أقلام حرة

بسام فاضل: صحونا فوجدنا أطفالنا شهداء وكبارنا أصابهم العقم.. معضلة الشرق

لمحة عامة: في العشرين من شهر مايو2014م شددت الرحيل الى المكلا عاصمة محافظة حضرموت للمشاركة في الذكرى العشرين لإعلان فك الارتباط يوم 21-مايو1994م .

كنت ورفيقا رحلتي هائمون بالتمتع بالهواء النقي لساحل بحر العرب وصحاريه الشهباء وكان رفيقي يزيدان ولع لانهما يتعرفان لأول مرة على هذه المناظر وزيارة المكلا الغناء.

يحل الوجوم وتتغير الملامح عندما استوقفتنا نقطة تتبع اللجان الشعبية في محافظة ابين، والتي تنتشر العشرات منها على امتداد الساحل وكنا قد مررنا منها بالعديد إلا ان هذه النقطة حملت المشاعر التي سوف اسردها بأمانة تاريخية .

طلب منا ان نحمل معنا فتئ لا يتجاوز عمره الثانية عشره الى المحطة اللاحقة، كان الفتى اشعث الشعر حالك السمرة، بادية عليه وقع اشعة الشمس الحارقة في صيف هذه المنطقة الجرداء إلا من حجارة سوداء لامعة وكثيبات رملية تعلوها شجر الصداع وبعض من سيسبان هرم.

سلم علينا، كان يحمل دبة ''آنية للماء'' سالته مباشرة ماذا تعمل هناء وسط هذه المحرقة التي لا يحتملها من هم في مثل سنك .

أجاب أنا فرد من أفراد اللجان الشعبية المنتشرة حتى أطلال محافظة شبوه، وكانت تلك الاشهر ذروة في سجال المعارك بين اللجان الشعبية وحركة أنصار الشريعة الإسلامية .

ذاهب إلى سوق شعبي حيث تقع هناك قدير ماء أتزود للنقطة الأمنية.

لماذا تشترك في الحراسة وأنت في مثل هذا العمر الصغير وتخوض حرباً أنت غير آهل لها؟

قال :يدفعون لنا براتب شهري نحن في أمس الحاجة له بين الخمسة عشر والعشرين الف ريال ...

أنتهى حديثنا وأثناء مسيرنا عبر النقاط المتبقية من خط الساحل قبل أن نصل حدود محافظة شبوه منطقة العين تكررت المشاهد لأطفال يحملون البندقية ممشوقي القوام يرتكزون في النقاط الأمنية .

عدى مشاهد القتل شبه اليومي التي يرتكبها الاحتلال اليمني في مدن الجنوب بحق الكثيرين، منهم صبية لا يتجاوزو الثالثة عشره قتلوا عمداً مع سبق الاصرار والترصد لعلنا ذكرنا في تقرير سابق عن حقوق الانسان بعض منهم .

إلا أننا نتطرق هنا الى وقود الحرب منهم والذين يستخدموا كدروع بشرية وتطالهم توحش القنابل والصواريخ والرصاصات عمدا وخطاء .

لم يحدث أن جند الجنوب طيلة فترة حكم دولته قبل عام 90م أطفال أكان في صفوف الجيش أو اثناء المواجهات المسلحة وأسس مدارس خاصة بحمايتهم وكفالتهم إلى التخرج من الدراسة الثانوية ثم يتم التحاقهم كلاً حسب ميوله وتفوقه ومن يعجز عن مواصلة التعليم ينتظر حتى أكتمال السنوات التي تجيزه لأداء الخدمة في القوات المسلحة .

في المواجهات التي كانت تتم بين المقاومة والجيش اليمني حرصت المقاومة على حياة الشباب على كثرتهم في المسيرات السلمية حرصت على أبعادهم عن حمل السلاح رغم الطبيعة البدوية التي تميزوا بها في حمل السلاح واجادة استخدامه .

شكلت الحرب نافذة لحصد أرواح عشرات الأطفال ما دون الخامسة عشره وكانت البداية عندما فتحت مخازن الاسلحة على مصراعيها دون حسيب أو رقيب وتهافت المئات لأخذ غنيمتهم من السلاح المكدس وعذرهم مواجهة الخصم الغازي القابع عند عتبات الوطن، وكانت بداية المحرقة أنفجار الجبل ''جبل حديد ''والذي أفنيت عشوائية التزود المئات كان من بينهم أطفال لاأعتقد أن هناك من تتبع العمر الزمني لكل ضحيه عدأ من كشوفات عامه تحمل فقط الاسم والمكان السكني للضحية .

