أقلام حرة

ترانيم على عتبة العام الجديد

تتشدق بأمل عصفور يحملها بمنقاره ليحط بها على جنح جنية أدار الهوى رأسها ولعبت شمول بها حتى الثمالة فما عادت تدري أي طريق تسلك، تمنيت حينها أن تدور هذه الجنيّة دورة حول عمري وتلفني بتلابيبها لتحط بي في ارض ميعادي قبل أن يرتد إليّ طرفي ... ولكن أي عصفور هذا الذي يقدر أن يخفق بجناحيه في هذا الجليد الذي غطى المشاعر قبل الضفاف...وأيّة جنية تلك التي  ترضى أن ترافقني وإنا الذي أسكرتني  نشوة الحنين فذاب فؤادي في هوى سرمدي امتد وكأنه الأزل ... وبدلا" من ذلك وقبل أن يرتد إليّ طرفي،   تعانق عقربا الساعة وتضاجعا فحمل عقرب الدقائق على الفور ليلد خلال ثانية واحدة وليد جديد ... ليعلن سقوط آخر أوراق روزنامة عام شاخ وداخ ودوخنا معه ...وليعلن معها سقوط آخر قلاع الصبر المحيطة بهدب عيني . امتدت  حراب أساها لتفتح الدهشة المغلقة في سنادين ذاكرتي، جال بصري زائغا محدقا في عالم تيه مترامي الإطراف وكادت حبات عمري إن تنفرط لولا نداء هاتف الشعرالذي غشاني وهو يملأ الأجواء رهبة":

(يا بعيدين عن ... ماءنا والنخيل

هل وجدتم وطن ... عن ثرانا بديل)

تمنيت حينها أن أغلّه في سعير فؤادي الذي اكتوى بنار الغربة وانطفاءآت الروح فيها، لكني أجبت تساؤله بتساؤل آخر:

(اسألوا من سلا ... أي دمع أراق؟؟

وهو يمضي إلى ... غير ارض العراق)

 تحايل هاتف الوطن المصلوب في شراييني وأوردتي ونبضي واستغل اشتعال جذوة الوجد في مآق العيون فأطلق صوته للوجع  آمرا":

اشدد رحالك إن الأرض تنتظر ... قد آن مسراك لا تبخل وتعتذر

اشدد رحالك ظمآن لدجلتنا ... تلك المحيطات أمواه بها كدر

ردّدت روحي بهمس...تشابك معه وهن و ثبط عزيمة و( كسران خاطر) وإنا العارف بسفائني التي تكسرت أشرعتها عند صواري العودة فبات ثمنها الذي تطلبه أعلى من سقف عزيمتي (ليت السفائن لا تقاضي راكبيها عن سفار) في مواسم رؤوس السنوات التي ما أن تحل حتى يحل معها وجع راسي.

آه يا رأس السنة ...كم أتعبتني دورة ذكرياتك التي ما كلّت أبدا" من إعادة نصب الأعواد لصلب لحظات الفرح بمقدم العام الجديد،  ففي رأس سنة تمردت على جبروت التاريخ، دارت دورة الفلك دورتها ورمتنا من على ظهور مراكب الترحال القسري في أراضي ليست بأراضينا ... ذبلت أرواحنا في فيافي وتجمدت أفئدتنا في صقيع أراض اهرى ... ذقنا مرارة التأسي والتشتت حين حملنا أرواحنا وأكفاننا على كفتي اكفّنا بعد ان أصبح البحر من إمامنا والعدو من خلفنا، و يا له من عدو مقيت ذلك الذي كان يتربصنا في أوطاننا ومهود أحلامنا دون ذنب سوى نفوسنا الأبية التي أبت الظلم والطغيان بعد ان أمسينا ( في امة تداركها الله ... كصالح في ثمود) ، و ذقنا الموت غصّة بعد غصَة حين سلط ( يزيد) عصره سيوف ذلّه فوق رقابنا، وجعل أراذل القوم سادة على رؤوس ساداتها الاصلاء:

(المو ولدك ارتاحوا ياوطن بيك...وولدك على العالم طشّرتهم

ولدك علكوك اكلاده عالجيد...وانته على المشانق علكتهم

اجه راس السنه ورادوا يشبكوك...اكطعت راس السنه وما شابكتهم

حركوا روحهم من كلت بردان...ودفيت وصاروا ارماد ودستهم

من ألزمت قلمك صاروا اوراق... ومن كد ما اتشخبط شككتهم

صاروا لك ورد، ضنوك فلاح ...ما تعرف تشم، ليش اكطعتهم)(*)

     عذرا" أيها الوطن (يابو حضن الدافي) فقد تشطّ المشاعر أحيانا" ، فحاشاك ان يكون العيب فيك، وانت الذي

(ترحب باليتعنالك...كلك نخوه وكرم وخير

كلمة هله دوم اعله لسانك...وأتفضّل والله بالخير)

 فليس احن علينا منك والله ،ولكن العيب وكل العيب في بعض أولي أمرنا من السابقين واللاحقين ومن الذين تأمّروا على رقابنا وتولوا ومقدراتنا وهم ليسوا بأهل لها: (نعيب بلادنا والعيب فيكم...وما لبلادنا عيب سواكم)

فسلام عليك أيها الوطن المخبوء في ثنايا أرواحنا، سلام عليك وقد تزامنت كربلاء الشهادة والتاريخ مع كربلاء أيامنا الذاويات ...هذه الليلة،  إليك إليك لا إلى غيرك ترنو الحدقات والأفئدة وهي تنشد:

سلام عليك... على رافديك ... عراق القيم

فأنت مزار... وحب ودار... لكل الأمم

سلام لأرض تفيض عطاء...وعطر ثراها دم الشهداء

فهذا حسين وذي كربلاء ... إلى العزّ صارا لسان وفم

سلام عليك...على رافديك ...عراق القيم

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1274 الجمعة 01/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم