أقلام حرة

ايران تغلي وستكتمل الطبخة

استدامة الحال وتتم تاجيجها بين الحين والاخر، وتاكدت من ان الاسباب غير ما تعلن والاهداف ابعد مما تطرح على الساحة. عندما بدات الاعتراضات والاحتجاجات الواسعة في الشارع الايراني بعد الانتخابات الرئاسية وما افرزته النتائج وما اطفى الى السطح ما هو المكبوت القديم الجديد، وشددنا القول اكثر في تحديد الاسباب الحقيقية لما يجري وبينا ان الحجة التي وفرت الارضية للانطلاقة مجرد الكبريت لاشعال الوقود المتوفر منذ امد طويل وليس السبب المعلن ذاته اليوم، وحتى ما حدث لم يكن نتيجة رد فعل بل مجرد التفكير القليل فيه يبين انه الدفعة الاولى للعملية، وهي سياسية فكرية عقيدية متنوعة ومختلفة الاسباب والعوامل، ومهما كان نوع المشعل فان الاحتجاجات كانت ولحد اليوم حاصل عمل ما اقدمت عليه السلطة الايرانية طيل عقود. واليوم بعد هدوء نسبي لايام، نرى مجددا بمرور اية مناسبة تشتعل الساحة وتُستغل كحجج وتعاد الكرة مرات، وربما اشد بعد كل مرحلة، وهذا ما يثبت قولا وفعلا ما ذهبنا اليه ايضا من ان العملية الاعتراضية مستندة على مجموعة غفيرة من العوامل والظروف الموضوعية والذاتية التي ليس لها حتى اية صلة تذكر بالحجج المعلنة اوما يحدث على الارض بشكل مطلق، اي الدوافع متراكمة منذ امد نتيجة انعدام المستوجبات الضرورية للعملية السياسية الحقيقية العصررية الصحيحة الملائمة مع المتغيرات العالمية من الحرية والديموقراطية والانفتاح والعدالة الاجتماعية والمساواة التي اصبحت شعارات كافة الاحرار في العالم، وفي المقابل استمرار السلطة في نهجها استنادا على ايجاد معوقات تلك الاهداف العامة، ووقفت ضد العوامل المشتركة للمظلومين في العالم، واصرارهم على السيطرة على الاوضاع الداخلية الايرانية بوسائل لم تتلائم مع العصر الجديد وما تتطلبه العولمة، وارتكانهم في زاوية ضيقة مستندين على المصالح الخاصة للمقربين باستغلال الوسائل المتوفرة لديهم للحكم الشمولي وسيطرة الشخص المؤله والكاريزما السياسي العقيدي الايديولوجي والقمع بكافة الطرق الملتوية، وبقوة لاتحصى من قوات الامن معبئة فكريا ودينيا لمحاربة الاراء والمواقف والاطروحات المغايرة لما يعلنه او حتى ينويه الاخر، واستخدام كافة الطرق لاسقاطه مهما بلغ الامر من خرق للحقوق الانسانية والقتل والدمار، ومن اجل بقائهم على قمة السلطة والحكم لمدة اطول فقط والبقاء على الوسائل والطرق والقوانين كما هي دون تغيير او اصلاح .

ان كانت هذه الاحتجاجات السلمية من قبل عموم الشعب سائرة كما هي ودامت لاشهر ولم تتمكن السلطة المتنفذة الممتلكة للامكانيات الغفيرة المادية والبشرية من اخمادها واطفائها نهائيا، فلم تمر مناسبة الا واستغلت للتعبير عما يشيج في الدواخل واستغلت من اجل اشعال جذوة ما سكنت مؤقتا، فلابد للحكومة ان تعيد حساباتها وتقيٌم ذاتها وماهي عليه وتعتبر من التاريخ الايراني المليء بالهيجانات المؤدية الى الانتفاضات العارمة والثورات، وعليها ان تقرا ما يجري بعقلانية وتاني والا لابد من ان تمنع المناسبات العديدة المتكررة الموجودة في تقويمها السنوي والتي اعتمدتها هي لاغراض سياسية، وهذا غير ممكن.

