أقلام حرة

فضائح الإخوة الأعداء والآتي أعظم

jafar almuhajirإستغل الملك الفعلي لعائلة آل سعود محمد بن سلمان توقيت زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى السعودية ليطلق سياسة العصا الغليظة بوجه كل من يخالف توجهاته في المنطقة تحت شعار (مكافحة الإرهاب) لتبرئة مملكته منه،وللتغطية على حربه الخاسرة في اليمن ثم لإسكات كل صوت يظهر داخل العائلة الخليجية لايتفق مع نهج حكام المملكة السعودية الجدد نتيجة للدعم السياسي اللامحدود الذي منحه الرئيس الأمريكي ترامب لمحمد مقابل الجزية الكبرى التي قدمها الأخير له والبالغة 460 مليار دولار. وقد تطابق هذا التبادل  مع لب الفكر الوهابي الذي يعتبر الحاكم شخصا منزها من السماء لابد من السير خلفه ومبايعته على السمع والطاعة والمنشأ والمكره مادام حيا.وهو إدعاء يقول عنه معتنقوه إنه مستمد من كتاب الله وسيرة النبي ص والخلفاء الراشدين من بعده، والرافض له مخالف لأمر الله ورسوله ولابد أن يذوق حميم ولي الأمر الذي أختاره الله لحكم الرعية. وهو نهج زعيم داعش أبو بكر البغدادي الذي قال لقد اختارني الله لخلافة المسلمين وعليهم مبايعتي رغم اختلاف الأسماء.وكما قال الشاعر:

عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه

فكل    قرين    بالمقارن    يقتدي

ونتيجة لهذا رفع حكام آل سعود عقيرتهم، وصبوا جام غضبهم بشكل فاق كل التوقعات على حاكم من طينتهم طالما شاركهم  في كل جرائمهم النكراء بقتل مئات الآلاف من الأبرياء في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. لكنه حاول أن يظهر نفسه بأنه اللاعب الأكثر تأثيرا وقوة في الشؤون العربية والدولية. فسكتوا عنه دهرا على مضض خوفا من ظهور فضائحهم على السطح. لكنهم  وجدوا في زيارة ترامب فرصتهم الذهبية ليقدموا أنفسهم على أنهم فرسان مكافحة الإرهاب في المنطقة. فرموا حليفهم الأمير بتهمة (دعم الإرهاب) ليرضوا المقاول الذي وبخهم أثناء حملته الإنتخابية. ولكن هل بإمكان الطبيب المزيف معالجة صاحبه المريض؟ وقد أثبتت كل الوقائع إن الطرفين شركاء في دعم الإرهاب لأعوام طويلة.؟ ومساجدهم ومدارسهم ووسائل إعلامهم   روجت له وهيأت الأرضية الملائمة لتناميه وتغوله. ولم يبق رأسٌ إرهابي إلا وأجرت كوادرهم الإعلامية مقابلة معه على  شاشات فضائياتهم، وتباهوا بتلك المقابلات على رؤوس الأشهاد. رافقتها موجات من فتاوى التكفير لوعاظهم، وخطبائهم في المساجد خلال فترة الحرب الكونية على سوريا والغزو الداعشي للعراق، فوصفوا شذاذ الآفاق الذين زحفوا لقتل الشعب السوري بـ (ثوار الربيع العربي) والغزو الداعشي للعراق بـأنه (ثورة العشائر العربية السنية ضد ظلم الحكم الشيعي في العراق) وكان القرضاوي يخطب في كل جمعة بمسجد في قطر والزبد يتطاير من فمه داعيا كل من هب ودب (للجهاد) في سوريا ومقابل القرضاوي ومن سار على شاكلته في قطر كان هناك العشرات من أمثاله في السعودية يصرخون إن الذي (يجاهد) في سوريا  كمن إشترك في معركة بدر الكبرى. وإنتشر هذا الإرهاب الدموي انتشار النار في الهشيم، ووصل إلى مناطق شتى في العالم. ومهما برأوا أنفسهم وعتموا على ذلك فإن العالم لن ينسى ذلك أبدا.     

ولكن  تلك الجزية الدسمة البالغة 460 مليار دولار التي قبضها ترامب المغرم بالمال هي التي غيرت المسار وهيأت محمد بن سلمان لعرش الملكية ليعلن إنه الرجل الأقوى الذي يكافح الإرهاب، بعد أن أسس حلفا (إسلاميا) من دول متنافرة يبحث زعمائها عن بعض الملايين من الدولارات. وأخيرا وليس آخرا  وجد الفرصة سانحة لتفجير العلاقة المتوترة بين مملكته وإمارة قطر بهذه الصورة العنيفة.

