أقلام حرة

فخري مشكور: ايها القادة.. تعلّموا من اردغان

fakhry mashkorقبل الدخول في صلب الموضوع لابد من رفع الالتباس في فهم العنوان، لكي لا يتحمل القراء والكاتب تبعات سوء الفهم.

***

اقصد بالقادة: كل الذين يمارسون العمل السياسي:-

• سواء كانت ممارستهم السياسية مباشرة ام عن طريق وكلائهم (وحياً او من وراء حجاب)

•  وسواء كانت دوافعهم المعلنة دنيوية ام دينية

• وسواء كان هدفهم المشاركة في السلطة ام ابتلاعها

•  وسواء كانوا مرتبطين باجندات خارجية ام كانوا وطنيين

•  وسواء كانوا حزبيين أم مستقلين

• وسواء كانت احزابهم واضحة مكشوفه لها اسماء معروفة، ام كانت احزاباً خفية تتلبس بعناوين تمويهية:عائلية وثنية، أم دينية اسلامية أم عراقية وطنية

•  وسواء كانوا يستعينون بالبعثيين المكشوفين ذوي الشوارب، ام بالبعثيين المستورين ذوي اللحى. 

 

وأقصد بأوردوغان: السياسي التركي الذي حصل على السلطة بالدعم الشعبي مرتين:

• المرة الاولى (قبل سنوات)، بعد ان كان رئيسا لبلدية اسطنبول

• والمرة الثانية (قبل ايام) حين كان محاصراً من قبل الانقلابين

وأقصد بكلمة تعلّموا:  سياسته الداخلية مع شعبه (لا سياسته الخارجية) لتكتشفوا سر وصوله الى السلطة في المرة الاولى وفي المرة الثانية، فهذا سر يشبه السحر، لانه في المرتين كسب السلطة دون ان يستعين بحزبه، ولا بعائلته، ولا بتفجيرات في الاسواق، ولا باغتيالات لشركائه في السلطة، ولا بالانشقاق عن رفاقه في الكتلة السياسية، ولا بالتآمر مع جهات اقليمية او دولية.

في المرتين التي وصل فيهما اردوغان الى السلطة استعان بالشعب الذي كسب ثقته عن طريق النزاهة وتقديم خدمات ملموسة له عندما كان رئيس بلدية في اسطنبول،  ثم عندما اصبح رئيساً للحكومة في انقرة.

• بهذه الثقة من شعبه فاز في الانتخابات وصعد الى كرسي الحكم في المرة الاولى.

• وبهذه الثقة من شعبه عاد الى السلطة بعد ساعات من الانقلاب ضدّه حين دعا الشعب الى الخروج الى الشوراع ليهزم الانقلابيين ويعود الى كرسي الحكم في المرة الثانية.

هل هذا سحر؟ ام انه سلوك طبيعي؟

هل هذا يتطلب عبقرية نادرة؟ ام يكفيه اقل قدر من الذكاء؟

هل هذا مستحيل التطبيق؟ ام ممكن؟

هل كان يمكنكم ان تفعلوا مثله فتستغلوا فرصة تسلقكم الى المواقع الوزارية والبرلمانية ومجالس المحافظات والسفارات والمديريات العامة ومئات أو آلاف المناصب والمكاسب التي حصلتم عليها بسبب العمل السياسي فتقدموا خدمات حقيقية للناس تكسبون بها ثقتهم لكي يضعوكم في السلطة عن طريق الانتخاب ثم يعيدوكم اليها اذا فقدتموها بانقلاب؟

***

لقد استلمتم (جميعاً وبلا استثثناء تقريباً) حصصاً كبيرة من السلطة والثروة لكنكم (جميعاً وبلا استثثناء تقريباً) لم تقدموا للشعب خدمة حقيقية، بل اعتبرتم تلك المناصب والمواقع فرصة نادرة للعمل من اجل مصالحكم لا مصالح الشعب، وحوّلتم الثروة الوطنية الى اموال شخصية لكم خارج العراق بدل ان تحوّلوها الى مشاريع عامة داخل العراق يستفيد منها مالكها الاصلي(الشعب العراقي).

بهذا اصبحتم (جميعاً وبلا استثثناء تقريباً) في نظر الشعب العراقي شخصيات مكروهة خانت الامانة، وفرّطت بالشعب والوطن، ولصوصا مطلوبين للعدالة، ينتظر الشعب بكم فرصة مناسبة للانقضاض عليكم للانتقام منكم واستعادة ما سرقتموه من امواله (على اقل تقدير).

