا.؟ وما هم إلا مجرمون وأشرار رغم فتاواكم الضلالية وأنوفكم وأنوف ملوككم وسلاطينكم وأبواقهم وأسيادهم من الصهاينة والأمريكان.

 

جعفر المهاجر

 

في المثقف اليوم