أقلام حرة

الى الشيخ جلال الدين الصغير.. رسالة مفتوحة

laythe alkarbalaiقرأت لك قبل ايام كلاما ذكرتَ فيه شيئا عن ملازمتك للسيد محمد باقر الحكيم واشرت الى وجود صنفين من المرجعية : متصدية وغير متصدية فأحببت ان اضع بعض النقاط على الحروف .

وإذ أكتب هذه الرسالة لا اريد المزايدة على التاريخ الشخصي ومسيرة النضال و... فهو تاريخ مفروغ منه أولا ؛ وهو قاسم مشترك بينكم وبين غيركم من الاسماء والأحزاب صالحها وطالحها - إن وجِد فيها الصالح – هذا ثانيا، اما ثالثا وهو الأهم فان هذا التاريخ ما عاد يعني للعراقيين شيئا البتة بعد إن ذاقوا ويلات الجحيم الذي ارْكَسَتْهم فيه احزاب وقيادات ذلك النضال المجيد نفسها ! .

بعد عام 2003 كل الاقنعة احترقت واتضح ان مسيرة النضال الوعرة والشائكة انما كانت نزاعا على دنيا هارون فقط ولا مكان للقيم فيها البتة، نعم هذا ما تزعمون جميعا بألسنتكم كذبه، ولكن تُقيمون على صدقه امتن البراهين يوميا بأفعالكم .

لقد اسَسَتْ احزاب ما بعد 2003 بما فيها المجلس الاعلى نظاما نفعيا ريعيا كرس طبقية فاحشة في المجتمع الذي عانى الامرين دكتاتورية المقبور ونظامكم النفعي الذي من خلاله اقصيتم المجتمع الى جحيم فقرٍ وتخلف وضياع رهيب وهكذا كلما انتعشت مؤسساتكم (احزاب مابعد 2003) وارصدتكم ونَمَتْ شبرا غرق المجتمع في الجحيم امتارا .

أتدري مَنْ علمكم هذا النظام النفعي جناب الشيخ؟ أنا أخبرك: انه سيد قطب الذي ما زال يعشعش بفكره المنحرف في لا وعي زعاماتكم التي برصيدها من النضال والوجاهة تَحْسَبُ انها الجماعة الصالحة التي احد حقوقها الطبيعية استباحة البلاد واستعباد الناس لما فيه مصلحتها وديمومة بقائها هذه اهم قاعدة في فكر الزعيم الاخواني البائس الذي استفحل على مناهج اغلب الاحزاب التي تنسب نفسها للاسلام في القرن الاخير وفي مقدمتها حزب الدعوة الذي ترعرع قياداتكم في احضانه.

وبالمناسبة صحيح ان حزب الدعوة يتحمل جريرة القسط الاوفر من الفساد والخراب لما تمتع به من مناصب سيادية وهيمنة على معظم مفاصل الدولة وجمهور عريض ولكن :

اولا: اريد ان اعيد ذاكرتك الى ما بعد احداث 2003 لا سيما عام 2005 تلك السنة التي نفختم فيها هذا البالون اذ لم يكن اغلب الشعب يعرف غير السيد محمد باقر الذي استشهد في 2003 واخيه عبد العزيز الذي كان حينها رئيسا للإتلاف العراقي الموحد فضلا عن المجلس، فالناس انتخبوكم انتم ووقفوا خلفكم ولكن انتم –ربما لضعفكم او لسوء تدبيركم- وضعتم حزب الدعوة في الواجهة وبالتالي انتم من خطط ومهد لكل هذه التراجيديا الأكثر من مأساوية التي يعيشها البلد، ولا تحدثني عن حسن النوايا وطيب المقاصد فهذه اسطوانة مشروخة وحديث لا يسمن ولا يغني من جوع انما حدثني كيف ستصلحون كل تلك الأخطاء المتراكمة التي اقل ما يقال فيها انها نابعة من غلبة الاهواء وضعف التدبير وافتقاد القيادة الحكيمة .

