أقلام حرة

الفوضى الخلاقة والارهاب

ali mohamadalyousifبقي ولازال مفهوم شعار الفوضى الخلاقة مبهما ملغزا، وهل هو شعار سُخرية وتندّر ام شعار جدية واصرار؟ واول ما يتبادر للذهن ايحاء الشعار باللاعقلانية في صياغته المتناقضة بين الفوضى وبين تخليق واقع او ظاهرة او شيء جديد. ويتبادر إلى الذهن ايضا انه من المشكوك فيه تحقيق مضمون هذا الشعار المتناقض ان لم يكن فيه سخرية سياسية. فهل من الممكن استيلاد نوع من التخليق الجديد عن الفوضى المنظمة وغير الخلاقة!؟ وهل تكون الفوضى منظمة منضبطة احيانا، وكيف؟ وهل شعار الفوضى الخلاقة مكتفيا بذاته بمعنى هل هو هدف ام وسيلة ام كليهما معا؟ لبلوغ اهداف سياسية معينة.

وهل وهو الاهم بالمستطاع المقدور جعل مثل هذا الشعار ميدانا تطبيقيا عمليا، يقود إلى نتيجة تحقيق تخليق هدف منظم مقبول مستوف شروط وجوده وتخلقه؟ وما علاقة الفوضى الخلاقة الامريكية بظاهرة التطرف والارهاب، وكذلك ما علاقة التطرف ببعض ثورات الربيع العربي التي حدثت في الشرق الاوسط، وتخلق عنها ثورات ربيع عربي مهجنة لاتزال الفوضى الخلاقة تعبث بها.

المهم الفوضى هي فوضى قبل مستطاعها التحول إلى (خلاقة) وموضوعة الفوضى الخلاقة لها صلة وثيقة بالتطرف السياسي والارهابي. ان لم تكن تعتاش الواحدة على الاخرى بالتبادل التوظيفي السياسي.

هنا نركز في هذه المقالة على مفهوم او ظاهرة التطرف الفوضوي غير الخلاق، اذ لم نشهد هناك تطرفا خلاقا جاءنا بجديد مقبول، وبات التطرف من المسائل المصيرية المقلقة التي تعيشها معظم اقطار الوطن العربي، واجزاء واسعة من العالم اليوم، و(التطرف) بمعنى اللاعقلانية في التعامل السياسي والاجتماعي والثقافي، ومع وسائل واساليب الحياة كافة ايضا، واستهداف القانون والمؤسسات الحكومية القائمة وصولا إلى جواز تخريب موارد البلد، وتهديم مرتكزات بناه التحتانية، فأصبح اقرب إلى الفوضى العشوائية.ووحشية وجرائم لم تشهدها البشرية.

والتطرف السياسي هو فرض هيمنة من اللامشروعية واللانظام بوسائل العنف والقتل والاكراه. لفرض واقع قلق مهزوز مرعوب على الدوام في مجتمع معين، بسلطة القوة الغاشمة والجريمة والتدمير.

التطرف هو على الدوام (ارادة) سياسية عقائدية، تأخذ مسلك احادي الجانب، يدعي اصحابه امتلاك الحقيقة كل الحقيقة، في كل زمان ومكان، وهم يمثلون المشروعية المظلومة وسط تلاطم السياسية العربية - الإسلامية المنحرفة الظالمة. وتفرد التطرف بامتلاك الحقيقة لوحده لا تقتصر على السياسة بل تشمل ايضا كل مرافق الحياة، واساليب معيشة المجتمع الضال عن النهج القويم حسب رؤية المتطرفين.