ومن هذا المنطلق بدأت هذه الحملة الإعلامية الهوجاء التي أختلط رأسها بذنبها، ولم تبق كلمة في قاموس البذاءآت إلا وأطلقها الأخوة الأعداء نحو بعضهم البعض، ولم يتأخر واعظ  البلاط الملكي السعودي حين لبى الأمر الملكي فورا كعادته وأصدر فتواه القائلة بأن عائلة آل الشيخ تتبرأ من أمير قطر لأنها علمت أخيرا إنه لاينتمي لعشيرة زعيمهم محمد بن عبد الوهاب  وتلك الفتوى كانت تمهد لإحداث انقلاب داخل العائلة القطرية. وتجاوزت حملاتهم الإعلامية كل  الأعراف بين الدول. وحين غرد ترامب على تويتر مدونا:

(لعل عزل قطر سيكون بمثابة البداية للقضاء على الإرهاب).  أطربتهم تلك التغريدة، واعتقدوا إن أحلامهم  باتت في متناول أيديهم بتغيير الأمير. واشتد سعير حملتهم الإعلامية وأصدرت الإمارات حكما بالسجن لمدة 15 عشرعاما لكل من يتعاطف مع جارتهم قطر وهو حكم قاتل النفس البشرية. لكن بمرور الأيام جرت الأمور بما لاتشتهي سفنهم بعد أن أبرم وزير دفاع ترامب صفقة تسليحية مع قطربـ12 مليار دولار لتجهيزها بطائرات ف15. وظهر التأييد الأمريكي لها فيما بعد لإبتزاز الطرفين ماليا. وبدأ أردوغان بإرسال  قواته إلى الإمارة على وجه السرعة لحمايتها، وبدأت محطة الجزيرة بشن هجماتها المضادة ضد أخوتها السابقين الذين طالما إستضافتهم، ومجدت مواقفهم (المشرفة) في سوريا واليمن والعراق. تلك المواقف المخزية التي أزهقت عشرات الآلاف من الأرواح البريئة في هذه البلدان. وكل هذه الأمور قلبت حسابات محمد بن سلمان والتحالف السائر خلفه رأسا على عقب. ولكن رغم هذا الإحباط استمرت الحملة الإعلامية  بينهم على أشدها. وكمتابع فقد قرأت العشرات من العناوين المثيرة يحجم الإنسان البسيط عن ذكرها  حتى وصلت بعض صفحات الصراع إلى نهش الأعراض. وهذا يدل إن هؤلاء الحكام لايردعهم رادع أخلاقي أو وازع ديني في إتباع أحط الوسائل للإنتقام من بعضهم للوصول إلى أهدافهم بعد أن فرضوا الحصار الإقتصادي على المواطنين العاديين، وقطعوا وشائج القربى بين العوائل المتداخلة مع بعضها، وعبر مفتي عائلة آل سعود عن  حصار مملكته وحلفائها على قطر قائلا:

(إن السعودية بلد إسلامي مستقيم، وممولة للخير أينما وجد.  والقرارات الأخيرة التي اتخذتها المملكة وعدد من الدول ضد قطر أمور إجرائية فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم وهي مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع!!)

أما على الجانب الآخر فقد أصدر مئة عالم سني في إستانبول فتواهم المساندة لأمير قطر وهي: 

(إن حصار قطر حرام شرعا، والمشاركة فيه لا تجوز بأي مبرر  وإيقاع الأذى بشعب كامل بلا سبب شرعي حقيقي أمر حرمته الشريعة في نصوصها المتواترة تحريما قطعيا.) لكن لم تنبس شفاههم بحرف واحد عن الحصار الذي يفرضه حكام آل سعود على شعب اليمن الذي يموت جوعا، وتفتك بأطفاله ونسائه وشيوخه الأمراض الوبائية، وشرد الملايين من ديارهم.  

ولا يدري المواطن البسيط في البلدين أيهما الصادق؟ ومن الذي يتكلم باسم الإسلام الحقيقي.؟ ولو كانوا من مذهبين مختلفين لهان الأمر وقلنا إنه صراع مذهبي، لكن المصيبة إن جميعهم يدينون بمذهب واحد. وكلا الطرفين تورط في سفك دماء شعوب المنطقة بتشجيع ومباركة فاعلة من هؤلاء الوعاظ الذين يتباكون على ضياع الدين والقيم الأخلاقية حين تقتضي مصالحهم فقط.   

وجميع فتاوى هؤلاء الوعاظ المنافقين تتناقض تماما مع مفهوم الإسلام الذي يرفض كل مفسدة وظلم وانحراف عن طريق الحق. والنصوص القرآنية وأحاديث الرسول محمد ص تدحض هذا الإدعاء الكاذب تماما.

لقد أثبتت الوقائع إن هذه العوائل التي تخصص قدرا كبير من ميزانياتها للتسليح،  وتقدم الهبات تلو الهبات من أموال شعوبها للميزانية الأمريكية إن الثقة بينها وصلت إلى الحضيض وإنها مستعدة لأكل لحوم بعضها لو إستطاعت إلى ذلك سبيلا. وهذه هي لغة أعراب الجاهلية الأولى. ومن المضحك المبكي إن كل طرف يدعي إنه الممثل الحقيقي  للإسلام، ويتهم الطرف الآخر بالعلاقة مع الكيان الصهيوني رغم تورطهما في هذه العلاقة.    