اما ثانيا: فالمجلس شأنه شأن الاحزاب الاخرى تسنم عدة وزارات ومناصب سيادية وغير سيادية ولم نلمس في وزاراتكم سواء ايام الراحل السيد عبد العزيز ام بعده غير الخواء والفساد شأنها شأن وزارات غرمائكم في السياسة الا اللهم بعض التحسن في وزارة النفط على يد عبد المهدي مؤخرا ويالها من مهزلة مدعاة للضحك اذ يُعد تحسنا يسيرا مثله انجازا كأنكم تعيشون فصاما عن العالم وما يجري فيه.

وثالثا: في ظل كل تلك الفوضى والخراب والفساد الذي تنسبونه ومريدوكم في الغالب الى حزب الدعوة وسائر غرمائكم لم نسمع منكم (المجلس الاعلى) اي صوت معارض (سلميا) يُعتد به ويحسب له الفاسدون حسابا بل رأينا منكم خضوعا وخنوعا ومجاملات على حساب المبادىء وعلى طول الخط منذ 2003 والى اليوم ولعل السبب في ذلك اهتمام حزبكم الموقر (جدا) بالدرجة الاساس وقبل كل شيء بعدد المناصب التي من الممكن ان يحتلبها كغيره من الاحزاب .

أليس من المضحك بعد هذا – والذي هو قيض من فيض – ان اسمعك تتحدث عن فشل المجلس الاعلى بعد الابتعاد عن الفقيه المتصدي كأنه كان ناجحا عندما كانت كلمة الفقيه المتصدي نافذة فيه ايام الراحل السيد عبد العزيز، متوهم جدا جناب الشيخ حزبكم غارق في الفساد والخمول – كغيره من الاحزاب التي يدعمها الفقيه المتصدي - من اخمص قدمه الى اعلى هامته سواء ايام نفوذ كلمة الفقيه المتصدي او الآن.

هذا كله كلام عام يخص الحزب الذي كنت عضوا في مجلس قيادته ولكن لي معك حديث يخصك وهو طويل الذيل غير اني سأقتصر فيه على نقطة واحدة وردت في بيانك الاخير : إذ يدهشني حقا كلامك مؤخرا عن حزورة المرجع المتصدي والمرجع غير المتصدي كأنك تحيي فكرة بائسة راجت في زمن التخلف بعنوان الحوزة الناطقة والحوزة الصامتة، على انك سبق وان تكلمت في مناسبة اخرى عن وجود مرجعيتين للشباب الاولى فقهية والثانية سياسية يمثلها الفقيه المتصدي وقبل ان تُصادر عليَّ المطلوب دعني أُخبرك اني طالب علوم دينية ولله الحمد وبالتالي أعلم ان فكرة التصدي وعدم التصدي فكرة واردة في منظومتنا الفقهية وأنه يخضع لعوامل عدة منها ما يتعلق بالمكانة العلمية للفقيه، وبسط يده، ورؤيته الفقهية والظروف والحاجة الفعلية وما الى ذلك انما اريد المناقشة في طريقة طرحكم للفكرة بالاضافة للمصاديق التي طبقتم عليها هذه الفكرة من خلال امرين :

الاول: لا يوجد عندنا في الفقه شيئا اسمه مرجعية فقهية غير متصدية واخرى مرجعية سياسية متصدية انما عندنا فقيه جامع للشرائط إن رأى ان المصلحة تقتضي التصدي لشؤون الدولة تصدى لها وهو نفسه ان وجد المصلحة بخلاف ذلك أحجم وهذا سلوك تجده في سيرة أهل البيت عليهم السلام قبل الفقهاء، بعد ذلك هلّا تأملت معي كم انك حرّفت الفكرة عندما طرحتها على انهما مرجعيتان مستقلتان !.