ويشير معظم المحلليين السياسيين الاستراتيجيين، الاصلاء والادعياء منهم، العرب المسلمون والاجانب على حد سواء، إلى أن التطرف السياسي – الديني المذهبي، انما مرده وبواعثه اسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وبالتالي (سياسية)، كالفقر السائد والبطالة المستشرية، والظلم الاجتماعي والسياسي، والتهميش، وتفشي الجهل والتخلف، وتردي حقوق الانسان والخدمات العامة.... إلى اخر ذلك من الاسباب التي تقودنا بالتالي إلى انفجار شعبي، وتمرد سياسي لا يسيطر عليه، ويصعب ايقافه، خاصة حينما يختزل في عقيدة تمذهب ديني، او تزمت ايديولوجي ماضوي، لا يعرف معنى الاعتدال، ولا التعايش مع الاخر، او سماع رأي الاخر المخالف له او التحاور معه.

من وجهة نظرنا كل تلك الاسباب التي مررنا بها على احسن افتراضات الجدية لا تعدو كونها عوامل مساعدة فقط لبروز ظاهرة التطرف – الارهاب. وهذه العوامل مجتمعة لا تصنع تطرفا سياسيا ذا فاعلية كبيرة، تهدد انظمة حكم، وتقوض وتسقط حكومات.

وتلك الاسباب الشعبوية العفوية لا تصنع تطرفا منظما مالم يستند ذلك التطرف على ثلاث مرتكزات اساسية هي غير التي مررنا على ذكر بعضها: المرتكز الاول هو الفهم الايديولوجي السياسي الديني العقائدي الممسك بخيوط اللعبة كافة، وينهل تصوراته واهدافه من منهل مرجعيات ماضوية تاريخية دينية، يستمد منها وسائل ديناميكيته وديمومته في ادارته وسيطرته على متغيرات الحاضر، ووضع اسس وملامح واستراتيجية المستقبل المراد بلوغه. وفي هذا يلعب المبدأ الميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة، والمبدأ النفعي البراجماتي دورا بالغ الاهمية في تشكيل مركز استقطاب (عقائدي) ايديولوجي تحكمه الارادة المنظمة في استقطاب شريحة الشباب تحديداً، فهذه الشريحة الاجتماعية سهلة الانقياد، قاسية التنفيذ، فوضوية التفكير والتصرف، لاتستجيب إلا لما تمليه عليها ايديولوجيا الفكر الديني المتشدد.

المرتكز الثاني: التنظيم او الهيكل التنفيذي لاهداف التطرف وغاياته، على الرغم مما نشهده من تأجيج (متطرف) للشارع على انه يمثل مد جماهيري عفوي لا يستند إلى تنظيم او تمويل او برامج سياسية بعيدة المدى، ورغم طغيان العاطفة وردود الافعال، والمفاهيم الشعبوية القاصرة عن التفكير العقلاني، الا ان ذلك لا يمثل سوى الجزء الطافي من جبل ثلج مظاهر التطرف العقائدية الراديكالية. الذي يخفي وراءه تنظيم سياسي مبرمج وايديولوجيا عقائدية منغلقة، تكون هي المتحكم في المحصلة النهائية على شكلي التطرف العلني (تظاهرات مناوئة عنيفة مصحوبة بأعمال شغب وتخريب وحرق) والتطرف السري (التفجيرات والقتل الجماعي والتصفيات السياسية بالعبوات الناسفة ومسدسات كواتم الصوت، والذبح والتمثيل والوحشية) ومن ثم السيطرة العسكرية المسلحة في احتلال مدن عديدة ومساحات واسعة من الاراضي، ونهب ثروات وممتلكات عامة وخاصة من رادع تحريمي.

فالامور في كل الاحوال لا تخرج عن سيطرة التنظيم والهيكل التنفيذي للحزب او الطائفة او المذهب المتطرف، والهيكل التنظيمي يدير ويمسك بخيوط اللعبة الفوضوية المصاحبة للقتل والاغتيالات، والفوضى الشعبية ليست وسيلة فقط، وانما هي هدف ايضا، تدعمها وسائل تمويل وتسليح وتجنيد وتغذية لوجستية، ليصبح القانون السائد الساري هو اللاقانون، وفكرة اللاقانون تعبر عن نفسها بتعميم واستحواذ السيطرة التامة على عقول الشباب ومرافق الحياة في الشارع التي يجب ان لاتخرج عن (مبدأ اللاعقلانية) في جميع اشكال المواجهة مع الخصم، سواء اكان الخصم حكومة او طائفة اخرى، او ميليشيا معادية....الخ.