                             ***

لا يغرّنكم أنكم اليوم في أمان لأنكم محاطون بشريحة من الاعضاء، او طبقة من الاقرباء، او جمهور من الدهماء...فحاشيةُ المَصلحيّين الى انفضاض، ونوم المغفّلين الى استيقاظ، وسوف يأتي اليوم الذي تزلزل بكم السياسة زلزالها وتُخرج المنطقة الخضراء أثقالها، وستلاحقكم الجماهير وتلقي في قلوبكم الرعب فريقاً يقتلون ويأسرون فريقا، .... سيصلون اليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، وسينزلونكم من صياصيكم وقلاعكم المقدسة وغير المقدسة، فتولّون هاربين كأنكم حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة... تبحثون عن ملجأ أو مغاراتٍ او مُدّخلٍ تولّون اليه وانتم تجمحون...وما ذلك اليوم ببعيد....انكم ترونه بعيدا ونراه قريبا.

                              ***

لقد فاتكم ان تتعلموا من اردوغان في الماضي القريب لتحصلوا على ما حصل عليه من الضمان في الامس القريب حيث أعاده الشعب الى السلطة معززا مكرما.

لكن امامكم اليوم فرصة لتتعلموا منه ما ترحضون به عار وشنار ماضيكم وتأمنوا على مستقبلكم، وتتجنبوا المصير الاسود الذي ينتظركم في الدنيا والاخرة.

اتريدون النصيحة؟

إذاً اسمعوا:

لقد جمعتم من الاموال الحرام ما لا تحتاجون اليه، ولا ينفعكم اذا وقعت الواقعة ورُجّت الارضُ رجّا، فخير لكم الآن أن تستخدموا نفس هذه الاموال الحرام للنجاة في الدنيا من انتقام الناس، وفي الاخرة من عذاب الله

يمكنكم ان تصرفوا هذه الاموال في مشاريع خدمية عامة يستفيد منها فقراء العراق وذلك بتأسيس :

• دور ايتام تؤوي مئات الالاف من ايتام العراق

• مراكز صحية لعلاج الفقراء الذين لا يستطيعون توفير تكاليف العلاج، او في المناطق التي لم تصلها الخدمات الطبية

• صناديق خيرية للقرضة الحسنة (بدون ارباح) تقرض العاطلين القادرين على انشاء مشاريع استثمارية صغيرة لينفقوا على عوائلهم

• معامل تستوعب العاطلين وتسد حاجة المستهلك الفقير

• قروض إسكان، او بناء مساكن وبيعها لذوي الدخل المحدود باقساط مريحة تنقذهم من جحيم الايجار

• مدارس نموذجية تستقطب الاذكياء لتعدهم كرجال دولة لكي لا يقع العراق مستقبَلاً بيد امثالكم

• مراكز ثقافية ومؤسسات بحثية ومنتديات فكرية تنقذ الشعب من الجدب الفكري والتصحّر الثقافي (الذي هيّأ لكم شريحة المؤيدين الذين تأنسون بهم ويأنسون بكم)، وتعدّ جيلاً بعقلية تخطيطية تنقذنا من الارتجالية والقرارات العشوائية في العمل الحكومي

                               ***

ان اغلب هذه المشاريع قابلة للتنفيذ اذا كنتم حريصين على انفسكم، ناظرين الى مستقبلكم...وما عندكم من اموال مكدسة في بنوك عقارات ومشاريع دبي وبيروت وعمان ولندن وغيرها يكفي للعديد منها، ولو فرضنا انكم لا تملكون ما يكفي للعديد فان القليل خير من الحرمان.

إذا قمتم بانشاء هذه المشاريع فإن الشعب سوف يشهد سلسسلة من الاعمال الخيرية تغفر لكم ذنوبكم وتكفّر عنكم سيئاتكم وتخفف بالتدريج من حقد الناس عليكم وستبدّله - بمرور الزمن، وبعد ان يشعر الناس ان ما سرقتموه منهم عاد اليهم على شكل خدمات – تبدّله الى الى حزام أمان في الدنيا ووسيلة نجاة في الاخرة.

إذا أخذتم بهذه النصحيحة ثم تبدلت صروف الزمان ودارت الدنيا باهلها والسياسة برجالها فسوف يقف الناس معكم كما وقفوا مع اردوغان...

فهل انتم فاعلون؟

هذه نصيحتي لكم،

 فهل تعيها اذن واعية؟

ام  ان اموالكم ستكون تفسيرا لقوله تعالى:

يوم يحمى عليها في نار جنهم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.... هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون؟

 

د. فخري مشكور

 

في المثقف اليوم