الثاني: من هو الفقيه المتصدي في رأيك؟ ومن هو غير المتصدي؟ بل ما هو مفهوم التصدي عندك؟ لاشك انك قصدت بالمتصدي السيد علي خامنئي وبغير المتصدي المرجعية العليا في النجف الاشرف تلك المرجعية التي اوصدت ابوابها في وجوه احزابكم لفسادها . ويبقى السؤال الثالث هو المهم : ما هو مفهومك عن الفقيه المتصدي؟

بما انك انقطعت عن الدرس على يد العلماء منذ أمد بعيد دعني اتولى توضيح معنى الفقيه المتصدي الوارد في بعض المدونات الفقهية مؤخرا :

بأدنى نظرة في كتبنا الفقهية التي استخدمت هذا المصطلح تلاحظ انه من المفاهيم الاضافية اذ استخدمه بعض الفقهاء في معاني متعددة بحسب ما يُضاف اليه وشاع بين بعض المحققين اطلاقه على الشهيد الاول (محمد بن مكي العاملي ت786هـ) بسبب اشاعته نظام الوكالات اكثر ممن سبقه، هذا رغم ان هذا الشهيد قدس الله نفسه لم يتصد لأدارة الدولة حتى عندما كان مبسوط اليد عندما دعاه المؤيد حاكم الدولة السربدارية الى تولي شؤون الحكم هناك اذ رفض الشهيد ذلك تبعا لتشخيصه للمصلحة في عدم تولي الحكم واكتفى بتوجيههم الى كتابه اللمعة الدمشقية لمعرفة الاحكام الشرعية وعدم مخالفتهم لها في نظامهم .

وبأي حال فإن مصطلح (الفقيه المتصدي) وكما سبق بيانه استخدم في المدونات الفقهية المتأخرة بمعان شتى بحسب ما يضاف اليه فورد في تلك المدونات مثلا: (الفقيه المتصدي لشؤون الامة) وواضح ان عدم التصدي لادارة كرسي السلطان لا يتنافى مع التصدي لشؤون الامة وورد في تلك المدونات ايضا: (الفقيه المتصدي: للفتوى، لتنظيم امور المسلمين، لشؤون المجتمع، للامور الحسبية، للولاية العامة ...) وواضح ايضا ان التصدي اذا ما اضيف لكل واحد من هذه المفاهيم لا يخل به عدم كون الفقيه سلطانا حاكما حتى في المفهوم الاخير (الولاية العامة) فقد يُشخِّص صاحب الولاية عدم المصلحة في التربع على كرسي السلطة مثلا مع انه مبسوط اليد وما اكثر ان حصل ذلك في تاريخنا كما هي الحال مع الشهيد الاول الذي مر ذكره نعم في بعض تلك المدونات ورد مطلح (الفقيه المتصدي لادارة الدولة او للحكم ) وهذا هو الاخر يمكن تحققه عبر تولي المنصب مباشرة او عبر النصح والارشاد كما فعل غير واحد من علمائنا ايام الدول الغابرة . ولا تحدثني هنا عن الخلاف في الولاية العامة والولاية الخاصة فانت تعلم جيدا ان مفهوم الحسبة عند كثير من الفقهاء – كالسيد الخوئي والشيخ جواد التبريزي والسيد السيستاني مثلا – يتسع ليشمل حتى اقامة حكم اسلامي ان كان في ذلك مصلحة وكان الناس بحاجة لذلك وكان الفقيه مبسوط اليد .

بعد هذا هل يصح ان تصف المرجعية العليا بعدم التصدي؟ بل وتعمل على تنحيتها جانبا وتتكلم عن احتياج الشباب لمرجعيتين ؟!!

هذا محض هراء جناب الشيخ فالمرجعية العليا اول من تصدى لاعادة الامور الى نصابها بعد 2003 ربما تقول انها لم تتصد للشأن السياسي بتفاصيله وهو هراء ايضا وانا سأخبرك ببعض الموارد التي تصدت فيها وكيف كنتم في مقدمة من خذلها :

- تصدت يوم ارشدتكم لنظام ديموقراطي يحفظ للناس حقوقهم، انقلبتم عليه فيما بعد وصيرتموه نفعيا.

- ويوم طالبتكم بالتخلي عن كل الامتيازات التي منحتموها لانفسكم وخذلها المجلس وغيره .

