تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

مصر هى أنا وأنت يا صديقي!

مجدي ابراهيمسئلتُ قبل الانتخابات الرئاسية من أحد الأصدقاء: لمن تصوّت؟ فأجبته من فوري: لمصر، وقبل أن يستفهمني ماذا عساي أقصد بأن يكون التصويت لمصر، رحتُ أرمقه بنظرات حانية لأقول بكل سماحة: مصر اليوم فكرة عامة مُجرَّدة ممثلة في زعيمها ولا زعيم لها في الواقع سواه، فلو لم يكن التصويت للسيسي زعيماً، فلمن يكون التصويت؟

بكل تأكيد سيكون لصالح صُنّاع العار الوطني، لخفافيش الظلام، للفوضى التي سبّبتها أيدي التخريب والفساد والتآمر في الداخل والخارج.

عارُ وأي عار! عار على من أدخل العار لنفسه ولبيته ولوطنه. وكل عار يُلاحق أصنام الجهالة والنفور من الوطنيّة هو عارُ على من لم يقدّر شرف النسب المصري ويلحق نسبه بدويلات لم تذكر في التاريخ ولا في الحضارة إلا عرضاً غير مسبوق بتاريخ ولا حضارة. ويبقى المصري الأصيل هو صاحب التاريخ وصاحب الحضارة رغم أنف التآمر والحقارة. إنّ مصر هى كل مصرى، هى أنا وأنت، فانقسامنا على أنفسنا مرارة كما يتجرّعها المخلصون، يتجرّعها الأفاكون الكاذبون المضلّلون ممّن جعلوا الإنقسام غاية لهم، رفضوا الوطنية، ودعّموا الشر، وزوّروا التاريخ، وركلوا المواطنة، وتعَامُوا عن السياسة العالميّة، وكرَّهوا عباد الله في خلق الله, وحرّضوا للعدوان وأرادوا الفوضى، ولم يعرفوا معاني الحياة في ظل الأمن والأمان والاستقرار.

هؤلاء هم من يريدون لمصر أن تكون مثل غيرها من الأقطار العربية ضعيفة، متشرذمة، متشظية، منقسمة على نفسها، يجمعها الضيم والعار والذل والهوان، لا بل يُفرّقها، ولا تجمعها راية من التوحيد واحدة ولا هدف واحد ولا وحدة واحدة. وهيهات هيهات؛ مع قوة الاتحاد العاصم من الفُرقة والشتات، أن ينالوا ما يريدون !

قلت يومها : من لم يشارك في الإنتخابات، وهو يشهد الأحداث الجسام تمر بها بلادنا، وأخطرها الحرب على الإرهاب، يُساهم بشكل أو بآخر في خيانة الوطن وخيانة الواجب ويتيح الفرصة لصغار الدول، وصغار النفوس، وصغار الإمكانات البشريّة، وصغار كل شئ؛ أن يتقوّلوا الأكاذيب على أكبر الدول وأعرقها حضارة ومنارة، فلم يبق إلّا الذيول التُّبّع وإلّاّ الأقزام من الدول والسياسات والأنظمة المتخلفة !

من أجل ذلك؛ فقد كانت هى المرة الأولى في حياتي أنتخب فيها، مختاراً السيسي لا سواه، لأسباب موضوعيّة، منها : القضاء على الإرهاب، والتصدي في شجاعة وإيمان للتأمر الدُّولي, والأمل في عودة الاستقرار إلى البلاد، والفرصة في الانتقال من القضاء على الإرهاب الفعلي إلى القضاء على الإرهاب الفكري .. أخطر ما نواجهه حقيقة هو الإرهاب؛ سواء كان في الداخل أو في الخارج، وهو سبب الفقر والعوز والحاجة والضعف والانقسام.

مصر تسع الجميع رُغم الخلاف، غير أن لهذا الخلاف ضوابط لا يطولها فيفسد فيها النظام ويحولها إلى فوضى عارمة مُسَبّبة للانهيار والكساد. والفرقُ كبيرٌ بين الخلاف المحترم الحريص على وحدة البلاد وبين الفوضى المُسَبِّبة للتفرقة والداعية للانقسام. الخلاف لبّ الديمقراطية والفوضى لا تمتُّ الى الديمقراطية بصلة؛ فمن يتبع كائناً ما كان أو مَنْ كان، من الأنظمة أو الدول أو الأيديولوجيات وهى ضد نظام الدولة لتكون فوضى داعية للانقسام مُسبّبة للفرقة هو ذيلٌ تابع لا يقرر مصير بلاده برأي له قناعته وقبوله وفق منطق المجموع والصالح العام، بمقدار ما لا يقرر مصير نفسه في بلاده فضلاً عن دحضه لمفهوم الانتماء وقلة ولائه للوطنية أو عدمه.

وقد رأينا ورأى معنا ألوف الألوف من الناس مَنَ جوّز لنفسه إلا يعترف بالوجود المصري وفضّل عليه وجوداً سواه واستخف بنسبه وولائه وشرفه المصري في سبيل إرضاء أيديولوجية معينة بالية ساقطة لا تقدّم للإنسانية فكرة مقبولة في العقل بل مرذولة، فهل يعدًّ مثل هذا إلّا الذيل التابع الإمّعة المنقاد، وإلاّ القزم الذي يريد أن يتعملق على حساب شرف الوطن وشرف الانتماء له والولاء إليه؟!

