أقلام حرة

إنَّهم يقيمونَ في جهازِ المناعة ..

atif aldarabsaما أقسى أن يشعرَ الإنسانُ بالخجلِ لا من وطنهِ الكبيرِ بل من القائمينَ على إدارةِ شؤونهِ، ومقدَّراتهِ، ويتصرّفونَ في أسبابِ عيشِ المواطنين، ولعلَّني لا أُبالغُ إذا ما شعرتُ بالخجلِ والحرجِ من سلوكهم، وسوءِ أفعالهم التي لا تُقنعُ طفلاً أو مراهقاً أو امرأةً أو عجوزاً، كم هو محزنٌ أن تشعرَ في وطنكَ بأنَّكَ مسلوبُ الإرادةِ لا قدرةَ لكَ على اتخاذِ قرارٍ أو صناعةِ قرارٍ أو الإسهامِ في صناعةِ القرارِ، وكم هو الحزنُ شديدٌ حينَ تعلمُ أنَّكَ في وطنٍ يدَّعي بأنّه دولةُ مؤسساتٍ ودولةُ قانونٍ ودولةُ حريّاتٍ ورأي وهو غيرُ ذلكَ .

ولعلَّ أكبرَ المصائبِ وأكثرها قهراً للنَّفسِ أن تكتشفَ أنّ المؤسسةَ الوحيدةَ التي تعملُ في وطنكَ وفقَ قانونِها الخاصِّ هي مؤسسةُ الفسادِ، هذه المؤسسةُ أشبهُ بشركةٍ مساهمةٍ محدودةٍ محصورةٍ - بفئةٍ من الذين يشبهونَ كلَّ شيءٍ إلا البشرَ - تجيدُ الرقصَ على الماءِ وتقفزُ فوقَ القوانينِ، وتتقنُ بامتيازٍ قواعدَ الاختلاسِ، وقواعدَ النَّهبِ والتزويرِ واختراعِ المشاريعِ الوهميَّةِ .

ومن أعجبِ العجائبِ أن تجدَ هذه الفئةَ تتصدَّرُ وسائلَ الإعلامِ والمنابرَ، وتُحدِّثكَ عن المهنيةِ والأمانةِ والأخلاقِ والعفَّةِ والشرفِ وسيادة القانون وهي كلُّ ثانيةٍ تخترقُ هذه السيادةَ ؛ هذه الفئة للأسفِ حالُها كحالِ فيروسِ الأيدزِ لا يُهاجم ولا يُقيمُ إلا في جهازِ المناعةِ، وهي وحدَها القادرةُ على تدميرِ هذا الجهازِ .

كم هو مُرعبٌ وكم هو مُفزعٌ وكم هو مُخيفٌ أن تعيشَ في وطنٍ خالٍ من جهازِ المناعةِ . فلا أعرفُ كيف سيواجهُ هذا الوطنُ عُشرَ إعصارٍ أو دقائقَ معدوداتٍ من مطرٍ عابرٍ أجواءَهُ بالصُدفةِ، فالبنيةُ التحتيةُ بلا تحتيةٍ، والبنيةُ الفوقيَّةُ هي الأخرى بلا تحتيةٍ باختصارٍ نحنُ لا نقفُ على أرضيَّةٍ صلبةٍ .

أوطانُنا من قشٍّ وطينٍ كأنَّها خيمةٌ بلا ستائرَ، أعمدتُها أُقيمت وسطَ رمالٍ متحرِّكةٍ كلما اتكأتَ إلى عمودٍ تساقطَ من عليائهِ عمودٌ .

عفواً جبران خليل جبران فأعمدتنا متكسِّرةٌ كأجنحتكَ المُتكسِّرةِ، وعفواً ميخائيل نُعيمة ؛ كيف لنا أن نحملَ الماء بالغربالِ .

 

د.عاطف الدرابسة

 

 

في المثقف اليوم