وهاهو أحد الممولين للإرهاب يفجر القنبلة التي ثقبت خزان المعلومات الهائل الذي سيكشف للعالم حقائق جديدة عن دعم نظام آل سعود وآل ثاني والسلطان العثماني أردوغان للقتلة الإرهابيين الذين عاثوا فسادا في  سوريا والعراق سوف تضاف إلى الفضائح التي كشفتها وثائق موقع ويكيلكس وعشرات الصحف الأمريكية والغربية والتركية.

فقد صرح رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني  لصحيفة  (فاينانشال تايمز) البريطانية إلى أن بلاده كانت المحرك الأساسي في الأزمة السورية،وانقلبت عليها السعودية لاحقا لتستأثر بالملف وحدها وهذا نص كلامه:

(سأقول شيئا ربما أقوله للمرة الأولى عندما بدأنا ننخرط في سوريا في 2012 كان لدينا ضوء أخضر بأن قطر هي التي ستقود لأن السعودية لم ترد في ذلك الوقت أن تقود. بعد ذلك حصل تغيير في السياسة ولم تخبرنا الرياض أنها تريدنا في المقعد الخلفي. وانتهى الأمر بأن أصبحنا نتنافس مع بعضنا وهذا لم يكن صحيا. وهذا ماحصل في ليبيا بعد مقتل القذافي، حيث دعمت قطر والإمارات فصيلين متناحرين،وفي النهاية كان هناك الكثير من الطباخين ولذلك أفسدت الطبخة.)

ولا شك إن الكلام الذي تفوه به الأمير يؤكد أقوالا كثيرة سابقة  قيلت عن دعم السعودية وقطر للإرهاب.حيث قال الرئيس السابق لجهاز مكافحة التجسس الفرنسي (إيف بونيه) (نحن لانجرؤ حتى على ذكر السعودية وقطر، لكن من الضروري جدا أن يتراجع كلاهما عن تمويل بعض العمليات المثيرة للريبة.)

وفي السياق ذاته، قالت المرشحة السابقة للبيت الأبيض  (هيلاري كلينتون) في رسالة بريد إلكتروني كشف عنها موقع ويكيليكس: (نحن بحاجة إلى استخدام نفوذنا الدبلوماسي والاستخباراتي للضغط على حكومتي قطر والسعودية، اللتين تمولان خلسة تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتشددة في المنطقة) ومن يتابع (الفتاوى الجهادية) سيعلم إن مصدرها شيوخ السوء في السعودية وقطر. وأخيرا وليس آخرا كشف ضابط ليبي وثيقة مضمونها إن القائم بالأعمال القطري في ليبيا جمع 18 ألف مرتزق من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا وتم إرسالهم إلى سوريا والعراق عن طريق تركيا.

واليوم ظهرت للعيان بداية تفكك حلف الشر الذي شجع داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام والجبهة الشامية وغيرها من العصابات الإرهابية على إرتكاب الفظائع تلو الفظائع في سوريا والعراق ولا يمكن لأي طرف من أخوة الأمس وأعداء اليوم تغطية الحقيقة بغربال. و(الطبخة) و(الأخطاء) التي  تحدث عنها الأمير السابق هي جرائم حرب دولية  أدت إلى سفك أنهار من دماء الأبرياء. ولا يمكن لهذه الدماء الغزيرة التي سفكت تذهب هدرا ولابد أن يأتي يوم يمثل فيه هؤلاء المجرمون الذين أهدروا مليارات الدولارات لقتل الأبرياء أمام محاكم دولية عادلة تقتص منهم مهما كانت مواقعهم. ولا ينقذهم إتهام كل طرف للطرف الآخر وتبرئة نفسه فهم شركاء في دعم الإرهاب حتى النخاع. ولن يسود الأمن والسلام في العالم وهناك من يمول الإرهب ويدعمه ماليا وإعلاميا . بقي أن نقول إن من العار على سياسيين عراقيين الإنحياز إلى أحد الطرفين ضد الطرف الآخر على حساب الدم العراقي المسفوح للوصول إلى أهداف شخصية.

وبرأيي المتواضع إن الشروط التي وضعتها السعودية وحلفائها لكي تعود قطر إلى حضيرتهم هي شروط إستسلام لايمكن تحقيقها وتنتهي بالصلح في الأفق المنظور. فالأزمة التي  نشبت بين الأخوة الأعداء عميقة جدا وحولت منطقة الخليج إلى قوتين متصارعتين وكل قوة تمتلك أوراقا عديدة. ولا أستبعد إن الطرفين سيبحثان عن مخارج تحفظ ماء وجهيهما بضغط متواصل من السيد الأمريكي الذي يحاول جمعهما على طاولة واحدة ليضخوا له المزيد من المال لقاء صلح هش سرعان مايتلاشى بعد أن ظهر الجمر فوق الرماد. والآتي أعظم وكما قال الشاعر طرفة بن العبد:

 ستبدي لك الأيام ما كنت  جاهلاً

 ويأتيك  بالأخبار  من لم   تزود.

 

جعفر المهاجر

 

 

في المثقف اليوم