متخصصون نحن في سحب بساط التفرقة والتشرذم وفرشه أمامنا على أرض الواقع ليواطئ ما اختلفنا فيه لنطئه جيئة وذهوباً كلما تمزَّقت بنا السُّبل وافترقت حتى ليبدو إننا لم نحسن سوى لغة التمزق ولم نجيد سواها، فإذا دار حوار بيننا واختلفنا مزقنا بعضنا بعضاً في غير رحمة، ولا تفهمنا منطلقاتنا الفكرية ولا بواعثنا النفسية والوجدانية ولا توافقنا للوصول إلى المشترك الثقافي. وإذا اختلفنا على قيمة أو مفهوم تعاركنا فيما يشبه عراك الثيران ! فلم يعد الحوار بيننا عفيفاً شريفاً يخلو من الشتائم النكراء بل يصبح حواراً، كما اتفقنا، كحوار الطرشان.

قالها الإمام الشافعي قديماً في حق الإمام الليث بن سعد الفقيه المصري عبارة رددها المفكرون المصريون فيما بعد، وأخصهم الراحل الدكتور زكي نجيب محمود في حوار له منذ فترة طويلة مع الراحل فاروق شوشة؛ تقول العبارة التي قالها الشافعي عن الليث :" اللَّيثُ أفقه من مالك لولا أن أصحابه لم يقوموا به ". فلو كان الإمام الليث وجد من أصحابه من يناصره ويقف بجواره في غير انقسام ومعاداة لكان أفقه من مالك إمام المدينة؛ لكنها طبيعة التمزق والتشتت وقلة النزوع إلى الوحدة والتضامن والوقوف جميعاً إزاء التحديات على قلب رجل واحد.

فإذا عدنا على ما بدأناه من ملاحظة أن أخطر ما نواجهه في الحقيقة هو الإرهاب وهو هو عينه سبب الضعف والتمزق والإنقسام، لاحظنا كذلك إننا - لا سوانا - نحن مَنْ أساءنا إلى دين الله، بتفرقنا وتشرذمنا ونزوعنا الدائم إلى التفرق والتمزق؛ نحن الذين كان حظنا من دين الله لجلجة اللسان، نتحدث عن الله ولا نعرف عَمَّن نتحدث، ونتكلم عن التوحيد نجريه لفظاً بغير معنى، ونحن أشدُّ الناس تمزقاً وفرقة، وندافع عن دين الله ونحن الذين نسئ إليه من حيث لا نشعر، ونتشدق بالشريعة حكماً بغير مقصد مع أن الأصل في الشريعة مقاصدها الإلهية؛ فكما يكون الأصل في الإسلام هو الوحدة لا التشرذم أو الفرقة؛ فكذلك الحكم الشرائعي بغير المقصد الإلهي لا قيمة له.

مسلمون يقاتلون مسلمين بحجة الدفاع عن دين الله، ومسلمون يذبحون مسلمين ويستبيحون أعراضهم وأموالهم وأرواحهم بحجة الدفاع عن دين الله؛ ومسلمون يحتكرون الخطاب الديني ويزعمون أنهم المعبّرون الحقيقيون وحدهم دون سواهم عن دين الله .. قلْ لي بربّك : في أي دين شَرَعَهُ الله أن مسلماً يذبح أخيه المسلم بيديه ثم يكبّر عليه قصاصاً لدين الله؟ وهل قتل الأبرياء وتشريد الآمنيين وتفزيع الصغار والكبار شريعة من شرع الله، مع أن نصوص الأنبياء أجمعت على أن الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه .. نحن الذين أساءنا إلى دين الله بتشددنا وتطرفنا وتمزقنا وتشرذمنا .. ثم ماذا ؟

ثم انتماؤنا إلى اتجاهات دينية تراثية صنعها في الإسلام رجال مثلي ومثلك، واحتكار التعبير والتفكير في دين الله، وعدم السماح لغيرنا أن يطلب حقه في الفهم أو حتى في التفكير   !

فتنة كبرى بل أكبر من الكبرى؛ والله المستعان .

كلُّ منا ينطلق من بواعثه وأهدافه ويريد أن يملي تلك البواعث والأهداف على غيره، معتقداً أنها هى أصح ما يراها ولا يرى الصحيح لما سواها. لكن هذا كله شئ، إذا كنا نختلف حول الأفكار والمبادئ والعقائد الدينية، ولكن الاختلاف حول القيم الوطنية شئ آخر. الخلاف حول القيم الوطنية يقدحُ في نسبة الشرف الوطني ويحيل المختلفين حوله إلى مجرَّد قطع الشطرنج يحركها عقل مدّبر وراؤها، ولا تتحرك هى من تلقاء ذاتها تعبيراً عن ذواتها وكرامتها وتحقيقاً لقيمها ومبادئها، ولكنها تنتظر هذا العقل المدبّر يخطط لها إلى العمل ويرسم طريقها نحو الإرادة.

 

بقلم : د. مجدي إبراهيم

 

 

في المثقف اليوم