استأثر الكثير بأسلحة قتالية متنوعه ودفعهم حسهم الوطني لتشكيل صفوف مقاومة مع منهم أكبر سناً جل هؤلاء من الذين سبق لهم اكتساب الخبرات العسكرية عبر الأباء والاخوان وبدافع وطني وتحت غض الطرف عن كونهم أقل من السن التي توهل للقتال والسن التي يجيزها القانون الدولي وتراقبها المنظمات الدولية الإنسانية .

ذهب منهم العشرات ولو دققنا في تفاصيل الشهداء لراينا أن العمر المدون بين العشرين والخامسة والعشرين وهذه الاعمار المدونة في مجملها تأخذ بأعلى تقدير بينما في حقيقتها فان الجزء الاوفر يقع تحت سن الثامنة عشره وحتى من الذين كانت اعمارهم فوق العشرين فانهم لا يرتقوا إلى مستوى المقاتل المتمكن للدفاع عن نفسه فمستوى تدريبهم لم يكن سوى تلك اللحظة التي حمل معها البندقية وتشكل اللياقة عائقا امام تحركاته .

قلت أن الدافع للقتال كان الوطنية والروح العالية للدفاع عن الوطن ورغم أنهم أبلوا بلاءً حسن بهذه الروح إلا أن ما ذكر أعلاه أصابهم في مقتل بين شهيد وجريح وتسببت لهم في أعاقات جسديه وهم في مقتبل العمر، ستشكل لهم الإعاقة ازمة في حياتهم العملية والحياتية في ظل عدم أهتمام من الجهات الراعية للحرب ولعدم اتمام تحرير الدولة المستقلة الجنوبية التي تمكن من تأهيلهم التأهيل المناسب والرعاية التامة .

كان للجشع الاسري دور كبير في ذلك من ناحيتين :

الأولى أنهم أحبوا الاصوات الداعية إلى توفير معونات ماليه ودفع رواتب أكبر بأضعاف من ما قد تجلبه الوظيفة العامة التي يفتقدوها، في زمن البطالة الجامحة .

عزوف الأباء وأرسال أبنائهم نيابة عنهم شكل الطامة الكبرى أمام حالة الانتشار الواسع للمقاتلين الشباب ومن هم أقل من سن القتال .

قبل أن يتدخل الجيش العربي بصورة مباشرة وقبل أن يأتي المدد كانت الحرب غير متكافئة وكانت أرواح الاطفال تحصد في المواجهات المباشرة وفي الاستهداف الموجه للمدنيين والنازحين فأكثر من نصف المدنيين في المركب قبالة الحسوة هم من الأطفال والقصر .

وعندما أتى الامداد واشتعلت المواجهة ضراوة كان الجانب الآخر من مليشيات عقائدية وقبليه قد جندت في صفوفها الالاف من الصبية القصر، وأرواحهم ومن تركهم تتوق للفيد وأرضاء لسيد الحرب وكان تفكيره هو إبهار العالم بتلك الأفئدة الطرية فكان السندان من جهته تحصد ارواح صغار الجنوب والمطرقة من جهة التحالف تدك رؤوس جيل القرآن حسب تسمية المليشيات .

محمد يسكن البريقة عمره سبعة عشر عام قتل في مواجهات باتجاه بئر احمد.

الفتى الصغير القادم من جبال لودر أبن الخامسة عشره والذي قاتل إلى أن وصل عدن محرر بالكاد يجر بندقيته جراً .

الحالمي الذي قتل في مشارف نهم ما الذي أرسله إلى هناك وقد أنقضت الحرب في دياره وعمره أقل من 18 ربيعا هل تخلت الأسر عن حماية أبنائها أم أن الأبناء أكتسبوا ثقافة الصرفة وحب الغنائم .

كان الصغير صقر العولقي من محافظة شبوه يلتقط صورته الأخيرة مع أخواته الصغيرات قبل أن يقادر متوجها إلى بيحان ليحررها ممن عجز الجيش والشرعية الصورية عن تحريرها فقتل هناك وهو لم يبلغ حلمه ...

لعل المنظمات الحقوقية والأنسانية الأخرى قد أخذتها نشوة الحرب وحماستها فجردت خنجرها إلى تشمير سواعد الأطفال للحرب بدلاً من تحذير الأباء من التمترس في الأمكنة الآمنة وترك الأبناء يحصدون نارها .

 

.................

الشكروالتقدير لمن ساهم في امدادي بالمعلومات وتوثيقها من الاصدقاء والصحف والمواقع الاخباريه .

صحيفة وموقع عدن الغد ..

صحيفة وموقع الامناء

موقع يافع نيوز ..

 

بسام فاضل 

 

في المثقف اليوم