أقلام حرة

هل ولّــى عهـد العَـزيزين؟

almahdi mohamadقد يكون من سخرية الأقدار، أن ينتهي المطاف بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى كرسي متحرك، يدفع به أينما شاء المكلف بتوجيهه، في حالة يرثى لها، تعز على العدو قبل الصديق، نحن نربأ بأنفسنا عن التشفي  أو اللمز والهمز كما يفعل الآخرون، لأنه ليس من شيمنا ولا من أخلاقنا ذلك، ولكنه الواقع المقدور،الذي لا مهرب منه .. رئيس ميت حي، يُخاصَمُ الآخرون باسمه، ويُحابَى آخرون باسمه، وهو في كلتا الحالتين، لا علم له بالمرّة بذلك، لأنه ـ مع الأسف ـ أُريدَ له أن يتقمص دورا خارج الوقت الأصلي للمسرحية، أي في الوقت الميت، ورغما عن إرادتـه .

وقد تكون نهاية عبد العزيز المراكشي المأساوية نفسها، هي من سخرية نفس الأقدار .. فها هو الإبن العاق لوطنه، وقبل ذلك، العاق لوالديه، يموت ويدفن بعيدا جدا جدا، عن كل ما يمت بصلة إلى وطنه وعشيرته،( والموت هنا بمعناه الهيجلي، نسبة إلى الفيلسوف الألماني هيجل) إذ يموت موتة الطريد، ويُدفن دفن الغريب .. ولم ينعه بالنيابة طبعا، سوى معلمه وأستاذه في العقوق ونكران الجميل، برسالة لم يكتبها عزيز العسكر، ولا وقعها، بل قد لا علم له بها بتاتا، مثلما قد لا يكون له علم حتى بموت صنيعته المدلل،عزيز الجمهورية الوهمية .

وقد تكون من سخرية الأقدار أيضا، أن يجتمع العزيزان على عقيدة الشذوذ والعقوق معا، فقد كان عزيز العسكر وعزيز جمهورية الوهم،كلاهما من مواطني المملكة المغربية في يوم من الأيام، حيث ولدا على أرضها، وتلحفا بسمائها، وارتويا من مائها، وتعلما في مدارسهـا، لكنهما – مع الأسف- تنكرا لكل ذلك، وانقلبا على عقبيهما ناكثين، ليعُضّا اليد التي مدّت لهما، وليتنكرا لخير صنيع أهلها، وحسن وفادة شعبها، ولا يأتي ذلك السلوك المُشين، سوى اللئيــم من القوم، الذي تَرَدَّتْ به وَضاعَتُه إلى الدَّرَك الأسفل من الخِسّة والقذارة،وهو ما قصده بالضبط شاعر الحكمة، أبو الطيب المتنبي في قوله المأثور :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته xxx وإذا أكــرمت اللئيم تمرد

كما أنه من سوء الأقدار نفسهــا، أن يجتمع العزيزان على شيء أهم من هذا وذاك، ألا هو حُبُّ العَسكر .. الحكامُ الحقيقيون للجزائر، الذين كانت لهم اليد الطولى في صناعة العزيز الأول، وترسيم مساره السياسي القديـم، سواء تحت مظلة ولي نعمته الأول،الرئيس الراحل هواري بومدين، أوتحت إمرة جنيرالات الشرّ والحرب القذرة، وفي مقدمتهم الجنيرال العماري والجنيرال خالد نزار .. كما كانت لهم نفس اليـد في صناعة العزيز الثاني، واستعماله في حربهم القذرة ضد مصالح المغرب الحيوية، والتشويش عليه، وتسخير عميلهم "العزيز" هذا في كل ما يضر بمصلحة وطنه الأصلي المغرب ومصلحة شعبه، حتى أضحــى كمن باع نفسه للشيطان، فكان جزاؤه الخسران المبين في الدنيا والآخرة .. فلا هو نال حُلمه برئاسة دولته المزعومة، ولا هو نال رضا والديه،وكفر عن عقوقه لهما . فأغلق على نفسه بابا كان بإمكانه أن يخفف منه عن كاهله، شيئا من أوزاره وأدرانه، فلبث على عهده مع ذات الشيطان إلى أن غادر دنيـانا إلى دار البقاء، من غير زاد، وبئس المصيــر .

فما الذي ربحه العزيزان معا من هذه الدنيا، بعد كل هذا المسلسل الطويل من المناورات والعداوات والدسائس، سوى لعنة الشعبين الشقيقين، ولعنة التاريخ، الذي لن ينسى لهما، سوء صنيعهما، صنيع رَهن المنطقة المغاربية برمّتهـا بنزاع مُفتعل، بإيعـاز من أعداء شعوب المنطقة كلها، من ليبيا إلى موريتانيا ..أعداءُ العروبة والإسلام، وعملائهم من حفدة الحَرْكيين، وخُـدّام الاستعمـار . هؤلاء وهؤلاء، الذين يسعون دائما إلى رؤية المنطقة وشعوبها في ذيل الأمـم، عبر تجزيئ المجزء وتقسيم المُقســم . لكن مزبلة التاريخ، ستظل دائما في انتظار سماسرة الأوطان، وباعة

الذمــم، مهما مَكَرُوا .. ويبقى للأيام الزّاحفة نفاذُ القول والعمــل .

 

محمد المهدي ـ تاوريرت

 

في المثقف اليوم