أقلام حرة

قبل الانتخابات .. رؤية أخرى

الناخب العراقي يضيع بين التشاؤم وبين المنفعة الآنية الفردية او المناطقية في نظرته للمرشحين في إطارات الانتخابات العراقية، يعزز هذا الضياع الأيدولوجيات المتنوعة والمتناقضة والمخادعة لوسائل الاعلام المختلفة والمملوكة لاحزاب او سفارات متعددة ذات مصالح في هذا البلد الذي يُراد إبادته . يدعم كل ذلك الرؤية الضبابية لغالب المرجعية الدينية المسيطرة على الساحة، فضلاً عن امتلاكها لمشروع عملي يمكن ان ينقذ الناخب العراقي من حيرته، فهي قد تقول له لا تنتخب الفاسد في القائمة الصالحة او الصالح في القائمة الفاسدة لكن شارك في الانتخابات دون ان تعطيه خيار جديد هو قائمة صالحة نظرياً بأعضاء صالحين ظاهراً على الأقل وتكون من معتمديها .

ان المصلحة الآنية الفردية والمناطقية – وان كانت ضرورية – لا تنتج كل ما يأمله الناخب، وقد تعود عليه بالضرر الماحق من جهة أخرى وبصورة اكبر، فَلَو فرضنا ان بعض الناخبين استفاد من وجود حكومة العبادي او حزبه في إيجاد وظيفة ما – وهو امر لا يرتبط بوجود هذا الحزب وإنما من وظائف وعطايا الدولة – لكنه في النهاية تعرّض لأكبر حملة ضريبية في تاريخ المنطقة، بحيث لم يعد هناك ما هو مجاني تقريباً، كما تمت خصخصة الثروة الوطنية وبيعها بالمجان، الامر الذي أضرّ بالغالبية العظمى من المواطنين ومنهم ذرية هذا الشخص المنتفع ان لم يكن ذاته . ويكون هذا الناخب قد ساهم في اكبر عملية نصب مرّ بها هذا الوطن من خلال الخصخصة غير الممنهجة وغير الواقعية التي يقودها العبادي، ومنذ توليه اولّ وزارة قبل استلام رئاسة الوزراء .

وقد يتاثر الناخب بالضجيج الإعلامي او الطائفي لكيانات وأشخاص كانوا جزءاً من الواقع الفاسد او من داعميه، كما في حالة حنان الفتلاوي التي برزت إعلامياً من خلال دعمها لواحدة من أسوأ الشخصيات السياسية النرجسية والدكتاتورية وهي شخصية المالكي، الذي أضاع مليارات الدولارات في لا شيء، سوى العنجهية والغرور الفارغ، لتنقلب عليه لاحقاً في إطار البراغماتية السياسية حين انتهت تقريباً عهدته في السلطة .

وقد يكون للانتمائية الجاهلة والعصبية السياسية دور مهم في تحديد خيارات بعض الناخبين، كأنصار الكيانات التي تتبع السيد مقتدى الصدر، رغم ان مرشحيها بين جاهل واقعاً وبين انتهازي يحاول استغلال هذه الجماهير للصعود نحو الطبقة السياسية العليا، وهذا يذكرنا كيف ان هؤلاء الناخبين لم يكونوا يعلمون في الغالب ان لتيّارهم أربعة وزارات خدمية مهمة، تمس في الغالب حياتهم، وكيف ان الكيان الذي انتخبوه كان جزءاً لا يتجزأ في عملية انهيار وزارة الصناعة العراقية، وهم لا شك لا يقبلون بهذه النتيجة الا انهم في الغالب لا يعلمون بالكواليس وبما يجري، فهم يرددون اشياءً تقال لهم في ظل طقوس شعائرية.

ان احزاباً مثل الدعوة والمجلس الأعلى او الحكمة لا تعاني مشاكل سياسية عابرة، بل هي تعاني مشاكل بنيوية ذهنية، فهي تعيش حالة تناقض وازدواج بين كونها جاهلة في المحصلة العملية لرؤى بناء الدولة وبين انانيتها التي تفرض عليها منع وصول من تعلم انه أكفأ منها للسلطة، لذلك هي تعيش حالة من التخبط والفوضى السياسية والإدارية، يعززها الوجود الأمريكي والإقليمي في تحقيق مصالح تنفذها هذه الأحزاب وتخضع لها الكوادر المحلية رغبة في خدمة الزعماء والقادة الذين صارت لهم قداسة يمنحها المال والإعلام .

كما ان بعض الناخبين ذهبت عاطفته باتجاه فصائل الحشد الشعبي، التي كانت بحق خير ذراع دافع عن الوطن، لكنّ ذلك لا يعني مطلقاً ان رجال الميدان هم بالضرورة رجال دولة، فالكثير من قادة هذه الفصائل كانوا ولا زالوا جزءاً من الفشل السياسي في العراق، والكثير منهم لا يعلم شيئاً عن أسس الإدارة والإنتاج والاقتصاد، هذا اذا أحسنّا الظن بالجميع .

ان التشظي الظاهري لبعض الأحزاب التي كانت كتلة واحدة سابقاً لا يعني مطلقاً انها اختلفت في رؤاها وسياساتها، بل هي قد اختلفت – كما حكت التجربة – على كراسي السلطة وحسب، لذلك ستعود للتحالف مع مشاريع السفارات المهلكة عند فوزها، وبصورة مجتمعة، لانها مكشوفة امام أجهزة هذه السفارات في ملفات فسادها وتاريخها .

 

علي الإبراهيمي

 

 

في المثقف اليوم