المرتكز الثالث: هو الارادة السياسية المتطرفة المسبقة في وجوب ضرورة ادخال المجتمع في نفق الرضوخ والاذعان المطلق في تمثيل سياسة ومبدأ اللاعقلانية، واعتبار ذلك من المسلمات البديهية في ادامة نزعة التطرف مشتعلة، فمن خلال مصادرة ارادة العقل الشبابي، واستبدالها بارادة نشر الرعب والفوضى الاجتماعية، وقطع طرق سريان القانون العادل الشرعي، او الوضعي، في ان يأخذ دوره النظامي المعتدل في تمشية وتسيير امور الحياة والناس، وتعطيل وشل قدرات المؤسسات الحكومية الخدمية وغير الخدمية، مثل المدارس، المستشفيات، نسف انابيب النفط، تعطيل تنفيذ المشاريع والخدمات العامة، ونهب الاموال وجباية الاتاوات.... الخ، على ذلك يصبح قانون الفوضى المتطرفة اقصر وأقسى وسيلة تدميرية يستخدمها التطرف لبلوغ السيطرة التامة على المجتمع، وتحقيق حلمه الاستراتيجي في تغييب العقلانية والاعتدال واشاعة هيمنة اللاقانون في الافعال وردود الافعال. وتقطيع شرايين الحياة في ممارسة التدمير الذاتي لبنية الفرد ثقافيا اجتماعيا سياسيا، وتدمير بنية المجتمع كمرتكزات مؤسساتية حكومية تنظم حياة الناس وتقدم الخدمات الاساسية للمواطن.

ومن الامور الهامة في تصنيع هيكلية التطرف ما يسرده المفكر محمد عابد الجابري فيقول: التطرف رد فعل تقمصي ميثولوجي، بمعنى انه يقوم على تقمص اسطوري لنماذج يختارها المتطرف، ابطالا ووضعيات فيقيم مماثلة بينها وبينه – المتطرف – كبطل ووضعية. وبين خصمه وخصم ذلك البطل والوضعية، موظفا في ذلك نصوصا وشهادات ووقائع تحمل معها مصداقيتها اما لانها دينية، واما لانها تنتمي إلى (الرأسمال الرمزي) للجماعة، كمخايل القبيلة وتراث الاجداد....الخ، ومن المماثلة إلى المطابقة يتحول المتطرف إلى بطل فوق التاريخ، يعلو على وضعيته الاجتماعية الثقافية، ويعيش – صادقا مع نفسه – على مستوى المثل الاعلى، المستوى الذي يتحول فيه كل شيء إلى (عقيدة) يعمل على تعميمها لكسب الانصار وتعبئة الاتباع.

من الامور التي ارغب الاشارة السريعة لها هي قضية المرجعية الدينية الخليجية للارهاب المذهبي السني (تعاليم ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب)، وتمويله ايضا من منطلق جهادي يختزن داخله توجهات سياسية طائفية مكشوفة.

القضية الثانية هي وقوع الغباء السياسي الامريكي في تصنيع ظاهرة الارهاب، من منطلقات سياسية ساذجة في مواجهة الهلال الشيعي في المنطقة، وتدمير المنطقة واغراقها بفوضى ارهابية لم يكن الغباء الامريكي السياسي يتوقعها، وهو مااعترف به الرئيس الامريكي ترامب صراحة في ادانته لسياسة حكومة باراك اوباما في غبائها وترهلها المتردد ازاء قضايا العالم.

 

علي محمد اليوسف

 

في المثقف اليوم