- وتصدت حين طالبتكم بقصر نظركم وولائكم على ما فيه مصلحة بلادكم ولكن كلٌ منكم مد عنقه متملقا لدولة من دول الجوار وكذبا تزعمون ان مصلحة بلادنا تكمن في مصالحها بل مصالحكم انتم فقط تجدونها هناك .

- واريد ايضا ان انكأ بعض الجروح التي لا يجب ان تندمل الا بعلاج شامل وصحيح فدعني أخبرك انها تصدت يوم طلبت من طلاب العلوم الدينية ورجال الدين عدم تولي المناصب في الدولة والاكتفاء بالارشاد وحزبكم الموقر (جدا) في مقدمة من خالف ذلك ولم تكتفوا بما عندكم بل كم وكم حاولتم تجنيد طلبة جدد بشتى العناوين والشعارات بل وتاجرتم حتى بسمعة المرجعية وها انتم تتنعمون بامتيازاتكم بينما طلاب الحوزة في النجف يدفعون ثمن تهوركم وجهل الناس معا .

- عندما يحدد المرجع الاعلى ان المصلحة تقتضي نظاما ديموقراطيا قائما على الانتخابات فان ذلك لا يعني عدم التصدي بل هذا التشخيص في نفسه يعد تصديا، وعليه فان محاولة تنحية المرجع الاعلى في مثل هذه الحال بحجة التصدي لا تعني شطارة جناب الشيخ! انما تعني العمل بخلاف المصلحة التي شخصها نائب الامام وانت ادرى بخطورة ما اقول فدع عنك الهوى وتأمل قليلا في كل فعل او كلمة وما زال هناك متسع لاصلاح ما افسدتموه في السابق وحذار حذار من التسرع فالروية رأس كل صواب ولا اطلب منك الروية في الشأن السياسي فقط بل الروية كل الروية في ما تطرحه في قضية المهدوية ايضا لا سيما تطبيقاتك – التي ما انزل الله بها من سلطان – للمفاهيم الكلية في روايات الظهور المقدس على مصاديقها في الخارج، تلك التطبيقات التي أخطأ فيها غيرك من قبلُ مرات ومرات، كان عليك الاعتبار من تجاربهم وتجنب هذا المنزلق احتراما للفكر الديني ورحمة بعقول الناس .

وفي الختام : أعلم ان لديك فصيلا مسلحا وانه يتطلب اموالا وسلاحا والاهم من ذلك انه يتطلب غطاء سياسيا واعلم ايضا ان التستر بعباءة الفقيه المتصدي - الذي يدعم كل الاحزاب الفاسدة والمتناقضة في هذا البلد - سيكون انجح فكرة في مثل هذه الحال ولكن لا اظن ان ذلك كاف لتصحيح ما تفعل امام الله بل ولا امام الناس .

واخيرا اود ان اروي لك قصة قصيرة : حدث يوما وان ذهبت الى احد المحافل في النجف مع بعض الاصدقاء وعند دخولنا رأيت عضوا في حزب الدعوة في المحافظة وقد نهض على قدميه شأنه شأن اصحاب المحفل ليستقبلنا لكني عزفت عن مصافحته متعمدا واجتزته الى من بعده واخبرتهم لاحقا بالسبب : فقد تعلمت من ديني الذي شوهتم صورته ان اليد التي تسرق خبز الفقراء يجب ان تقطع لا ان تصافح، هذه هي مبادئي التي تعلمتها في النجف ولن اساوم عليها مهما كان الثمن، ورغم ان بعض الاصدقاء اعتبروه حينها تصرفا فظا ولكن كن واثقا لو شاء القدر ان التقي يوما بك او بعمار الحكيم او المالكي او مقتدى الصدر او محمد اليعقوبي ومن لف لفكم كن واثقا لن اكون حينها اقل فظاظة ولا يهمني ما يقول الناس فقط لاني لا اساوم على مبادئي .. اتمنى ان تكون الرسالة واضحة .

 

ليث الكربلائي

 

 

في المثقف اليوم