أقلام حرة

سرقةٌ ولكن .. بالقانون !

atif aldarabsaقلتُ لها:

ما أصعبَ أن يشعرَ الإنسانُ بأنَّه في حالةِ ابتزازٍ دائمٍ، أو أنَّه مُهدَّدٌ بلقمةِ عيشهِ، وما أقسى أن يعيشَ في وطنٍ ظاهرهُ يُوحي بالنِّظامِ وباطنهُ فوضى: إداريَّةٌ واقتصاديةٌ وسياسيَّةٌ .

.

أحياناً أسألُ نفسي: هل الأردنُ دولةٌ منهجيَّةٌ ؛ بمعنى أنَّها تُديرُ نفسَها وفقَ أُسسٍ وقواعدَ ورؤى وتخطيطٍ، أو أنَّها دولةٌ لديها آفاقٌ واستراتيجيَّاتٌ مستقبليَّةٌ، وحين أُعاينُ الواقعَ أو أستقرىء وجوهَ النَّاسِ، وأتأمَّلُ في إيحاءاتِ أجسادِهم وهم يروحُون ويجيئون أستشعرُ قلقَهم وغضبَهم المكبوتَ على الحالِ التي آلوا إليها .

.

إنَّ الحكومةَ الأردنيَّةَ تتعاملُ مع المواطنِ الأردنيِّ كجزَّارٍ يتعاملُ مع ذبيحتهِ بسكينٍ مثلومٍ، إنَّها حالةٌ تُشبهُ العذابَ المُتباطِىء، وهو أقسى أنواعِ العذابِ ؛ فالمواطنُ ينتظرُ كلَّ يومٍ قراراً بارتفاعِ سلعةٍ، أو بفرضِ ضريبةٍ ما من مثلِ ضريبةِ الوقودِ على فاتورةِ الكهرباءِ .

.

لا أعرفُ هل العقل الاقتصاديّ الأردنيّ غيرُ قادرٍ على بناءِ استراتيجيَّاتٍ حقيقيَّةٍ تُشعِرُ المواطنَ بالأمنِ، فكلُّ دولِ العالمِ المتقدِّمِ تسعى جاهدةً لإسعادِ مواطنيها، والترويحِ عنهم إلا حكومةَ الأردن ؛ تُصرُّ إصراراً عجيباً على إتعاسِ المواطنِ وجعلهِ يعيشُ في حالةِ شقاءٍ دائمٍ لا همَّ له إلا أن يسدَّ جوعَهُ، ويبحثُ عن قوتِ أولادهِ، فالطبقةُ المتوسطةُ مثلاً تبحثُ عن عملٍ إضافيٍّ فلم يعدْ مُستغرباً أن يعملَ المُعلِّمُ بعدَ الدوامِ (سائقاً لتاكسي) أو (مساعداً لبلِّيطٍ) أو (عاملَ بيطون) وكذلك الجنديَّ ورجلَ الأمنِ في إجازاتِهم . هذه الطبقةُ المتوسِّطةُ أصبحت تعيشُ بفضلِ الحكومةِ في حالةِ انفصالٍ عن اسرتِها وعائلتِها .

.

إنَّ الحكومةَ الأردنيَّةَ تعلمُ بوجعِ المواطنِ، وتعلمُ أنَّ ما يتقاضاهُ من راتبٍ لا يكفي أسبوعاً، وتعلمُ أنَّه يصرخُ جوعاً، ويتقلَّبُ على جنبيهِ كما يتقلَّبُ الحطبُ على النَّارِ .

.

أخافُ أن يأتيَ يومٌ يَنفذُ فيه صبرُ المواطنِ الأردنيِّ، فيلجأُ إمَّا إلى التطرُّفِ أو الثورةِ على الأوضاعِ السائدةِ، أو الانتحارِ .

.

ولعلَّه يبدو واضحاً لكلِّ مراقبٍ ارتفاعُ نسبة الجريمةِ والسَّرقةِ المُنظَّمةِ وغيرِ المُنظَّمةِ، وهو أمرٌ يفرضُ على صاحبِ القرارِ أن يتَّخذ إجراءاتٍ واقعيَّةٍ لمعالجةِ مشكلاتِ البلدِ الاقتصاديَّةِ .

.

نحنُ هنا لا ندعو الحكومةُ إلى ابتكارِ الفرحِ أو السَّعادةِ، وإنما ندعو الحكومةَ أن تجعلَ المواطنَ يشعرُ بهما، فكلُّ القوانينِ التي تفرضُها الحكومةُ، وكلُّ القوانين التي تشتري بها الحكومةُ مجلسَ النُّوابِ تعملُ ضدَّ المواطنِ، وتستهدفُ جيبَهُ وكأنَّها تُمارسُ السَّرقةَ بالقانونِ .

 

د. عاطف الدرابسة

 

 

في المثقف اليوم