و نشاهد تطورا وتحولا نوعيا كبيرا للاعتراضات من المطالبات السياسية البسيطة البدائية والتي لم تستقبلها وتحلها السلطة منذ البداية الى العمل الى سقوط النظام القائم وارتفعت الشعارات ضد الرموز التي كانت من المحظورات على الجميع حتى الامس، وانكسرت الحواجز الباقية في عمل المعارضة نهائيا، وسفكت دمائا اكثر وهذا مما يزيد من فرص اعتلاء الاصوات والخروج الى الشارع واستغلال الممارسات الدينية والاجتماعية من قبل المعارضة، واطالة الاعتراض رغم ممارسة السلطة لابشع الطرق في التصديات وفشل محاولاتها لكبت ما تمكنت منه من قبل، ويمكن ان يعلم الجميع ان الطريق التي تسير اليه ايران باتت واضحة وخرجت زمام الامور من تحت الايدي والقبضة الحديدية التي امسكت بها بالقوة المفرطة، وتظاهرات هذه الايام وما رافقتها احدثت هزة كبيرة لجميع الجهات وفرضت ما لم ترد السلطة ان تصل اليه من الشروخ وصرفت جهدا في منع وصول الحال الى ماهي عليه الان.

 انزلقت السلطة الايرانية الى الهاوية ولاول مرة بهذا الحجم منذ بداياتها الاسلامية  دون ان تعلم، وارغمت على ان تستعمل اشد الطرق من القمع منذ اليوم  الاول ولم تفدها بعد وكلما اتجهت الى القسوة ستتلقى ردود فعل اكبر وليست في حسبانها كما اعتقدت من قبل انها انهت ما حدث، وان تمكنت من اخماد الاحتجاجات لمدة قليلة وفرضت حالات الطواريء فانها ستصطدم باخرى بعد الهدوء النسبي كما حصلت هذه الايام.

و هذا ما يدعنا ان نقول ان الظروف الماساوية التي حلت بالشعب الايراني من جميع الجوانب وما حلت بالمرحلة الجديدة وما رافقتها الاحتجاجات والتظاهرات العارمة قد اقتربت كثيرا من قمتها للوصول الى نهاية المطاف، وان لم نكن معتقدا ان النهاية قد بدات فعلا لاسبابها العديدة، والتاخير في الوصول الى المبتغى لها الاسباب والعوامل التي رسختها العملية السياسية طول حكم السلطة الحالية واستنادها على العقيدة والمثاليات اكثر من غيرها،  وان وصلت الى النهاية تعني بداية لانهاء السيطرة العقيدية الدينية وتكون مثالا واسبقية للتغيرات المقبلة، وما نشاهده هو عدم نضوج ما يتمم العملية ويساعد على الانتقال الى جميع مناطق ايران، وليس بشكل مقتضب ولمناطق معينة كما يحدث اليوم، ويجب ان يكون بنفس المستوى من الشدة والعمل .

و ما يعتقد عدم اندماج كافة الفئات والطبقات والمكونات لاسباب عديدة وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية التي لازالت مانعا وتفرض على العديد البقاء في موالاتهم للحكم لحد اليوم، ولكن نسبة الاعتراض والاحتجاج في ازدياد مستمر مما  تزيد من وقود العملية ولم تصل لحد مشاركة القوى العسكرية والوقت اللازم للدفاع عن الشعب وليس السلطة.

بعدما خفت حدة الاحتجاجات الماضية لمدة، اقدمت السلطة على القمع والتعسف والبحث عن الناشطين وعقوبتهم، وكان ظنها الاكبر انها تمكنت من انهاء فتيل الاعتراضات  نهائيا، واخطئت واضرت بنفسها اكثر، ولكن ما بدر من المعارضة خلال الايام الماضية اقلبت ما ذهبت اليه السلطة راسا على العقب، ولابد لها ان تفكر بشكل ادق وجوهري في ايجاد الحلول التي خرجت من تحت ايديها وان كانت مستحيلة لانها وصلت الى حال لا رجعة فيها، وان القراءات الاولية تظهر لنا ان النظام ابتلى بعمله بفعل يده وقراراته وشدته،بحيث تعلق في الوحل ولم يتمكن الخلاص، وان اراد التحسن لابد من ان يعلن عن الاخطاء التي ارتكبتها وتعيد النظر و تبدا الاصلاحات والتغييرات والتي تجلب مع نفسها ايضا المستجدات التي يمكن ان تفلت الامور ن تحت ايديها وتصل للتغيير الكامل خلال المراحل القادمة، وليس من المؤكد ان يبقى النظام على ما هو عليه اليوم بعد المرحلة لحالية في ظل اكتساح الاحتجاجات العدد الاكبر من المحافظات، وهذا ما يدفعنا الى ان نعتقد ان الغليان قد ازدادت في حدتها وفارت المياه التي ستكتمل الطبخة بها، وباقترابنا من المرحلة التي تبدا بظهور مستجدات اخرى وما هو المخبأ ستتوفر من العوامل الضرورية لايجاد واكمال الوسائل التي تحتاجها العملية المتعددة الجوانب، وسنرى النهاية مهما طال الزمن.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1271 الثلاثاء 29/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم